أماندا تشو

تُشيّد شركة إكوينور النرويجية، العملاقة في مجال النفط والغاز، أكبر محطة لتوليد الطاقة من الرياح البحرية في الولايات المتحدة، عند مصب نهر هدسون بمدينة نيويورك، والتي قد تُصبح رمزاً لمستقبل الطاقة في البلاد، أو ربما ماضيها.

وبينما يتجه الناخبون الأمريكيون اليوم إلى إحدى أكثر الانتخابات الرئاسية حدةً في تاريخهم، يُدقق المستثمرون والمديرون التنفيذيون في تصريحات الحملات الانتخابية، سعياً لفهم أي القطاعات ستُحقق أكبر المكاسب أو الخسائر في ظل الإدارة القادمة.

وهنا، تبرز صناعة الطاقة المتجددة، كأكثر القطاعات تأثراً بالنتيجة.وقال شون ماكغارفي رئيس اتحاد نقابات البناء في أمريكا الشمالية، خلال مؤتمر عُقد منذ أيام:

«سيُمثل فوز هاريس ووالز بشرى سارة لصناعة الرياح البحرية، بينما سيكون فوز ترامب وفانس كارثةً عليها». وقد قوبلت توقعاته بفوز كامالا هاريس بالرئاسة بتصفيق كبير.

وكان دونالد ترامب تعهد بوقف مشاريع طاقة الرياح البحرية «فوراً»، في حال إعادة انتخابه، ووعد أيضاً بـ «إلغاء» قانون الحد من التضخم، وهو قانون بايدن الرئيس للمناخ، الذي يتضمن حوافز ضريبية تهدف إلى خفض تكاليف الطاقة المتجددة، وتسريع وتيرة التخلص من الكربون.

وقد تدفقت استثمارات من القطاع الخاص بنحو 450 مليار دولار أمريكي إلى قطاع الطاقة الأمريكي، منذ إقرار قانون الحد من التضخم، بحسب «كلين إنفستمنت مونيتور».

وتشير تقديرات شركة بلومبرغ إن إي إف للاستشارات، إلى أن إلغاء قانون الحدّ من التضخم، سيسفر عن انخفاض بنسبة 17 % في القدرات الجديدة للطاقة المتجددة بين عامي 2025 و2035، كما أن مشاريع الرياح البحرية ستكون أكبر المتأثرين، بهبوط قدره 35 %.

وخَلصّ تحليل أجراه «غولدمان ساكس» مؤخراً حول ما ستشهده الأسواق، إلى أن مصادر الطاقة المتجددة ستكون أكبر رابح إذا ما فازت هاريس، وستكون الأكثر خسارة حال فوز ترامب، بجانب القطاعات الحساسة للتعريفات الجمركية.

وخلافاً للطاقة الشمسية والرياح البرية، تتطلب مشاريع طاقة الرياح البحرية موافقات فيدرالية، وهي الأكثر عُرضة للتأثر بالتغيرات التي تطرأ على من يتربعون على عرش المكتب البيضاوي.

وعززت إدارة بايدن نشر طاقة الرياح الشمسية، بعد أن حددت مستهدفاً طموحاً، يرمي إلى توليد 30 غيغاواط من الطاقة بحلول عام 2030، ووافقت على مشروعات تجارية لتوليد 16 غيغاواط، مقارنة مع «صفر من المشاريع» في بداية فترته الانتخابية.

وسلّطت مولي موريس رئيسة أعمال طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة لدى «إكوينور»، الضوء على «اليقين والالتزام بالطاقة المتجددة»، باعتباره العامل الأكثر أهمية في تعزيز طاقة الرياح البحرية.

وبدأت «إكوينور» العمل على مشروعها الذي يمتد على مساحة 73 فداناً في يونيو الماضي، ويُعرف المشروع باسم «محطة ساوث بروكلين البحرية».

وستكون موقعاً لتجميع مشروع طاقة الرياح الخاص بها، الذي يُعرف باسم «إمباير ويند 1»، وهو مؤهل للحصول على تسهيلات ضريبية، بموجب قانون الحد من التضخم، وسيستوعب مشروعات طاقة الرياح البحرية المستقبلية في المنطقة.

وبغض الطرف عمن سيفوز، سواء ترامب أو هاريس، فإن الانتخابات سيكون لها تداعيات كبيرة على مشهد الشركات في الولايات المتحدة.

وتتنبأ «بلومبرغ إنتليجنس»، بأن رئاسة ترامب ستقلل من متطلبات رأس المال اللازمة للمصارف الأمريكية، وستخفض من الدعم، بموجب قانون الرعاية الصحية الأمريكي، وستقلل من الحماية القانونية التي تتمتع بها كبرى شركات التكنولوجيا.

وعلى النقيض، ستكون رئاسة هاريس مماثلة لإدارة بايدن، حيث ستعزز التدقيق على المصارف، وكبرى شركات التكنولوجيا، وشركات الأدوية، وستواصل تنفيذ قانون الحد من التضخم، مع إعمال القواعد الرامية إلى خفض الانبعاثات.

وقال شيلدون كيمبر الرئيس التنفيذي لشركة إنترسكت باور المطورة لمشروعات طاقة متجددة، والذي قدّم هاريس في حدث لجمع التبرعات في وقت سابق من العام:

«لم نتردد في أن نقرر أي المُرشحين سندعم». وبدأت الشركة العمل على بناء كافة مشروعاتها تقريباً، لحماية نفسها من التغيرات المُحتملة في قواعد التسهيلات الضريبية.

ومع ذلك، سيواجه الإلغاء التام لقانون الحد من التضخم تحديات كبيرة. وفي حين تم تمرير قانون الحد من التضخم دون دعم من الجمهوريين في الكونغرس.

لكن المناطق التي يسيطر عليها الحزب في البلاد، كانت المستفيدة الأبرز منه، إذ إن أكثر من ثلاثة أرباع مشروعات التصنيع المُعلنة في العام الأول من تمرير القانون، كانت في المناطق التي يهيمن عليها الحزب، بحسب تحليلات «فاينانشال تايمز».

وفي أغسطس الماضي، كتب 18 جمهورياً في الكونغرس خطاباً إلى رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، يناشدونه «إعطاء الأولوية لليقين بشأن الأعمال والسوق» عند التفكير في جهود إلغاء أو إصلاح قانون الحد من التضخم.

وقالت دورين هاريس رئيسة هيئة بحوث الطاقة والتطوير في ولاية نيويورك: «لا نرى مجرد صلب مغمور في المياه وأناس يعملون، وإنما أناس يعملون في الولايات التي يسيطر عليها الحزبان، الجمهوري والديمقراطي»، وتابعت: «سيكون من الصعب تصوّر التخلص من هذا كله».

وفي حين ألغى ترامب القيود التي فُرِضَت على إنتاج الوقود الأحفوري، وكذلك الحدود على الانبعاثات من منشآت الطاقة والسيارات، لكنه قرر أيضاً تجديد التسهيلات الضريبية لمشروعات الطاقة الشمسية والرياح والمركبات الكهربائية. وواصل نشر مشروعات الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة نموه خلال إدارته.

ونمت قدرات توليد الطاقة من الرياح بنسبة 45 % بين عامي 2016 و2020، وازدادت قدرات توليد الطاقة الشمسية بأكثر من الضِعف أيضاً، بحسب إدارة معلومات الطاقة. وفي مناظرته أمام هاريس، أكد ترامب على أنه «معجب للغاية» بالطاقة الشمسية.

ويعتقد محللون أن السياسات المُحتملة لترامب، التي تشكل أخطاراً كبيرة على تحوّل الطاقة في الولايات المتحدة، تشمل التعريفات على البضائع الصينية، والتغيرات التي قد تشهدها التسهيلات الضريبية للمركبات الكهربائية، بفضل قانون الحد من التضخم.

والتي أصبحت حرباً ثقافية منذ رئاسته. وتُعد الصين هي المنتج المهيمن على تقنيات الطاقة النظيفة، وتستحوذ على أعمال تكرير غالبية المدخلات من المعادن.

وحددت إدارة بايدن هدفاً، ينطوي على تقليص الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 50 % و52 %، مقارنة بالمستويات المُسجلة في عام 2005.

وتمثّلت توقعات «وود ماكنزي» في مايو، في أن تباطؤ عملية تحوّل الطاقة في عهد ترامب، سيسفر عن انبعاثات كربونية إضافية، قدرها 683 مليون طن في قطاع الطاقة، وانخفاض قدره 322 مليون دولار في الاستثمارات المُرجحة في الطاقة النظيفة بحلول عام 2030.

ونوّهت إليزابيث يامبيير المديرة التنفيذية لمنظمة أبروز المجتمعية، التي دعمت مشروع «إكوينور»: «ستتجه الشركات إلى أوروبا. كما ستتجه إلى بلدان أخرى، لكنها في كل الأحوال لن تظل هنا، فهذه بيئة معادية للأعمال». والمفارقة هنا، أنه إلى جانب مكتب إليزابيث يامبيير، هناك صالون حلاقة، يحمل علماً كُتِبَ عليه: «ترامب 2024.. سنسترد أمريكا».