الزائر لمتحف قصر المنيل يشعر باختلاف كبير بينه وبين أي متحف آخر، فهو واحد من أجمل وأهم المتاحف التي تحتضنها مصر، ليس لكونه تحفة معمارية فقط بل لأنه أيضاً ينفرد عن باقي متاحف القصور التاريخية بجمعه لعناصر الفنون الإسلامية المختلفة، وقد أفصح صاحبه الأمير محمد علي عن ذلك في اللوحة التأسيسية التي تعلو المدخل الرئيسي للقصر والتي حملت عبارة نصها «أنشأ هذا القصر الأمير محمد علي باشا نجل المغفور له محمد توفيق إحياء للفنون الإسلامية وإجلالاً لها، ابتكر هندسة البناء وزخرفته الأمير وقام بالتنفيذ المعلم محمد عفيفي وتم ذلك في سنة 1348 هـ».

فما هي حكاية هذا القصر الذي تحول إلى متحف ما زال يقف شاهدا على فترة مهمة من تاريخ مصر الحديث ويعكس صورة حية لما كانت عليه حياة أمراء أسرة محمد علي باشا والتي حكمت مصر منذ عام 1805 وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952 .

صاحب القصر هو الأمير محمد علي، ابن الخديوي توفيق وشقيق الخديوي عباس حلمي الثاني ولد بالقاهرة عام 1875 م وتوفي خارج مصر عام 1954 ودفن بمقابر الأسرة بمنطقة الدراسة في القاهرة، ويقال إنه بنى هذا القصر حتى يجعله مقراً للحكم، فالأمير محمد علي كان يفترض توليه للحكم بعد وفاة عمه الملك فؤاد الأول عام 1936 باعتباره أكبر أبناء أسرة محمد علي باشا سنا لكن تحول نظام الحكم في مصر إلى الملكية على يد فؤاد الأول حال بينه وبين تحقيق هذا الحلم، فقد أسند الحكم لابن عمه فاروق وأسند إلى الأمير محمد علي الوصاية على العرش حتى يبلغ فاروق سن الرشد ويتولى الحكم، وتم تنصيب الأمير محمد علي ولياً للعهد حتى أنجب فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد عام 1951 ميلادياً.

وصف القصر

يحتل القصر موقعاً فريداً من الناحية الجغرافية، حيث يطل على نهر النيل في المنطقة المعروفة بجزيرة الروضة ويواجه مستشفى القصر العيني، وبدأ تشييد القصر عام 1901 وتم بناؤه عام 1938 وتبلغ مساحته الكلية 61711 م2 تحتل الأبنية منها مساحة 5000م2 والحديقة 3400 م2 أما الطرق الداخلية ومنشآت الحديقة فتبلغ مساحتها 22711م2.

يتكون القصر من عدة مبان يطلق عليها اسم «السرايات»، هذا بجانب بنايات أخرى وجميعها تشتمل على فنون معمارية وزخرفية من طرز إسلامية مختلفة أندلسية ومغربية وتركية وفارسية، كما تحوي هذه السرايات الكثير من التحف النادرة والمقتنيات الثمينة.

من ينظر للقصر من الخارج، أول شيء يلفت نظره هو سوره العظيم الذي يحيط بالقصر من جهاته الأربع وقد تم تشييده على طراز أسوار القرون الوسطى ويعلو السور في الجهة الشمالية شرفات للحراسة.

أيضاً سوف يلفت انتباهك هذا المسجد الذي يتوسط مدخله سور القصر ثم تكتشف بعد ذلك أن هناك بابا آخر خصص لدخول الأمير وضيوفه من داخل القصر فالمسجد يصل ما بين الشارع والقصر من الداخل، وهو رغم صغر مساحته إلا أنه يعد تحفة معمارية وزخرفية لا مثيل لها، فقد اعتنى به الأمير محمد علي عناية خاصة بزخرفته سواء من الخارج أو الداخل، وللمسجد كتلة مدخل مستطيلة الشكل وتعلو سطحه كما أنها تبرز عن المبنى، وهي ذاخرة بأنواع كثيرة من الزخارف أبرزها وجود نصف قبة، وباب المسجد من الخشب المصفح بالنحاس المؤكسد ويعلو الباب البسملة وسورة الإخلاص نفذت بخط كوفي تتخلله رسوم أزهار، أما سقف المسجد فيعد تحفة فريدة غير مكررة في أي أماكن أخرى فهو عبارة عن فتحات مغطاة بزجاج أصفر مصنوع على شكل قباب تسمح بمرور الضوء الطبيعي وكل قبة مع زخارفها تشبه أشعة الشمس وتفصل القباب وحدات بداخلها زخرفة «الأرابيسك».

