- «سائق التاكسي».. دراما روبيرت دي نيرو المعقدة(PDF)

للممثل الأميركي روبيرت دي نيرو حضور بارز على الساحة السينمائية، ففي جعبته حتى الآن أكثر من 100 عمل فني موزعة ما بين أفلام وبعض المسلسلات التلفزيونية، آخرها كان فيلم «جوي» (Joy) للمخرج ديفيد أو.

راسل وشارك فيه أيضاً جنيفر لورانس وبرادلي كوبر. في حين أن بعضاً من أفلامه لا تزال تحت الإنجاز ويتوقع أن ترى النور خلال العام المقبل. نيرو الحاصل على جائزة الأوسكار مرتين، الأولى كأفضل ممثل ثانوي عن دوره في فيلم «العراب 2» (The Godfather: Part II) (1974)، والثانية كأفضل ممثل رئيسي عن فيلمه «الثور الهائج» (Raging Bull) (1980)، يعد حالياً أحد أفضل الممثلين في تاريخ السينما الأميركية.

مع نهاية الأسبوع الماضي احتفل مهرجان ترايبيكا السينمائى الدولي الذي يقام سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية، بمرور 40 عاماً على فيلم «سائق التاكسي» (Taxi Driver) (1976) وهو الفيلم الذي تولى إخراجه مارتن سكورسيزي، وسرعان ما تمكن هذا العمل من دخول قائمة أفضل 250 فيلماً في تاريخ السينما بحسب تصنيف IMDB، حيث يعد هذا الفيلم واحداً من أبرز الأعمال التي قدمها سكورسيزي للسينما، كما يعد نصه من أكثر النصوص ابتكاراً خلال العقود الأربعة الماضية، لما حمله من دراما نفسية معقدة تبرز التناقض الداخلي وتأثير العزلة، كما يقدم نيويورك في سبعينيات القرن الماضي كما هي، من دون رتوش.

وبالطبع لا تكفي فقط مناسبة مرور 40 عاماً ليتم الاحتفاء بهذا العمل، فهو يعد واحداً من الأفلام التي تتمتع بميزة ونكهة خاصة عن سائر أعمال سكورسيزي، لما يمتلكه من قوة طرح جريئة، ولعل ذلك هو السبب الذي قد يدعو مشاهده إلى رؤيته أكثر من مرة لما فيه من تعقيد، ففيه يذهب سكورسيزي إلى ما هو أعمق من قضية «الشعور بالوحدة».

في هذا الفيلم أبدع روبيرت دي نيرو الذي يعود فيه للعمل مع سكورسيزي للمرة الثانية بعد تعاونهما الأول في «شوارع قذرة» (Mean Streets) (1973)، وبحسب وصف النقاد، فقد قدم نيرو عبر شخصية «فرانسيس بيكل» واحدة من أعقد الشخصيات السينمائية وأكثرها غموضاً، كونها مشغولة دائماً في البحث عن كيانها وذاتها، والغوص في عالمها، والانشغال الدائم في التنقيب بالماضي والعيش في الحاضر، ولعل ذلك كان سبباً في دعوة بعض النقاد إلى اعتباره واحداً من الأفلام المعقدة التي لا تكفي مرة أو اثنتين لمشاهدتها.

الفيلم يتناول صراع «ترافيس بيكل» مع الوحدة التي تجبره على ابتكار عالمه الخاص، الذي يدخله بعد فشله في إنقاذ رفيقه الوحيد الذي اعتاد طيفه على مداهمته كلما نظر إلى المرآة، تقوده وحدته وتخبطه لأن يعمل سائقاً لسيارة أجرة ضمن ورديات الليل، يجوب في شوارع نيويورك ويتعود على تدوين يومياته وكل ما يصادفه من شخصيات غريبة، يدعوها هو بـ «الحيوانات»، لذا يتعود أيضاً على غسيل سيارته مع كل صباح، وذلك ليطرد منها كل ما يتعلق بالشخصيات التي ينقلها.

حرب فيتنام

مع بدايات الفيلم ندرك أن ترافيس هو جندي سابق خدم في حرب فيتنام، وأن السبب الذي يدعوه لأن يعمل ليلاً هو عدم قدرته على النوم كبقية البشر في الليل، في طبيعة عمله لا يمانع أبداً نقل ركابه حيث يريدون، كما لا يكترث أبداً لمسألة الوقت والمكان، ومن هنا نبدأ بالولوج إلى عالم ترافيس الخفي، لنكتشف مدى عزلته وغموضه والتناقض الذي يعيش فيه، ولنكتشف من خلال صوته الذي يلقي على مسامعنا بعضاً من مذكراته، كما نكتشف على مدينة نيويورك الليلية، فهي تبدو مختلفة تماماً عن أوقات النهار، في حين لا يعلق في ذاكرته سوى حفنه من الشخصيات الذين يعتبر انهم تركوا أثراً عميقاً في شخصيته، من بينهم تلك المرأة التي تدعى بيتسي (الممثلة سيبيل شيبيرد) والتي تستحوذ على تفكيره، ففي الوقت الذي يصفوها هو بـ «ملاك يرتدي فستاناً أبيض»، تشرح هي شخصيته في مقطع غنائي يقول «بعضه خيال وبعضه حقيقي، إنه تجسيد حي للتناقض».

