مارتن وولف

يبدو أن العالم قد حاد عن مساره لتحقيق هدفه المتمثل في إبقاء ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

ورغم أن التغيرات المناخية العالمية تقترب من نقطة اللاعودة إلا أن هذا لا يعني أن العالم لم يحقق أي تقدم، بل على العكس، فقد تحقق الكثير، لكن هذا الكثير ليس بالقدر الكافي، وهنا يبرز السؤال الذي ينتظر الإجابة خلال مؤتمر «كوب 29» المنعقد حالياً بباكو، وهو: كيف يمكن تصحيح هذا المسار المقلق؟

تقول الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها «آفاق الطاقة العالمية 2024»: «شهد العقد الأخير انخفاضاً تدريجياً في نسبة الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة العالمي من 82 % في 2013 إلى 80 % في 2023.

وذلك رغم ارتفاع الطلب على الطاقة بنسبة 15 % خلال هذه الفترة، التي نجحت خلالها الطاقة النظيفة في تلبية 40 % من هذه الزيادة». في المقابل يعني ذلك أن الوقود الأحفوري يظل هو المصدر الرئيسي لإنتاج الطاقة في جميع أنحاء العالم، بل وينمو الطلب عليه بسرعة.

ونحن نتحرك، لكن دون تقدم فعلي كبير، فهل سيتغير هذا الوضع قريباً؟ الجواب للأسف هو: لا.

وتشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الاعتماد على الفحم قد تجاوز ذروته بالفعل، فيما يتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط والغاز إلى ذروته بحلول عام 2030.

ووفقاً لسيناريو «السياسات المعلنة» سيظل الوقود الأحفوري مصدراً لأكثر من نصف الطاقة العالمية في عام 2050، لكن يمكن تحقيق نتائج أفضل إذا التزمت الحكومات بتعهداتها وفق «التعهدات المعلنة».

وحتى في هذه الحالة قد ترتفع درجات الحرارة العالمية بنحو 1.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. ولإبقاء الاحترار العالمي عن مستوى لا يزيد على 1.5 درجة مئوية (مع احتمال نجاح بنسبة 50 %) يحتاج العالم إلى تحولات أسرع، ضمن ما تسميه الوكالة «سيناريو الانبعاثات الصفرية بحلول 2050».

ولفهم مدى قدرة العالم على تحقيق «صافي الانبعاثات الصفرية» يجب استعراض العلاقة بين التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، فقد حققت التكنولوجيا قفزات كبيرة، خاصة في مجال توفير الكهرباء بتكلفة منخفضة باستخدام الطاقة المتجددة.

ويعود الفضل للصين في جزء كبير من هذا التقدم، بفضل استثماراتها الضخمة، خاصة في مجال إنتاج الألواح الشمسية، التي شهدت انخفاضاً كبيراً في الأسعار، ما أدى إلى تقليل تكاليف توفير الطاقة النظيفة عالمياً، كما شهدت تقنيات الرياح والبطاريات هي الأخرى تقدماً ملحوظاً.

في حديث له مع «فاينانشال تايمز» في يوليو الماضي قال أدير تيرنر، رئيس لجنة تحولات الطاقة، والتي تمثل تحالفاً يضم عدداً كبيراً من الخبراء: «إذا تساءلنا عما إذا كنا سنصل إلى اقتصاد شبه خالٍ من الكربون بحلول عام 2060 أو 2070 فأعتقد أن هذا أمر لا مفر منه، لكن التحدي يكمن في أنه إذا لم نتحرك بسرعة أكبر، فقد نصل إلى هناك بعد فوات الأوان».

وأسهمت الابتكارات البشرية والاستثمارات الضخمة في تسهيل التحول نحو اقتصاد الطاقة النظيفة. ورغم التحديات المتعلقة بتقطع مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن التقدم في تقنيات التخزين يجعل معالجة هذا التحدي أكثر سهولة.

إضافة إلى ذلك سيكون هذا الاقتصاد الجديد أفضل من نواحٍ عديدة مقارنة بالاقتصاد الحالي، بدءاً من تقليل مستويات التلوث وصولاً إلى تعزيز استقلالية الدول في مجال الطاقة.

ومن الناحية الاقتصادية فإن التحول السريع هو الخيار الأفضل، فقد توصلت دراسة حديثة من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ إلى أن الاقتصاد العالمي مُهدد بخسائر في الدخل قد تصل إلى 19 % بحلول عام 2050، مع تقديرات تتراوح بين 11 % و29 %، مقارنة بما كان سيحدث لو لم يتغير المناخ، وبالتالي فإن الإخفاق في معالجة هذه النتائج هو خيار غير منطقي.

تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أنه على الدول ذات الدخل المرتفع والصين مضاعفة استثماراتها في الطاقة النظيفة بحلول 2035 للوصول إلى هدف «الانبعاث الصفري»، ورغم أن هذه التكاليف كبيرة بالفعل، إلا أنها ممكنة، أما بالنسبة للدول النامية فيتطلب الأمر زيادة الاستثمارات إلى 7 أضعاف، وهو تحدٍ هائل.

ولبلوغ الهدف المتمثل في تحقيق «صافي انبعاثات صفرية» بحلول عام 2050 يجب أن تتضاعف الاستثمارات في الطاقة النظيفة بشكل كبير في الدول النامية والناشئة، والعائق الرئيسي أمام تعزيز الاستثمارات في الطاقة النظيفة في الدول النامية يكمن في كلفة التمويل، فبينما تحتاج هذه الدول إلى طاقة نظيفة وموثوقة وبتكلفة منخفضة، تواجه حكوماتها أعباء ديون ضخمة وتكاليف تمويل مرتفعة.

وعلى الصعيد السياسي يرفض البعض فكرة أن تغير المناخ يشكل ضرراً بيئياً ضخماً، ولأن ذلك يتعارض مع إيمانهم بمبادئ السوق الحرة، ناهيك عن المصالح القوية المترسخة لبعض الفئات في اقتصاد الوقود الأحفوري، إضافة إلى أن الكثيرين لا يرغبون في تغيير أنماط حياتهم.

إن أزمة تغير المناخ قضية عالمية تتطلب تعاوناً دولياً قوياً، إذ لا يمكن لدولة واحدة حلها، بل يتطلب الأمر أن تكون الدول ذات الموارد الكبيرة، خاصة تلك المسؤولة عن معظم الانبعاثات السابقة، مستعدة لدعم الاستثمارات في بقية الدول.

وباختصار، ورغم فوائد التحول السريع نحو الطاقة النظيفة فإن الجمع بين ما يعرف بـ«مأساة الأمر الشائع» وما يسميه محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني بـ«مأساة الأفق»، أي عدم قدرة البشر على التحرك لمواجهة أخطار بعيدة، يعيق اتخاذ إجراءات حاسمة.

ومع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ستصبح هذه المهمة أكثر صعوبة. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي يبدو أننا لسنا قريبين من تحقيق تقدم كافٍ في مواجهة تغير المناخ، وهو أمر مؤسف ومحبط للغاية.