أماندا تشو - راشيل ميلارد - أليس هانكوك
شهدت أسهم شركات الهيدروجين النظيف في الولايات المتحدة وأوروبا تراجعاً حاداً، وتأجل العديد من المشاريع، في ظل معاناة القطاع من انخفاض الطلب عن المتوقع، إلى جانب عدم اليقين التنظيمي، وتزايد شكوك المستثمرين.
وتراجعت أسهم شركات رائدة في مجال الهيدروجين مثل «بلاج باور» و«بالارد باور سيستمز» و«جرين هيدروجين سيستمز» بأكثر من النصف خلال العام الجاري، مسجلة أدنى مستوياتها، مع تواصل الخسائر الفصلية المتتالية. كما انخفضت أسهم شركات «نيل» و«بلوم إنرجي» و«آي تي إم باور» بنسبة الثلث.
وانخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز كينشو جلوبال هيدروجين إيكونومي»، الذي يتتبع أداء شركات الهيدروجين منخفض الكربون على امتداد سلسلة القيمة، إلى مستويات منتصف عام 2020، مما محا المكاسب التي تحققت في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021، والتي كانت مدفوعة بالاهتمام الكبير الذي حظي به تطوير الطاقة الخضراء آنذاك.
ويُنظر إلى الهيدروجين باعتباره عنصراً ضرورياً لإزالة الكربون من الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة، مثل صناعة الصلب والشحن. ويمكن إنتاجه باستخدام مصادر متجددة لإنتاج «الهيدروجين الأخضر» أو باستخدام الغاز لإنتاج «الهيدروجين الأزرق» حيث يتم التقاط انبعاثات الكربون الناتجة وتخزينها.
وخلال الشهر الماضي، خفضت شركة ماكينزي الاستشارية توقعاتها المتعلقة بإنتاج الهيدروجين الأخضر لعام 2030 في الولايات المتحدة بنسبة 70%، محذرة من أن البلاد قد لا تحقق هدف إدارة بايدن المتمثل في إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين النظيف.
وخلال شهر يوليو، حذّرت محكمة مراجعي الحسابات الأوروبية، وهي هيئة لمراقبة الإنفاق في الاتحاد الأوروبي، من أن هدف الكتلة لإنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 «غير واقعي» ويحتاج إلى «مراجعة واقعية».
وفي هذا السياق، أكد مارك لايسي، رئيس الأسهم المواضيعية لدى شركة شرودرز، قائلاً: «لا يزال الهيدروجين الأخضر خياراً غير استثماري... أي أنه غير مجدٍ عندما يتعلق الأمر بالاستثمار». وأشار إلى أن شركة إدارة الأصول البريطانية لديها «تعرض محدود» لمخاطر الهيدروجين الأخضر في محافظ الطاقة الخاصة بها.
ويمثل تراجع سوق الهيدروجين انحرافاً واضحاً عن حماس المستثمرين الذي شهدناه قبل عامين فقط عندما أقر الرئيس جو بايدن نظام الائتمانات الضريبية المغرية بموجب قانون خفض التضخم، والذي حول الولايات المتحدة إلى الوجهة الأكثر جاذبية لإنتاج الهيدروجين. وفي الوقت نفسه، كان الاتحاد الأوروبي يدفع قدماً باستراتيجيته الجديدة للهيدروجين. وفي المقابل، سجلت أسهم شركات الطاقة النووية مستويات قياسية بسبب نمو الطلب على الطاقة من الذكاء الاصطناعي.
وأدّت الشكوك بشأن لوائح الائتمان الضريبي في الولايات المتحدة والتنظيمات الصارمة في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب ضعف الطلب، إلى عرقلة المشاريع على جانبي الأطلسي. ورغم زيادة القدرات المعلنة، فإن 18% فقط من مشاريع الهيدروجين النظيف في أمريكا الشمالية و5% من المشروعات في أوروبا المستهدفة للتشغيل بحلول 2030 قد اتخذت قرار الاستثماري النهائي، استناداً لما جاء في تقرير شركة ماكينزي ومجلس الهيدروجين.
وقال آندي مارش، الرئيس التنفيذي لشركة بلاغ باور المصنعة لمعدات الهيدروجين، إن «الرحلة كانت مؤلمة». لذلك، أوقفت الشركة تطوير مشروعها الذي يبلغ قيمته 290 مليون دولار في نيويورك، والذي كان من المفترض أن يكون الأكبر في أمريكا الشمالية، وهي تواجه حالياً أزمة سيولة. وأضاف مارش: «من الواضح أنه كانت لدينا توقعات غير واقعية بشأن مدى سرعة تقدم المشروع».
ويمثل توقف شركة بلاغ باور أحد التحديات العديدة التي تواجه الصناعة الناشئة هذا العام. فخلال الشهر الماضي، أنهت شركة «هاي ستور» الأمريكية عقدها مع شركة نيل النرويجية لإنتاج أجهزة تحليل كهربائي بسعة 1 جيجاواط بهدف تطوير مشروع هيدروجين كبير في ولاية مسيسيبي. كما أوقفت شركات مثل، ماراثون بتروليوم وفورتسكيو و«سي إن إكس» أو انسحبت من التزاماتها تجاه برنامج بايدن لمراكز الهيدروجين البالغ قيمتها 7 مليارات دولار. وصرح هاكون فولدال، الرئيس التنفيذي لشركة نيل، قائلاً «سيحدث غربلة للسوق».
وكانت الشركة كشفت العام الماضي عن خطط لبناء مصنع بقيمة 400 مليون دولار في ميشيغان لتصنيع معدات الهيدروجين، لكنها لم تحرز تقدماً في تطويره، مشيرة إلى «الافتقار إلى الزخم» بسبب ارتفاع التكاليف عن المتوقع وعدم وضوح لوائح الائتمان الضريبي. وقال فولدال: «من الحماقة أن يكون لديك مصنع كبير بآلات متطورة قادرة على توفير كمية كبيرة من الكهرباء، ولكن لن يشتريها أحد بسبب غياب المشاريع».
وأثر البطء في إصدار لوائح الائتمان الضريبي من البيت الأبيض وانخفاض الطلب بشكل خاص على الشركات الصغيرة والأقل تنوعاً. وعلى النقيض، ارتفعت أسعار أسهم شركات الطاقة الأكبر حجماً والأكثر تنوعاً، والتي تضم الهيدروجين ضمن أعمالها، مثل كيمنز وإير ليكويد وليندي، منذ بداية العام، مع ارتفاع توقعات الطلب على الطاقة.
وفي أوروبا، أعاق بطء التمويل الحكومي والافتقار إلى الدعم الكافي، فضلاً عن العقبات التنظيمية في بعض الدول، جهود التنمية. وأعلنت شركة ريبسول الإسبانية وقف جميع مشاريعها المتعلقة بإنتاج الهيدروجين الأخضر في إسبانيا. وخلال الشهر الماضي، ألغت شركة شل مشروعاً لإنتاج الهيدروجين الأزرق في النرويج، مشيرة إلى أن السبب هو أنها «لم تشهد تطوراً في سوق الهيدروجين الأزرق».
وعزت ريبسول قرارها إلى تمديد ضريبة الأرباح غير المتوقعة المفروضة على شركات الطاقة. وأشار توماس مالانغو، مدير قسم الوقود المتجدد والاقتصاد الدائري في الشركة، إلى أن حفنة من المشاريع في أوروبا اتخذت قرار الاستثماري النهائي بسبب الافتقار إلى المرونة في لوائح الاتحاد الأوروبي. وقال: «تزداد المخاطر إذا اقتصرت على فرصة واحدة فقط».
ورغم التأخيرات، لم يتم إلغاء سوى حصة صغيرة من المشاريع في جميع أنحاء العالم، مما يمنح الصناعة الأمل في أن توضيح الحوافز والأطر التنظيمية من قبل بروكسل وواشنطن قد يساعد في انتعاش القطاع. وتقدر شركة وود ماكنزي أن ما يقرب من 2% من قدرة الهيدروجين منخفض الكربون القائمة والمخطط لها قد تم إيقافها أو إلغاؤها خلال الثمانية عشر شهراً الماضية.
يأتي ذلك، فيما تواصل شركات النفط في الشرق الأوسط مثل أرامكو السعودية وأدنوك الاستثمار في الهيدروجين النظيف، حيث وقعت الأخيرة صفقة الشهر الماضي لشراء حصة 35% في مشروع الهيدروجين التابع لشركة إكسون موبيل في منطقة بايتاون بولاية تكساس.
وفي وقت سابق من هذا العام، طرحت المفوضية الأوروبية نموذج تمويل لخفض تكاليف الهيدروجين الأخضر وتسعى لخلق «أسواق تتسم بقوة الطلب» من خلال المناقصات العامة، وفقاً لمسؤولين معنيين. كما خصصت وزارة الطاقة الأمريكية مليار دولار لبرنامج يهدف إلى تحفيز الطلب على الهيدروجين.
ومع ذلك، أعرب قطاع الهيدروجين في أوروبا عن استيائه من أن تعريف المفوضية للهيدروجين الأخضر صارم للغاية. وفي الولايات المتحدة، دار نقاش حاد لمدة عامين تقريباً حول مدى تشدد إدارة بايدن في تعريف الهيدروجين الأخضر في قواعد الائتمان الضريبي، مما أدى إلى تعثر الاستثمارات وإجبار المطورين على حرق النقد.