الاربعاء 25 رجب 1423 هـ الموافق 2 أكتوبر 2002 اختارت ماريان خوري في عملها الثاني كمخرجة تجربة صعبة ومركبة، إذ تتبعت في شريط واحد مكون من جزأين بدايات رائدات السينما المصرية عزيزة أمير، فاطمة رشدي، بهيجة حافظ، أمينة محمد، آسيا، وماري كويني مزجت فيه بين الأسلوب الشائع في عمل الفيلم التسجيلي الذي يتناول شخصيات في ذمة التاريخ بجمع الشهادات ممن عاصروا الرائدات وبين رحلة بحث تقوم به باحثة شابة لموضوع رائدات في العالم العربي، حددت مجال السينما وبدأت من المكتبات والبحث في المراجع ثم نزلت إلى الشوارع والحواري في بحث ميداني هدفت منه اكتشاف حقائق جديدة وجمع معلومات لم يتطرق إليها أحد. اختارت ماريان خوري الباحثة نادية واصف وهي بملامحها الصعيدية المصرية الصميمة تتحرك تاركة شعرها حرا طليقا، نادية بعد أن بدلت أكثر من قميص ـ لبست فساتين ـ تزور معرضا تشكيليا لفنانة تعرض عملا أسمته سينما مجمدة وفي فضفضة مع نادية تخبرها بأنه ينقصها شيء من الداخل لكي تقدم عملا سينمائيا حقيقيا. هذه المقدمة مهمة جدا للربط مع سيدات امتلكن هذه الشجاعة وهذا الدافع واقتحمن المجهول، فن السينما الناشئ وهن بطلات العمل الست التي أسمتهن المخرجة عاشقات السينما. الفنانة التشكيلية التي جعلتها ماريان خوري بديلا أو معبرا عنها لن تظهر في الشريط مرة أخرى ولكننا سنتذكرها عند النهاية بعد أن تلتقي نادية مع المخرجات الشابات المعاصرات الممتلكات للدوافع الداخلية دون أن تجدن المناخ الملائم والحالة السينمائية التي تسمح لهن بإخراج طاقاتهن الفنية. فيلم عاشقات السينما يكسر القالب الفني فلن تجده يصب في إطار السينما البحثية، فلا نستطيع أن نقول عنه أنه بحث مصور تماما، كما أنه ليس عملا روائيا، وإن كانت به بعض اللمحات الأدائية. الفيلم لا يقدم توثيقا كاملا لبدايات السيدات الست، ينقصه كثير من المعلومات عن كل رائدة ولكنه في المقابل نجح في أن يعكس حالة عامة لمناخ ليبرالي منفتح على أجمل ما في الحضارة الغربية ومستفيدا من فنها ـ السينما ـ ليصوغ في قالبه الفني أعمالا تخص ثقافتنا العربية والمصرية. عاشقات السينما عمل مركب وبسيط في آن واحد، بدت فيه المخرجة ماريان خوري عاشقة للعاشقات وناقمة على ما انتهى إليه الحال، مع قدر من التحسر على مجد الماضي وتصوير الحاضر بقدر من اليأس بينما عملها نفسه ينفي هذا، فهي لبنانية الأصل المصرية بالزواج والإقامة والمساهمة في صناعة السينما المصرية ها هي تتخلى عن خوفها، تستجمع شجاعتها وتقدم عملا طموحا في إطار تقديم رائدات من الوطن العربي فتجمع في عمل واحد استغرق على الشاشة ساعتين وأكثر من نصف قرن من الإبداع ست سيدات في آن واحد، الواحدة منهن يمكن أن تكون موضوعا لمسلسل لا يقل عن أم كلثوم الذي قدمه التلفزيون المصري للمخرجة إنعام محمد علي. ولكن ماريان لم تنحاز لوجهة نسوية بل يمكن القول أنها أعادت تأريخ البدايات من خلال النساء وهي فكرة يتبناها مركز المرأة والذاكرة يهدف إعادة كتابة تراثنا وتاريخنا الذي احتكره الرجال طويلا من وجهة نظر النساء، ومن المؤكد أن مخرجتنا قد تأثرت بهذه الفكرة وهي في نهاية فيلمها تشكر عدة أفراد وجهات من بينها مركز المرأة والذاكرة ورئيسه د. هدى الصدة، رغم استعانتها بعدد كبير من الرجال داخل العمل وخارجه. نعود للفيلم ونلاحظ عدم وجود تماثل سيميترية بين جزئيه الأول والثاني ولا في المساحة المعطاة لكل شخصية، أطلقت ماريان لخيالها وحركتها العنان كما ينصح أساتذة