«البلوز» موسيقى أميركية نشأت وتطورت باستعمال التعبيرات الموسيقية الخاصة بالزنوج (السود) الذين جُلِبوا إلى أميركا واستُعبدوا في القرن السابع عشر الميلادي. وكانت أغاني العمال وأغاني الحقل الزنجية الأميركية شكلاً من موسيقى التخاطب بين الزنوج.

وبالرغم من بساطة الجملة اللحنية في «البلوز» التي تعتمد على حوار الغيتار والهارمونيكا والبيانو إلا أنها تفرّدت ببناءٍ سيكولوجيّ مركب لمكنونات النفس البشرية حيث تتصادم قيم الحرية مع عوامل القهر والاستلاب الإنساني وتتجه بالروح في ضبابات الحلم الذي ينعتق في اتجاه اختلاس الحريات.العفاريت الزرق يرجع أصل كلمة « بلوز» «blues» إلى عبارة «ممسوس بالعفاريت الزرق» وتعني الشخص الواقع تحت سيطرة العفاريت التي تسبب الإحباط واليأس والحزن.

ولا يعرف على وجه اليقين من الذي قام بإدخال هذا المصطلح «the blues» إلى قاموس اللغة الإنجليزية، ولكننا نعلم أن أصول المصطلح ترجع مباشرة إلى الأميركيين الأفارقة الأوائل الذين نظموا كلمات هذه النوعية من الأغاني، وكذلك رجال الدين السود الذين ترنموا بهذه الأناشيد التي غلب عليها طابع الحزن. موسيقى الأحزان ويجمع بين أصول هذا النوع من الغناء أنها كلها كانت من أهم صور التعبير عما يجيش بصدور هؤلاء الفئة المضطهدة ولاسيما في الأعوام الأولى التي عاش فيها السود في أميركا بعد هجرتهم القسرية إليها، ومن ثم تأثر الموسيقيون والمغنون السود بقصائد الشعر الغنائية الاسكتلندية، والترانيم الكنسية لأصحاب مذهب الميثوديست والمعمدان.

كما تأثروا بالطريقة الغربية لاستخدام الآلات الموسيقية المصاحبة، وقام المهاجرون بمزج كل هذا بالأصوات والتقاليد الموسيقية الأفريقية لتتمخض عن ذلك أنواع جديدة وفريدة من الموسيقى، لا يضاهيهم فيها أحد، ألا وهي موسيقى «البلوز» وموسيقى الجاز كما نعرفها اليوم.

وانتقلت جميع الخصائص الأصيلة للموسيقى الأفريقية ـ التي تختلف كليةً عن الموسيقى الأوروبية ـ إلى موسيقى «البلوز». ومن هذه الخصائص أو المميزات، على سبيل المثال، الارتجال والتركيز على الإيقاع أكثر من توافق الأنغام، إضافة إلى استعمال نبرة مميزة أو تغيير حدة الصوت للتعبير عن معنى مختلف.

وكذلك ترديد المجموعة وراء المغني، واستخدام الآلات المصاحبة التي تشبه الأصوات الآدمية للتركيز على مقاطع معينة من كلمات الأغنية. وتقول إلين سوثرن Southern Eileeَ مؤلفة كتاب «موسيقى الأميركيين السود»: «إن هناك ثلاث حالات كان يغني فيها السود هذا النوع من الأغاني.

وهي أثناء المناسبات الدينية وفي مواسم الحصاد وفي أثناء عمل الرجال والنساء في الحقول، وصحب هذا الغناء التعبير عن الأحاسيس والمشاعر الشخصية، الذي ظهر بجرأة غير عادية في صورة صيحات تحمل جميع معاني الحزن والأسى والمعاناة التي أثخنتهم بجراح الكآبة معبرين بذلك عن واقعهم المرير في تلك الفترة.

مسقط رأس «البلوز»

وتعتبر ولاية مسيسيبي في كثير من الأحيان موقع ولادة موسيقى« البلوز». ومن المؤكد أن الولاية أنتجت العديد من الموسيقيين المهمين لموسيقى البلوز، ومن بينهم شارلي باتون، روبرت جونسون، هاولين وولف، مادي واترز، وبي. بي كينغ.

جاء معظمهم من سهل الفيضانات المعروف بدلتا المسيسيبي الذي يمتد مسافة 200 ميل على طول مجرى نهر المسيسيبي من ممفيس، بولاية تينيسي، جنوباً إلى فيكسبرغ بولاية مسيسيبي. وتتباهى هذه المنطقة من ولاية مسيسبي بأنها تضم ثلاثة متاحف متواضعة لموسيقى «البلوز».

«البلوز» التقليدية

تُؤدى موسيقى البلوز التقليدية في شكل 12 فاصلة موسيقية، تنقسم إلى ثلاثة مقاطع ويتكون كل مقطع من أربعة فواصل موسيقية.

وتتألف معظم كلمات أغاني البلوز من العديد من المقاطع الشعرية كل منها مكون من ثلاثة أسطر. ويكون السطر الثاني من كل مقطع تكرارا للسطر الأول، ويعبّر السطر الثالث عن جواب للسطرين الأولين. وتعكس معظم الكلمات الشعرية لموسيقى البلوز الوحدة والحزن، ويعكس البعض الآخر ردود الفعل الساخرة والتحدي لمشاكل الحياة.