خلال الأحداث نلحظ اقتراباً من عالم الانتخابات الأميركية، لنجد أن ترافيس يؤيد المرشح تشارلز بالنتاين، رغم أنه لا يعرف شيئاً عنه، والسبب هو رغبته في الاقتراب من «بيتسي» التي يرى فيها رمزاً للطهارة، مختلفاً عما يراه في ورديته الليلية. وسرعان ما تخرج بيتسي من حياة ترافيس، لنجده يدخل في منعطف آخر عندما يلعب دور البطولة ويقرر إنقاذ حياة «آيريس» (الممثلة جودي فوستر) وهي بائعة هوى مراهقة، حيث يعمل على إخراجها من عالمها السفلي، ليعيدها إلى منزلها مجدداً، حتى من دون أن يدرك ما ينتظره من عواقب.

ثورة بصرية

معظم النقاد يعتبرون هذا الفيلم بأنه واحد من أفضل 5 أفلام تولى سكورسيزي عملية إخراجها، فقد شكل من خلاله ثورة بصرية عكست ما يتمتع به من عمق سينمائي، استطاع أن يجسده نيرو بعبقرية خالصة، كما يبين الفيلم مدى فهم سكورسيزي لطبيعة نص بول شريدير، وما تضمنه من دراما نفسيه عميقة تدور في خطوط متعددة كالوحدة وتشويه الذات وتعذيبها، وقدرته على التغلغل في الشخصية الإنسانية، وإبراز تناقضاتها، وهو ما مكنه من ابتكار أعقد الشخصيات السينمائية في التاريخ، وقد ساعده في ذلك هو الاتفاق الواضح بين التأليف والإخراج وسيرهما في خط واحد، لذا فيمكن اعتبار نص شريدير من أكثر النصوص ابتكاراً وحيوية خلال العقود الأربعة الماضية، وتكمن عملية الابتكار فيه، في اختلاف خطوطه واحتمالاته والتفسيرات المتعاقبة التي تحتملها المشاهد الرئيسة فيه.

اللافت في هذا الفيلم هو عملية بناء مدينة نيويورك، حيث تم تقديم نسخة طبق الأصل عنها لما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي، وطبيعة الظروف التي مرت بها، وعوالم السفلية، وهو ما حاول سكورسيزي ترجمته في شخصية «ترافيس بيكل»، الذي أبدع في تجسيدها نيرو، حيث افتقد وجهه الإنساني الحقيقي، لنجده تائهاً يتخبط بين وجهاته، الأمر الذي سبب له عذاباته الذاتية التي يعزيها إلى قذارة المدينة التي يعيش فيها، حيث كانت آنذاك نيويورك مرتعاً للجريمة والانحطاط.

طريقة ذكية

عملية تقديم القصة من وجهة نظر الشخصية، شكل فناً جميلاً وطريقة ذكية استخدمها سكورسيزي في صياغته للفيلم، لدرجة جعل فيها المشاهد يقبل بكل ما تقدمه له هذه الشخصية، بشكل تلقائي، الأمر الذي قد يخلق نوعاً من الحميمية بين المشاهد والشخصية، وقد لعبت يومياته دوراً في هذا الإقناع، لدرجة استطاعت أن تأسر المشاهد وأن تطوعه لطبيعة وتصرفات «ترافيس» نفسها، على الرغم من أنها قد تكون خاطئة في بعض الأحيان، وهذا يأتي انعكاساً لطبيعة المدينة وما تشهده شوارعها خاصة في جنح الليل.

كما حاول سكورسيزي أن يبين مدى قدرة هذه الشخصية على التكفير عن ذنوبها، وهي فكرة لطالما رافقت أفلام سكورسيزي في الكثير من أفلامه، وليحقق ذلك في هذا الفيلم فقد عمل على تقديم تعريف كامل عن طبيعة خلفيتها، ونفسيتها. فضلاً عن ذلك فقد استفاد كثيراً من إيجاد شخصية «آيريس» والتي استخدمها ليقدم من خلالها دليلاً على طبيعة نظرة المجتمع للمرأة.

طبعاً لعبت المرآة التي كان ينظر إليها ترافيس دوراً مهماً في الفيلم، لدرجة تحولت إلى واحدة من أبطاله، من خلالها استطاع أن يعكس نظرته لنفسه، وكذلك للمجتمع، وما تعانيه الشخصية من عزلة وحاجتها الملحة لوجود رفيق.

250

استطاع Taxi Driver دخول قائمة الـ 250 فيلماً الأفضل في تاريخ السينما

27

مليون دولار إيرادات الفيلم في الولايات المتحدة فقط

1.300

دولار ميزانية Taxi Driver

1994

اختير Taxi Driver من قبل مكتبة الكونغرس لحفظه في سجل الأفلام الوطنية

4

الفيلم تم ترشيحه لأربع جوائز اوسكار ولم يفز

2

جائزتا بافتا فاز بهما فيلم Taxi Driver