تشهد السينما العربية في السنوات الخمس الأخيرة مرحلة تحول، تتمثل في سينما بديلة أو موازية للتجارية منها. أما القائمون على هذا التحول والموزعون في العديد من البلدان العربية، فهم ممن يتملكهم الشغف بهذا الفن من جهة.
ومن جهة أخرى إدراكهم أن شريحة لا بأس بها من الجمهور توقفت عن ارتياد السينمات لكونها لا تجد نوعية الأفلام التي تتطلع إليها، سواء على مستوى المضمون أو الفرجة البصرية.
ولمعرفة المزيد عن البنية التحتية لهذا التحول الذي يعيد للسينما العربية ألقها ومكانتها وجمهورها، التقت «البيان» على هامش فعاليات المهرجان مجموعة من القائمين على مثل هذا المبادرات التي تجمع بين انتقاء الأفلام لعرضها وبين تسويقها.
جمهور تفاعلي
يقول الشاب يوسف الشاذلي المدير التنفيذي والمساهم في تأسيس سينما وشركة «زاوية» بمصر منذ أربع سنوات: «نحن ننتقي الأفلام غير التجارية التي تحقق المعايير الفنية لهذه الصناعة. ولدينا برنامج سنوي متكامل يشمل مختلف أنواع الأفلام من الروائية الطويلة إلى القصيرة والوثائقية.
ويتضمن برنامجنا مهرجانات متنوعة منها مهرجان «بانوراما للفيلم الأوروبي» وهو الأكبر، و«أيام القاهرة السينمائية» المعني بالأفلام العربية، ومهرجان خاص بالأفلام القصيرة، والذي يتضمن مسابقة لاختيار أفضل فيلم، وبرامج متنوعة منها «أسابيع» المعني بأعمال أحد المخرجين أو ثيمة معينة. وكل فيلم في صالتنا له طريقة عرض معينة ما بين يوم وأسبوعين وأكثر».
وينتقل إلى الحديث عن الموارد التي تضمن استمراريتهم قائلاً: «يدفع الجمهور قيمة التذكرة لحضور أفلامنا ويحرص على مشاهدة أفلامنا. وتتسع شريحة جمهورنا يوماً بعد آخر. ويتراوح إجمالي عدد التذاكر التي بعناها هذا العام ما بين 50 إلى 60 ألف بطاقة، وباع مهرجان «بانوراما» 17 ألف تذكرة خلال 10 أيام.
تقليص المسافة
يستعرض عبدالله الشامي المدير الشريك في «ماد سوليوشنز» التي مقرها في مصر ولها ممثلون في بلدان عربية عدة والمتخصصة في توزيع الأفلام العربية بالوطن العربي وخارجه إلى جانب الترويج والعلاقات العامة المعنية بهذه الصناعة، تجربتهم قائلاً: «نحن نحاول إلغاء أو تقليص المسافة الفاصلة بين أفلام المهرجانات والتجارية، ففي نهاية المطاف أي فيلم عربي يعرض بالمهرجانات العربية لابد من مستقبل ربحي له ولو كان بسيطاً».
ويطرح مثالاً قائلاً: «تتمثل مبادرتنا الجديدة في الإمارات، في توزيعنا فيلمين من تونس بدور عرض تجارية مع ترجمة عربية لها، وبذلك نشجع دور العرض والجمهور على مشاهدة أفلام عربية نوعية، مثل توزيعنا لفيلم «ذيب» الأردني الذي مثل الأردن في «الأوسكار» لأول مرة في تاريخها.
هذا الفيلم استمر عرضه في سينمات الإمارات لمدة ثلاثة أسابيع خارج موسم الأعياد، ليتفوق بذلك على أي فيلم عربي يضم مشاهير النجوم والذي لا يتجاوز عرضه أسبوعين».
ويحكي الشامي عن المعايير الخاصة باختيارهم للأفلام قائلاً: «أن يرتبط الفيلم بقصة إنسانية يتفاعل معها الجمهور من ثقافات مختلفة، وتشكل جرأة المخرج والمنتج حافزاً لنستلهم منهما ونشارك بجرأة مماثلة في عملية التوزيع. ونتلمس في اختيار الأفلام من نبض تفاعل الجمهور مع أفلام المهرجانات. أما الأفلام القصيرة، فنسوقها بين المهرجانات والمحطات التلفزيونية التي يزداد طلبها عليها».
مبادرة «عقيل»
يطرح جان لوكا شقرا المدير التنفيذي لشركة توزيع الأفلام «فرونت روو» مبادرة نوعية تعكس هذا التحول في الإمارات قائلاً: «مشروع «سينما عقيل» تجربة نوعية أدهشت شركتنا بنجاحها ونسبة جمهورها. في البداية تعاونا معهم كتشجيع لهم، وسرعان ما أثبت المشروع نجاحه، فخلال عملنا معهم مدة أشهر الصيف الثلاثة أدهشتنا قاعدة الجمهور التي استقطبتها.
حيث كان الناس يقفون يومياً في طابور طويل لأكثر من ساعتين على الرغم من شدة الحرارة والرطوبة، ويتوافدون من الساعة الخامسة للحصول على تذاكر فيلم يُعرض في الساعة 7:30 مساءً. وحينما سألت عدداً من الجمهور لم يأتون وينتظرون بدلاً من مشاهدة فيلمٍ في مراكز التسوق المكيفة، قالوا إن نوعية الأفلام التي يشاهدونها مختلفة كذلك فرصة نقاش الفيلم».