Al Bayan

تزايد التهديدات للبنى التحتية الحيوية في أوروبا

على حكومات أوروبا أن تزيد استثماراتها وألا تكتفي بتعلم دروس في الأمن فقط من أوكرانيا

أندرس فوغ راسموسن

أمين عام أسبق لحلف الناتو

تواجه البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا خطر هجمات متجددة بالصواريخ والمسيرات والعمليات السيبرانية، مع اقتراب الشتاء الثالث، في ظل الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. وقد تمكنت أوكرانيا من الصمود، بفضل الابتكارات والتحديثات التي أجرتها على شبكات بنيتها التحتية. رغم ذلك، ليس من الواضح إن كنا قادرين على التكيف بالقدر نفسه إذا استهدفت هجمات مماثلة البنية التحتية الأوروبية، خاصة مع التهديدات الصريحة من الخصوم، وينبغي لهذا أن يقلقنا جميعاً.

ويقول المسؤولون الروس علانية، إن البنية التحتية الحيوية لأوروبا ستكون هدفاً في حال حدوث تصعيد أوسع في أوروبا. وتشير العقيدة العسكرية الروسية الصادرة عام 2000، إلى أن تدمير منشآت توليد الطاقة، والبنية التحتية، ووسائل الاتصال، والمنشآت الحيوية، يعد من سمات الحرب المعاصرة. وفي عام 2022، صرح مسؤول روسي أمام الأمم المتحدة، بأن الأقمار الصناعية التجارية، قد تصبح «أهدافاً مشروعة لضربات انتقامية».

وتشكل شبكة الكابلات البحرية في أوروبا سبباً خطيراً للقلق. فقد هدد الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيديف، علناً، بشن هجوم رداً على دعم أوكرانيا. ويمر عبر هذه الكابلات نحو 98 % من حركة الإنترنت في العالم، وتعتمد عليها ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي اعتماداً كاملاً في اتصالها بالإنترنت. وبدون هذه الكابلات، ستتوقف هواتفنا وسياراتنا وتلفزيوناتنا، وحتى ثلاجاتنا، عن العمل بفعالية.

وتم الربط بين بحوث أعماق البحار الخاصة بالمديرية الرئيسة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، والتهديدات بتخريب الكابلات البحرية. كما ازداد نشاط الغواصات الروسية التي تجوب مناطق هذه الكابلات شديدة العرضة للخطر، لرسم خرائط، بما في ذلك قبالة سواحل إيرلندا.

وليس من الضروري أن يتخذ الهجوم الروسي شكل ضربات صاروخية.

فقبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس، شهدنا الاضطراب الذي يمكن أن تسببه هجمات الحرائق المتعمدة على شبكة القطارات فائقة السرعة. وبينما لم يتم تحديد هوية مرتكبي الهجوم، يجب ألا نكون ساذجين بشأن التهديدات الهجينة التي نواجهها. فقد أصيب نظام الرعاية الصحية الإيرلندي بالإنهاك، بعد أن شنت مجموعة من القراصنة الروس هجوماً إلكترونياً ببرمجيات الفدية الخبيثة في عام 2021.

وكانت وحدة الاستخبارات العسكرية الروسية «29155»، وراء حملات للتخريب في أنحاء أوروبا. وقد توسعت في شن الهجمات الإلكترونية عام 2020، مستهدفة البنية التحتية الحيوية، والوكالات الحكومية في جميع أنحاء دول الناتو، وغالباً ما كان الهدف منها تعطيل تسليم المساعدات إلى أوكرانيا.

إن أوروبا بحاجة ماسة إلى التعلم من التجربة الأوكرانية مع ضرورة تسريع استعداداتها. إن البنية التحتية التي يتم الاعتناء بها جيداً، والابتكار التكنولوجي في نواحي مثل الحوسبة الكمية، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني المتقدم، لم تعد مسائل تتعلق بالتنافسية الاقتصادية، وإنما هي مسألة حاسمة لدفاعنا ومرونتنا. ويجب توفير الموارد التي تتناسب مع هذه المخاطر المتزايدة، ومن أجل اعتمادنا المتزايد على الاتصال في العصر الحديث.

وفي ضوء الاستثمارات الهائلة المطلوبة، فلا يمكن الاعتماد على الحكومات وحدها في هذا الصدد.

ولنأخذ الاتصال الرقمي مثلاً، فقد استثمرت شركات الاتصالات مليارات اليورو في تحديث وتأمين مفاصل الاقتصاد الرقمي لأوروبا. ومع ذلك، تعاني أوروبا من مشكلة أساسية، في ما يتعلق بمقدمي خدمات البنية التحتية. وقد أشار الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماريو دراغي، في تقريره الأخير، إلى حزمة التحديات الاقتصادية التي تواجهها أوروبا.

وفي الاتحاد الأوروبي، توجد 34 شركة مشغلة لشبكات الهاتف المحمول، مقابل ثلاث شركات فقط في الولايات المتحدة، وأربع في الصين. وهذا الحجم (الأكبر) يطلق العنان لرأس المال للاستثمار في البنية التحتية، مثل الكابلات البحرية، وتحديثها للاستخدامات المستقبلية. يجب أن تكون الأولوية هي السماح للشركات بالتوسع عبر الحدود داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لأن هذا يفتح المجال أمام مزيد من الاستثمارات في البنية التحتية، وهي مسألة حيوية لكافة جوانب حياتنا.

إننا بالتأكيد سنكون عرضة للخطر على جبهتين، على الأقل، من دون هذه التحديثات. تتمثل الجبهة الأولى في التهديد الذي تشكّله الهجمات السيبرانية، والهجمات الحركية والتخريب. ويكمن التهديد الثاني في أن العواقب المترتبة على مكانتنا العالمية ستكون كارثية، إن لم نخلق الأوضاع المناسبة للمبتكرين الأوروبيين في مجال التكنولوجيا العميقة للنمو والتنافس على الصعيد العالمي. إن الاستثمار في البنية التحتية والشركات التي بإمكانها تعزيز تبني التقنيات المستقبلية، معززين لقدرات أخرى، ليس أقلها تقنيات مثل الكم، حيث نخوض سباقاً عالمياً في مواجهة الصين، ويعمل كل منا على حل شيفرات الآخر.

لطالما انطوت خطة روسيا على خلق نقاط ضعف في أوروبا يمكن استغلالها. ورغم أننا ابتعدنا عن الطاقة الروسية، فإننا نخلق نقاط ضعف جديدة بصورة ساذجة، ومن دون أي تدخل خارجي، بإخفاقنا في الاستثمار في بنيتنا التحتية الضرورية، لا سيما بنيتنا التحتية للاتصال. وقد أعلنت روسيا بالفعل، بصورة واضحة، أنها تضع أوجه الضعف هذه نصب أعينها. لذا، فإن تجدد تركيز أوروبا على الأمن والدفاع، لن يكون ذا قيمة تُذكر، إذا فشلنا في معالجة أوجه الضعف هذه.