كولبي سميث
حذر صناع سياسة حاليون وسابقون، من مغبة أي محاولة من جانب دونالد ترامب لتقويض استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال ولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، مشددين على أن ذلك من شأنه زعزعة استقرار أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وكذلك الأسواق المالية العالمية.
وفي فترته الأولى، صب ترامب جام غضبه على جيروم باول، رئيس «الفيدرالي»، الذي رشحه في عام 2017 لقيادة دفة المصرف المركزي الأمريكي، حتى ذهب إلى حد وصف باول بـ«الغافل» و«العدو»، لأنه قاوم مطالباته بخفض أسعار الفائدة. ولوح ترامب بفكرة إقالة باول، لكنه واجه مقاومة كبيرة من مستشاريه، بالنظر إلى القيود القانونية المفروضة على مثل هذا الإجراء.
ومع ذلك، عادت هذه التهديدات إلى الظهور في أثناء الحملة الانتخابية، إذ ألمح ترامب إلى رغبته في أن يكون له تدخل مباشر في قرارات السياسة النقدية.
وفي كلمة ألقاها بالنادي الاقتصادي في شيكاغو خلال الشهر الماضي، قال دونالد ترامب: «لا أعتقد بوجوب السماح لي بإصدار أمر في هذا الصدد، لكني أعتقد أن لدي الحق في التعليق على ما إذا كان يجب خفض الفائدة أو رفعها».
وقال بيير-أوليفييه غورينشا، أحد كبار خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي لصحيفة «فاينانشال تايمز»: إن «استقلالية المصرف المركزي هي واحدة من أبرز الإنجازات التي تمكننا من تحقيقها على مدى الخمسين عاماً الماضية». وتابع: «سيكون أي شيء من شأنه التقليل من مصداقية تصدي المصرف المركزي للتضخم مسبباً للكثير من المشكلات».
وسيشغل ترامب مقعده في البيت الأبيض في وقت يناقش فيه الفيدرالي مدى السرعة اللازمة لخفض الفائدة إلى مستوى لا يكبح النمو لكنه يسيطر في الوقت نفسه على ضغوط الأسعار. وسيتطلب ذلك خلق توازن دقيق، أشار إليه باول يوم الخميس الماضي، في أعقاب تصويت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لصالح خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية. وتوجد احتمالية لأن تنشأ توترات كبيرة، إذا لم يخفض الفيدرالي الفائدة بالسرعة التي يريدها ترامب.
من جانبه، لم يستبعد باول اللجوء إلى رفع الفائدة من جديد، إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية، ما يعد تحذيراً للرئيس المنتخب، بالنظر إلى المخاوف من أن خططه الرامية إلى فرض تعريفات جمركية شاملة، وترحيل المهاجرين، وخفض الضرائب، من شأنها إعادة إذكاء نيران الضغوط التضخمية.
وترى شيبنيم كاليملي - أوزجان، الخبيرة الاقتصادية في جامعة براون، أن التدخل السياسي في بيئة تشهد تضخماً متصاعداً سيكون «سيناريو كارثياً».
وبخلاف الهجمات اللفظية التي تصدى لها باول في الماضي، سيسعى ترامب لإعادة تشكيل المناصب العليا في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي. لكن قد يكون نفوذه محدوداً مع ذلك، في ضوء أن غالبية المسؤولين الحاليين سيظلون في مناصبهم حتى وقت طويل بعد انتهاء الفترة الثانية لرئاسة ترامب. وتجدر الإشارة إلى أن فترة باول رئيساً للفيدرالي ستنتهي في مايو من العام 2026. ويوم الخميس، أجاب باول بـ «لا» قاطعة عند سؤاله عما إذا كان سيستقيل من منصبه إذا طلب إليه الرئيس المنتخب فعل ذلك.
كما لن تنتهي فترة وجود باول في مجلس محافظي الفيدرالي حتى يناير 2028، ما سيمنحه مجالاً أطول للبقاء في الفيدرالي إذا رغب في ذلك. وسيكون المقعد الشاغر الوحيد هو ذلك الذي تشغله أدريانا كوغلر، التي تنتهي فترتها في مجلس المحافظين في يناير 2026.