وتعتمد موسيقى البلوز على الصوت والموسيقى ( آلة الغيتار تحديدا ) وعلى ما يسمى بالـ blue nots وهي النوتات المنخفضة والتي هي أساس موسيقى البلوز والجاز وهو الاسم الذي أخذته واحدة من أهم وأشهر شركات الإنتاج Blue Note والتي تخصصت في إنتاج البلوز والجاز ولها فضل كبير في نشر هذه الموسيقى في أنحاء العالم ودعم معظم الموسيقيين الذين أصبحوا أعلاما في تاريخ الموسيقى.

موسيقى الشيطان

وعلى صعيد آخر كان هناك نوع مختلف من موسيقى البلوز وهو ما يعرف بموسيقى الشيطان التي كانت تستخدم الكمان ويرقص عليها الفلاحون أثناء موسم حصاد الذرة، وقد سميت بهذا الاسم لأنها جرمت من قبل كبار السن من رجال الكنيسة الذين وصفوها بأنها موسيقى للمتعة والترفيه فقط.

وبعد إلغاء قوانين الرق في أميركا، نجحت موسيقى البلوز في غزو المجتمع الأميركي بأسره وأصبحت محببة للناس في أوائل القرن التاسع عشر وفي فترة 1870 الى1900 امتلأت الشوارع في جنوب أميركا بالأفارقة الأميركيين الأحرار، وخاصة من الرجال، الذين خرجوا للبحث عن أعمال أخرى خلاف الزراعة.

ومع بدء حياتهم الجديدة تغنوا بأغاني البلوز، ورقص على ألحانهم الرجال والنساء عشية أيام الآحاد، وأحيوا الحفلات الصاخبة. وبدأ قائد إحدى الفرق الموسيقية واسمه و.ك. هاندي بتطبيع نغمات الزنوج الفولكلورية التقليدية في شكل أغانٍ كسبت رواجا شعبيا كبيرا.

ومن أمثلة قطع هاندي الموسيقية ممفيس بلوز (1912م) وسانت لويس بلوز (1914م). وفي العشرينات من القرن العشرين، ومن جانب آخر دفع إلغاء قانون الرق في أميركا الأصوات النسائية لاحتراف غناء موسيقى البلوز.

فقد عانت النساء السود من تفرقة عنصرية مزدوجة أثناء بحثهن عن عمل يكفيهن مذلة الفقر، فالوظائف العليا كان يحصل عليها البيض، بينما الأعمال الشاقة ذات الأجور الضئيلة كانت تمنح للرجال السود، ولهذا كان غناء موسيقى البلوز يعتبر مهنة للنساء السود ووسيلة لكسب الرزق كما شكل هذا المجال بريقاً أخاذاً لما قد يجلبه الغناء من شهرة ومال، وهو ما كان حلما قبل إلغاء قانون العبودية.

ومع تطور موسيقى البلوز إلى موسيقى الجاز، أخذت النساء المقاعد الخلفية وراء الرجال في مجال غناء هذه النوعية من الموسيقى، ومع ذلك نجح بعضهن في كسر هذا الحاجز، وقفزن إلى الصفوف الأمامية ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر، المغنيات السود اللواتي حفرن أسماءهن في سجل الشهرة والنجاح.

وظهرت المغنية بيسي سميث باعتبارها أفضل مغني ومغنيات البلوز التقليديين. ومن مغني البلوز المشهورين الآخرين بلانيد ليمون جيفرسون، وروبرت جونسون، وما ريني. واكتسبت آلات العزف الخاصة بموسيقى البلوز شهرة واسعة، خاصة أعمال العزف على البوق للويس أرمسترونغ.

وفي الثلاثينات أصبح نموذج الـ «بوجي ـ ووجي»، للعزف على بيانو البلوز، شائعا ورائجا. أظهر معظم عازفي موسيقى الجاز المعروفين مهارة فائقة في عزف موسيقى البلوز، ومن هؤلاء ديوك إيلّينغتون وشارلي باركر وجاك تيجاردن. وكثيرا ما شملت موسيقى هؤلاء الموسيقيين تعديلات وتغييرات على موسيقى البلوز القياسية المألوفة.

وتبرز بعض الموسيقى الكلاسيكية وكثير من موسيقى الروك والموسيقى الشعبية تأثير موسيقى البلوز عليها بدأت موسيقى البلوز تتطور وتتنوع وتنتج عنها تنوعات موسيقية بدأت تأخذ طابعها الخاص لكنها ترتبط بالأساس بالبلوز التي أثرت على مجمل الموسيقى الغربية كالروك آند رول والجاز والـ «هيب هوب» والموسيقى الريفية (الكونتري)، البلوغراس.

تألق

«ملك البلوز» لقب رايلي بي. كنغ أعظم عازفي الغيتار في موسيقى البلوز، ولد في ولاية مسيسيبي، عام 1925 كان ينشد ألحان الغوسبل في الكنيسة إلى موسيقى «البلوز» والتى كما قال في سيرته الذاتية «البلوز تحيط بي من كل مكان»: «أثر علي الفنانان بلايند ليمون ولوني أكثر من الآخرين، فلكل منهما صوت مميز. لقد مَسّا شغاف قلبي.. دخلا روحي واستوطنا فيها».

إعداد ـ رشا عبد المنعم