طرز إسلامية

بمجرد الولوج إلى القصر يثير انتباهك مدخله الذي جمع في تصميمه عدة طرز إسلامية وتلحظ أن واجهة القصر تشبه واجهات مداخل المساجد والمدارس الإيرانية في القرون الوسطى كما يثير انتباهك أيضاً البرجان المشيدان أعلى المدخل، كذلك فتحة المدخل المصممة على شكل عقد «حدوة الحصان» وللمدخل باب كبير من الخشب بدالفتين يحوي بابا صغيرا والبابان مصفحان من الخارج بالنحاس المؤكسد المشغول بوحدات زخرفية مختلفة الأحجام.

سراي الاستقبال

أول ما يستقبلك من مباني هذا القصر بعد الانتهاء من عبور بهو المدخل سراي الاستقبال وسوف تندهش لزخارفه الموجودة على الواجهة التي نفذت بدقة تدل على مهارة وإتقان الصانع المصري، وتتكون السراي من طابقين: الطابق الأول ويشتمل على حجرتين: الأولى حجرة التشريفات وكانت مخصصة لاستقبال الشخصيات الرسمية وتحوي مقتنيات ثمينة، كما توجد أريكتان منجدتان بالجلد ومزخرفتان بالصدف والأبنوس وخشب الخرط وعلى الجدران علقت صور لبعض الخيول.

أما الحجرة الثانية فقد كانت مخصصة لاستقبال كبار المصلين وهي ملاصقة لحجرة التشريفات وكان الأمير يستقبل فيها كبار الشخصيات التي كانت تحضر إلى القصر لأداء صلاة الجمعة بمسجده وأهم ما يميز هذه الحجرة بالإضافة إلى زخارفها وجود خزانتين للكتب داخل الجدران بدلف مزخرفة.

الصاعد للطابق العلوي سوف يدهشه هذا النموذج الرائع لمسجد قايتباي الموضوع على المصطبة التي تتوسط السلم المؤدي للطابق العلوي الذي يتكون من القاعة الشامية وقد سميت بهذا الاسم؛ لأن جميع جدرانها وسقفها مغطاة بخشب جلبه الأمير من أحد البيوت الأثرية بسوريا وهو يرجع إلى عام 1081هـ ويميز هذه الغرفة وجود نوافذ من الزجاج الملون المعشق بالجص المنفذ بدقة رائعة، وإلى اليمين توجد حجرة أخرى صغيرة كانت مخصصة لجلوس الحريم اللائي يحضرن مع ضيوف الأمير.

في مواجهة القاعة الشامية توجد القاعة المغربية وقد صممت على الطراز المغربي وتنتشر داخلها مناضد صغيرة مغربية الطراز والأرض مكسوة بسجاجيد تركية مختلفة الطرز.

متفرقة

أبنية عديدة يضمها قصر الأمير محمد علي منها برج الساعة والذي يقع بين سراي الاستقبال والمسجد، وللبرج أربع شرفات تطل على جهات القصر الأربعة وتنتشر الآيات القرآنية على جدران البرج من الداخل والخارج.

أيضاً يوجد «سبيل» وهو يقع بين برج الساعة والمسجد ملاصقا للسور الشمالي للقصر وقد عني الأمير بزخرفته، حيث توجد زخارف كتابية عبارة عن كلمة زمزم مكررة كذلك نقش اسمي محمد وعلي.

وهناك كذلك متحف الصيد والذي يضم العديد من المقتنيات أغلبها لحيوانات وطيور وزواحف محنطة ورؤوس وجماجم وقرون لغزالان وحيوانات جبلية أخرى كما توجد تماثيل لطيور وحيوانات من البرونز والصيني والعاج بالإضافة إلى وجود لوحات زيتية عديدة.

سراي الإقامة

يتكون سراي الإقامة من طابقين وملحق به برج وتستقبل السراي الزائر بوجود لوحة مكتوب عليها «أنشأ هذا القصر دولة البرنس محمد علي باشا سنة 1321هـ» وتضم السراي بهو النافورة وقد سمي بهذا الاسم لوجود نافورة من الآلبستر تم تنفيذها على الطراز الأندلسي تتوسط القاعة وتنتشر داخلها الزخارف والكتابات الإسلامية.

في الجهة الجنوبية من بهو النافورة توجد قاعة «الشكمة» وهي تمتاز بكثرة زخارفها وكتابة العبارات الإسلامية وأسماء الخلفاء الراشدين، بالإضافة إلى وجود أثاث عبارة عن أرائك ومقاعد ومناضد مزينة بزخارف مطعمة بالصدف والسن.

القاهرة ــــ دار الإعلام العربية