وبغض الطرف عمن سيختاره ترامب لملء المقاعد الشاغرة، سيتطلب ذلك موافقة من الكونغرس. وذكر جيمس بولارد، الذي ترك منصبه رئيساً لفيدرالي سانت لويس في الصيف ليصبح عميداً لكلية الأعمال في جامعة بوردو، أن هذه تعد واحدة من الضمانات التي نص عليها القانون والتي سمحت لهذه المؤسسة بأن تظل «مستقرة للغاية».
وفي ضوء ازدياد أغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذي تتولى لجنة الصيرفة داخله الإشراف على عملية التدقيق في المرشحين للمناصب، فإن الاختيارات غير التقليدية قد لا تلقى معارضة كبيرة مقارنة بالماضي. وكانت هذه اللجنة حاسمة في رفض بعض من اختيارات ترامب لتولي المناصب بالفيدرالي خلال فترته الرئاسية الأولى، مثل ترشيحه لجودي شيلتون.
وقالت سارة بايندر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن: «تمكن الفيدرالي من الإبقاء على التحزب المتنامي خارج أروقة المؤسسة، لكن يمكن لترامب أن يكون قوة ذات بأس في هذا الصدد»، وأردفت: «يكمن الخطر في انتشار هذه المواقف إزاء الفيدرالي».
وطرح مستشارو ترامب مقترحات غير تقليدية بالفعل، بما في ذلك تنصيب رئيس «ظل» ينظر إليه على نطاق واسع على أنه خليفة باول قبل وقت طويل من موعد تنحيه عن منصبه.
وقد يصبح تواصل الفيدرالي مشوشاً، إذا لم يشغل هذا الشخص منصباً داخل الفيدرالي أو إذا تسلم مقعد كوغلر بمجرد انتهاء فترتها، وألمح إلى توجيهات يحتمل أن تكون مختلفة بشأن السياسة النقدية.
قال جوناثان بينغل، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي لدى «يو بي إس»: «يولي الفيدرالي أهمية كبرى للتواصل، لأنه، من أجل تحقيق أهدافها، تستهدف اللجنة مواءمة الظروف المالية مع ما سيحقق هذه الأهداف». واستطرد: «إذا حال التواصل دون توافق الأسواق بصورة صحيحة مع ما تصبو إليه اللجنة على صعيد الأوضاع المالية المطلوبة، فلن يسفر ذلك سوى عن سياسة نقدية دون المستوى المطلوب».
ويتمثل التهديد الأكثر تطرفاً في سعي ترامب إلى تنحية باول عن منصبه، وهو ما علق عليه رئيس الفيدرالي الخميس قائلاً: «هذا ليس ممكناً بموجب القانون». وينص قانون الاحتياطي الفيدرالي على أن أعضاء مجلس المحافظين لا يمكن إقالتهم من مناصبهم «إلا لسبب»، ما يفسر على أنه سوء سلوك جسيم أو انتهاكات أخرى مماثلة.
لكن لا يحدد هذا الفانون ما إذا كانت الحماية تطال رئيس الفيدرالي أم لا، الأمر الذي تعتقد بايندر أنه قد يساء استغلاله في تحدٍ قانوني. وعلى أية حال، فبإمكان باول أن يظل محافظاً في الفيدرالي، ومن المرجح أن يواصل رئاسة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تحدد أسعار الفائدة، والتي يختار أعضاؤها الرئيس.
وكان ترامب قد ألمح إلى اعتزامه الإبقاء على باول في منصبه، لكنه لفت، في صيف العام الجاري، إلى أن الأمر سيتوقف على «فعل رئيس الفيدرالي للأمر الصائب».
من جانبه، حذر مارك سبيندل، مدير الاستثمارات الذي شارك في كتابة تاريخ استقلالية الفيدرالي مع بايندر، من أن أي تلميح من جانب ترامب بشأن تغير رأيه في هذا الصدد سيقابل على الأرجح بتداعيات مالية سريعة. وأضاف: «ثمة محافظ آخر في المشهد، وهو السوق». وحال التزام ترامب بنهجه باعتباره «منفقاً ومقترضاً دون قيود»، يرى سبيندل أن «ديناميكيات السوق ستكون حاسمة حقاً».