روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر
يرى كثيرون أن دونالد ترامب رجل محب للتعريفات الجمركية، فقد أمضى حملاته الرئاسية الثلاث وهو يرثي للمعاملة غير العادلة التي تتلقاها الولايات المتحدة في التجارة الدولية، وعندما سكن البيت الأبيض فرض تعريفات جمركية على الصين وحلفاء أمريكا على حد سواء.
وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، كرر اقتراحه بفرض تعريفات جمركية شاملة تراوح بين 10% و20% على كافة الواردات الأجنبية. كما أكد رغبته زيادة الضغط على الصين من طريق رفع التعريفات الجمركية على كافة بضائعها إلى 60%. لكن من الملاحظ وجود قدر كبير من عدم اليقين بشأن ما ستقرره إدارته في هذا الشأن.
ومن المؤكد أنه سيفرض المزيد من التعريفات الجمركية على الصين. والإرث الدائم الذي تركته إدارة ترامب الأولى كان تحويل إجماع السياسة الأمريكية نحو بكين. وقد أبقت إدارة بايدن على تعريفات ترامب الجمركية على الصين، وأضافت إليها كذلك تعريفات على المركبات الكهربائية، وأشباه الموصلات وذلك بدعم من كلا الحزبين.
لذا، لا يوجد أدنى سبب للاعتقاد بتراجع ترامب عن زيادة الضغوط أكثر وأكثر في هذا المجال. حتى وإن ذهب البعض إلى أن تصريحاته بشأن التعريفات الجمركية هي جزء من استراتيجية تفاوضية لتقليل الحواجز أمام البضائع الأمريكية.
وأشار بيتر نافارو، المستشار الاقتصادي السابق لترامب والاختيار المحتمل في إدارته، في «مشروع 2025»، إلى أن الرئيس المنتخب يشعر بأن «استمرار المفاوضات مع الصين سيكون عديم الجدوى وخطيراً بكل تأكيد».
وتبقى التعريفات الجمركية الشاملة تشكل مصدراً كبيراً لعدم اليقين. ومن الممكن أن يحاول ترامب فرض تعريفات جمركية قدرها 10% على نطاق واسع والاكتفاء بذلك، وقد يكون رفع الحواجز التجارية الأمريكية غاية في حد ذاته بالنسبة له.
لكن إمعاناً في التركيز على تصريحات نافارو وروبرت لايتهايزر، الذي طلب إليه ترامب تسلم مهام وظيفته القديمة ممثلاً تجارياً للولايات المتحدة، فالأكثر ترجيحاً أن التعريفات الجمركية الشاملة ستكون جزءاً من تكتيكات هذه الإدارة التفاوضية. وهنا تتعقد الأمور.
إن كانت المفاوضات هي الهدف، فمن المحتمل أن الولايات المتحدة لن ترفع التعريفات الجمركية إلى 10% أو 20% في البداية، بل سترفعها بحيث تتناسب مع الحواجز التجارية الخاصة بالدول الأخرى، بهدف حمل هذه الدول على خفض تعريفاتها الجمركية بما يتناسب مع معدل التعريفات الأمريكية. ويدعم كل من لايتهايزر ونافارو هذا النهج، وقد حاول ترامب ذاته تبنيه. وحاولت إدارته الأولى تمرير قانون التجارة المتبادلة عام 2019، الذي كان سيسمح للرئيس بتخطي الكونغرس ورفع التعريفات الجمركية على أي دولة تفرض تعريفات أعلى من نظيرتها الأمريكية.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا نعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستضاهي التعريفات الجمركية التي تطبقها دول أخرى، أي التعريفات الجمركية التي تفرضها على البضائع الصادرة من الولايات المتحدة، أو التعريفات الجمركية المقيدة، وهو الحد الأقصى الذي يسمح لهذه الدول فرضه على فئة محددة من البضائع الأمريكية حسب قواعد منظمة التجارة العالمية.
وقد يبدو الخروج عن التعريفات المطبقة منطقياً، لأنها ما يؤثر على المنتجين الأمريكيين في حقيقة الأمر، أي أن هذا في جوهره يعد «ما ستفعله بنا سنفعله بك». بيد أن هذا قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.
وفي هذا السياق، قال ويليام رينش، كبير المستشارين لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «قد تكون التعريفات الجمركية الكولومبية أعلى على القهوة على سبيل المثال، لأنها ترغب في حماية مزارعي القهوة لديها. وبموجب مقترحات لايتهايزر ونافارو، سترتفع تعريفاتنا الجمركية على القهوة الآتية من كولومبيا إلى مستويات سخيفة. ولا تزرع الولايات المتحدة حبوب القهوة، وتكمن مصالحنا في ألا تكون هناك تعريفات جمركية عليها. لكن ما يتحدثون بشأنه سيؤدي بك إلى اتجاه يضطرك إلى المعاملة بالمثل حتى وإن لم يكن هذا في مصلحتك».
وإذا فرضنا معدل التعريفات المطبق، فقد تتبع الدولة الأخرى سياسة المثل حتى تصل إلى التعريفات الجمركية المقيدة. لذا، قد تختار الولايات المتحدة التقدم بخطوة والاتجاه مباشرة إلى تبني معدل التعريفات الجمركية الأقصى المقيد للدولة الأخرى.
ويستدعي هذا سؤالاً منطقياً: إذا لم نكن نحن سنلتزم بقواعد منظمة التجارة العالمية، فما الذي سيوقف الدول الأخرى عن تخطي تعريفاتها الجمركية المقيدة بقواعد منظمة التجارة العالمية؟ ويعتمد نهج المعاملة المتبادلة على فكرة اهتمام الدول الأخرى بالوصول إلى السوق الأمريكية أكثر من اهتمامها بحماية أسواقها هي. لكن سيختلف ذلك وفقاً للدولة والمنتج المقصود.
وسيؤدي هذا بنا إلى النقطة التالية: فرض تعريفة عالمية سيكون أمراً معقداً، ذلك لأن التجارة الأمريكية تتشكل من خلال التعريفات الجمركية المفروضة على أكثر من 6,000 منتج تصنعها أكثر من 200 دولة ومنظمة إقليمية ومنطقة. وإذا لم توافق الدول على خفض حواجزها التجارية على الفور، فهل سيعيد ترامب والكونغرس حقا التفاوض على كل بند، سطرا بسطر، مع كل شريك تجارة على حدة؟
وهناك القليل من السوابق القانونية للتعريفات الشاملة. ففي التاريخ الحديث، لم يستخدم قانون القوى الاقتصادية الدولية الطارئة، وهي أوسع سلطة تجارية حصل عليها الرؤساء، والفقرتين 232 و301 من قانون التجارة لعام 1974، الذي لجأ إليه ترامب في فرض رسوم تجارية خلال فترته الأولى، لفرض تعريفات جمركية شاملة. وسيؤدي استخدام أي منهما تقريباً إلى إثارة معارك قانونية كبيرة. كما أنه لا توجد ضمانة بأن الكونغرس سيمنح الرئيس هذه السلطة من خلال قانون التجارة المتبادلة. وحتى وإن هيمن الجمهوريون على الكونغرس، فمن الممكن أن يواجه الجمهوريون مقاومة من الشركات المصدرة في دوائرهم الانتخابية.
وإجمالاً، فإن فرض التعريفات الجمركية الشاملة عمل مضنٍ، ومن المُرجح أن تكون أكثر إرباكاً من فرض تعريفات جمركية ثنائية على الصين. وسيكون من الصعب إيجاد شركة أمريكية لن تتأثر بمثل هذه الرسوم. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن كل الشركات تقريباً لديها جزء من سلسلة التوريد الخاصة بها خارج الولايات المتحدة.
قد تنجح إدارة ترامب في استخدام هذا التكتيك في التفاوض على إزالة الحواجز التجارية أمام السلع الأمريكية. لكن، إن تم تمرير التعريفات الشاملة، وإذا لم تمتثل الدول الأخرى فوراً للمطالبات الأمريكية، فمن المرجح أن يتأثر كل قطاع يعتمد على المدخلات الفعلية بصورة سلبية، مثل الأجهزة اللازمة لقطاع التكنولوجيا، أو حديد التسليح للتشييد والعقارات. وحسبما أشار ألان وولف، نائب المدير السابق لمنظمة التجارة العالمية: «نحن الآن في مرحلة من التجارة الدولية تمثل فيها الشكوك الغريبة النظام اليومي المعتاد».