معهد السينما طلبتهم وقدمت عملا دافئا لم تطغ فيه مناطق البحث والتوثيق على اللحظات الطبيعية، اللقطات الأرشيفية سواء من الصور الثابتة أو من الأفلام القديمة التي تثير الضحكات لبدائية أداء التمثيل بها لم تكن طاغية، هذه اللحظات بكل ما تثيره من مشاعر لم تنسينا الشهادات الحية لمن عاصروا الرائدات الست، شهادة الممثلة أمينة رزق الصادقة شديدة الصراحة عن الرائدات، وشهادة المونتير الكبير كمال أبو العلا الذي تعلم المونتاج من الرائدات وشهادة المخرج العالمي يوسف شاهين التي وثقت به آسيا وكان شابا صغيرا في بداية مشواره وأسندت إليه إخراج فيلم كبير، شهادة زملاء المهنة تقاطعت مع شهادة أناس بسطاء عاصروا الرائدات وأحدهم حكى كيف كان يحمل فاطمة رشدي لتقضي حاجتها بعد أن أقعدها المرض. انطلقت ماريان خوري كفراشة ـ مع الاعتذار لرفيق الصبان ـ لتمتص رحيق كل زهرة، ثم تتركها إلى الزهرة الأخرى، ثم يبدو أنها ـ طق في رأسها ـ فكرة تتبع الأماكن التي نشأت بها الرائدات فتذهب بنادية إلى شارع في وسط القاهرة أو تسافر إلى طنطا ـ محافظة بوسط الدلتا ـ أو إلى ثغر الإسكندرية، بعده تعود لمواصلة الشهادات وتحكي أمينة رزق بصراحتها المحببة عن فاطمة رشدي وخلافها الشهير مع يوسف وهبي وتنهي الحكاية بقولها : وبعدين خدت جوزها ومشيت تقصد أن فاطمة رشدي عندما اختلفت مع يوسف وهبي تركت فرقته ساحبة وراءها الزوج عزيز عيد أحد أعمدة المسرح المصري. تترك الحكاية وراءها شعورا بمدى سطوة فاطمة رشدي وزميلاتها من الرائدات وقوتهن والعزيمة التي تحكم تصرفاتهن، كل هذه الصفات التي تتأكد من شهادات كمال أبو العلا و يوسف شاهين مع المعلومات التي يسردها الناقد علي أبو شادي وتحليله النقدي عن الرائدات مع ذكر الحقائق التاريخية. ومع لقاءات نادية واصف التي تؤدي دور الباحثة في الفيلم مع الناقد سمير فريد في بحث ميداني إلى عدة أماكن بداية من أماكن بيع الكتب القديمة في موقعه الجديد بالحسين سور الأزبكية ، إلى مقابلة مع ابنة صاحب استديو قديم تحول إلى صالة مزادات، تبدو رحلة البحث وكأنها بحث عن تاريخ يفلت من بين أصابعنا وصناعة كانت يوما ما أحد أعمدة الاقتصاد القومي إلى حالة من الركون يعكسه تصوير المخرجات المعاصرات في مقهى وهن في حالة انتظار، حيث تعود المخرجة بانتقالاتها إليهن أكثر من مرة وتنهي الحديث بحكاية للمخرجة كاملة أبو ذكرى عن نصيحة الجميع لها عند التقدم لمعهد السينما باختيار قسم المونتاج أو السيناريو حتى يتسنى لها الوقت لحشو الكوسة في المنزل وتأدية مهامها المنزلية في حين كانت ترغب في اختيار التصوير أو الإخراج. ما لم يقله الفيلم ويعرفه عدد منا أن كاملة أبو ذكرى اختارت المشوار الصعب وأثبتت كفاءتها كمخرجة، وهي تجاهد مع زميلاتها وزملائها من الرجال لكي تعود السينما المصرية صناعة قوية، وأعمالا رفيعة تشرف السينما العربية وتشرف المرأة المصرية التي كان من بينها من تخلت عن زوج أو بلد أو اسم عائلة لتمارس فنا أحبته وتؤدي دورا في الحياة الفنية والاجتماعية. ماريان خوري بدأت مشوارها مع السينما بالعمل في الإنتاج مع خالها يوسف شاهين ومنذ عامين اقتحمت مجال الإخراج وقدمت زمن لورا تسجيلي قصير تناولت فيه دور سيدة من أصل إيطالي تعلم الفتيات فن الباليه، وهي في عملها الثاني عاشقات السينما التسجيلي الطويل، تؤكد أن إسهام المرأة العربية ـ هنا في الفيلم مصرية ولبنانية ـ في ترسيخ دعائم فن السينما مستمر ولن ينقطع. القاهرة ـ صفاء الليثي: