"الخدمات الصحية في الساحل المتصالح". كتاب جديد من اعداد الدكتور عارف الشيخ، يتناول فيه تاريخ القطاع الصحي في الامارات، عبر مراحله المختلفة التي مر بها، ابتداء من الطب الشعبي، ثم الخدمات الطبية الأجنبية، والخدمات الطبية المحلية، مرورا بمرحلة مهمة من تاريخ المسيرة الصحية، وهي البعثة الطبية الكويتية. ويعد الكتاب كذلك، من أهم الوثائق التي تجمع بين طياتها، أسماء ومنجزات الأشخاص الذين عملوا في هذا القطاع، سواء من الاماراتيين، او من الاخوة الخليجيين والعرب. وكذلك الاصدقاء الاجانب، الذين اسهموا بجهودهم، في تطور ونمو القطاع الصحي.
محطات وشخصيات
يقسم الدكتور عارف الشيخ كتابه، إلى ثلاثة اجزاء، يغطي فيها، الفترة التاريخية من 1902 الى 1972، وعبر ثلاثة اجزاء، ضمها بين دفتي كتابه، تبدو رحلة التوثيق، راصدة ادق التفاصيل في تطور ونمو القطاع الصحي. وأهم مفاصلها ومحطاتها والشخصيات المؤثرة فيها، كما عمد الدكتور عارف الشيخ الى دعم رصده التاريخي والتوثقي، بصور نادرة تعيد فتح صندوق الذاكرة في التاريخ الصحي للامارات، قبل قيام الاتحاد.
وفي هذه الصور، تظهر وجوه مسؤولين واطباء وعاملين في القطاع الصحي، يمثلون الرعيل الاول الذي اسس للخدمات الصحية، التي تتوافر اليوم. في معرض تقديمه لكتاب "الخدمات الصحية في الساحل المتصالح"، يقول الدكتور عارف الشيخ: "أريد ان اسجل في هذا الكتاب، ما كاد وأوشك الناس ان ينسوه، فدولة الامارات العربية المتحدة، كانت تعرف في مرحلة سابقة من الزمن، بالامارات المتصالحة، وآنذاك، لم نكن نحن نعرف مدرسة نظامية، ولا مستشفى نظاميا..
كانت هناك محاولات علاجية يقوم بها الاطباء الشعبيون، وكانت ارساليات نصرانية تبشيرية تقوم بعلاج بعض المرضى، من خلال اطباء زائرين قدموا الى المنطقة لا من اجل العلاج، بل لحاجة في انفسهم.. والحق يقال بأننا نحن ابناء دبي والامارات الشمالية، لم نعرف المستشفيات حق المعرفة، حتى أنشئ مستشفى المكتوم في عام 1951، وجاءت البعثة الطبية الكويتية عام 1962".
ويقدم الدكتور عارف الشيخ، في بداية كتابه، لمحة موجزة عن واقع الامارات المتصالحة، والتي كانت تسمى قبل ذلك ايضا، بإمارات ساحل عمان، وتشمل: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وام القيوين ورأس الخيمة والفجيرة، كما سميت ايضا بالمشيخات السبع، كونها حكومات كانت تخضع كل امارة لشيخ من الاسر الحاكمة.
ويشير معد الكتاب، الى دور صندوق تطوير الامارات، والذي انشئ في العام 1955 بموافقة حكام الامارات المتصالحة وبرأس مال مبدئي اسهمت فيه بريطانيا بمليون جينه استرليني، كما اسهمت فيه كل من قطر والبحرين وابوظبي، ومن ثم انشاء مكتب التطوير في عام 1965. وكانت مهمته تنفيذ ومتابعة المشاريع التي يقرها مجلس الحكام، وكانت تساعد المكتب لجنة تشاورية تجتمع من حين لآخر..
ومن أهم المشاريع التي قام بها مكتب التطوير، اقامة المراكز الصحية في رأس الخيمة وافتتاح مراكز جديدة في مناطق اخرى، وتحمّل نصف نفقات مستشفى المكتوم بدبي، حيث كانت حكومة دبي، تدفع النصف الآخر من النفقات. ويوثق معد الكتاب، تولي عيسى صالح القرق، مهام منصب مدير مكتب التطوير، وكذلك تولي عبد الله محمد المزروعي، مسؤوليات نيابة ادارة المكتب.
التبشير
في الفصل الثاني من كتاب "الخدمات الصحية في الساحل المتصالح"، يوثق الدكتور عارف الشيخ، لأهم محطة في تاريخ نشوء الخدمات الصحية في الدولة، إذ يعرض لدور الارساليات التبشيرية التي اقامت المراكز الصحية، واهم الاطباء والطبيبات والممرضات، من الذين لعبوا دورا مهما في البدايات.. ويطلق الباحث على هذا الباب عنوان "مرحلة الطب الحديث". وتحت عنوان "المبشرون الاطباء"، يقول: "على الرغم من ان تحديد البدايات صعب دائما، الا ان بداية الطب الحديث في امارات ساحل عمان، يمكن أن يقال عنها، بأنها ترجع الى عام 1902، عندما قام الطبيب شارون توماس بزيارة الى الشارقة ودبي".
ويضيف: " هذه الزيارة، رغم انها كانت تبشيرية، الا انها اشتملت على القيام بعلاج بعض الاشخاص بالطب الحديث، حيث بدأ تبشيرهم من البحرين وامتد عبر دول الخليج الاخرى.. ويبدو ان توماس لم يكن الطبيب المبشر الوحيد، بل سبقه المبشر جمس مورديك الذي قام برحلة استكشافية لدبي والشارقة، عام 1901، قادما من البحرين، وتبعها الدكتور ستانلي ميلري عام 1908، وزار الشارقة ودبي ايضا، وقد ذكر بأنه عالج في دبي وحدها 750 مريضا خلال اسبوعين".
ويسجل الباحث الدكتور عارف الشيخ، في كتابه، ايضا، تفاصيل زيارة الطبيب بول هاريسون لأبوظبي، بإذن من شيوخها، آنذاك، وكان ذلك عام 1919، أي في عهد الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، حيث قام بفتح عيادة طبية، ولم يوفق في البداية في اقناع الاهالي، ولكنه في النهاية، صار يعالج 200 مريض في بعض الايام، ثم امتدت زيارته لتشمل دبي والشارقة وام القيوين ورأس الخيمة.
ويرحل الباحث في تقصيه لبداية انتشار المراكز الصحية في هذه المرحلة، مشيرا الى مستشفى بن لوتاه في عجمان، والذي اسسه ناصر بن علي عبيد لوتاه، في القرن التاسع الميلادي، وهي البادرة التي يعتبرها المعد، قدم سبق لابن الامارات، يسجلها التاريخ، اذ انه تطلع للطب الحديث منذ ذلك التاريخ. وكذلك يعود معد الكتاب الى الطبيب هاريسون، ليعرض ما ذكره في كتابه الشهير "رحلة طبيب الى الجزيرة العربية"، إذ ترجمة محمد امين عبد الله.
ويعرض المعد لما اورده هاريسون من تفاصيل رحلته في العلاج في امارات ساحل عمان. تحت عنوان "مدينة ابوظبي من غير مستشفى"، يسجل الدكتور عارف الشيخ في كتابه، ملاحظة مهمة في تاريخ القطاع الصحي في الدولة، حيث يذكر انه رغم ان حكومة ابوظبي كانت تسهم في مكتب التطوير، فان الخدمات الطبية في مدينة ابوظبي كانت ضعيفة جدا، ولم يكن فيها مستشفى، بل بعض عيادات صغيرة لأطباء هنود وايرانيين. كما يوثق معد الكتاب، لأهم المراسلات التي كانت تجري بين شيوخ الامارات والحكومة البريطانية، طلبا للخدمات الصحية، خصوصا حين بدأت بعض الاوبئة في الانتشار. ويوثق الكتاب لهذه المخاطبات بصور توثيقية.
مرحلة مهمة
وفي الباب الثالث، يلاحق الدكتور عارف الشيخ، تعامل دار الاعتماد البريطاني، مع الخدمات الصحية في امارات ساحل عمان، مشيرا إلى انها كانت تقدم خدمات صحية متنقلة، وكان يتم ذلك عبر عيادات صغيرة لم تكن تتعدى الغرفة الواحدة، من ال"كرافان"، ومقسمة إلى قسمين للرجال وللنساء. ولكن حين شعرت بالمد القومي العربي، بدأت تعمل من خلال مكتب التطوير الصحي، والذي كان نابعا من جامعة الدول العربية.
ويشير الباحث الدكتور عارف الشيخ، في هذا الجانب، الى انه في العام 1966، وحين تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مقاليد الحكم في ابوظبي، ابدى استعدادا تاما للانفاق على جميع الامارات، وبالفعل فإن ابوظبي تحملت ما يقرب من ال 95 بالمئة، من ميزانية مكتب التطوير في عام 1969، بالرغم من ان هذا المكتب لم يكن يقدم خدمات صحية فقط، بل كان يهتم بالزراعة ومسح مصادر المياه.
طب محلي
يرصد الدكتور عارف الشيخ في كتابه، وتحت عنوان "مرحلة الخدمات الطبية المحلية"، حكاية اول طبيب محلي، وهو الطبيب محمد حبيب، حيث يشير الكتاب الى ان محمد حبيب افتتح عيادته في عام 1939، الا انه كان يمارس مهنة الطب، منذ عام 1930، ولم يكن الطبيب الخاص للمغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم ال مكتوم، بل طبيب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وظل يلازمه حتى وفاته في عام 1982.
ومحمد حبيب تشرب الطب منذ عهد والده، واستفاد في فترة دراسته وتحصيله الطبي، من الخبرات الهندية والفارسية، ذلك لأنه كان يرافق والده في اسفاره. كما ان نجاحه في مهنة الطب، في ما بعد، يرجع الفضل فيه الى المغفور لهما الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، فالشيخان كانا يشجعانه على تطوير مهنته، ولا سيما ان البلاد كانت في حاجة الى مهنة الطب آنذاك. ولذلك منحه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ترخيصا رسميا، اضافة الى الترخيص الذي منحه اياه الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، ليصبح بذلك طبيبا رسميا لعموم الشعب، بعد ان كان طبيبا للأسرة الحاكمة فقط.
وهو من أنشأ أول صيدلية في دبي. كما يؤشر الكتاب الى تعيين الطبيب ماكولي من بريطانيا ليكون مسؤولا في مستشفى المكتوم بعد الانتهاء من انشائه في العام 1951، وكان ماكولي قبل ذلك عضوا في الخدمات الطبية الهندية فتقاعد. كما يسجل الكتاب ظهور اول طبيب اماراتي مواطن، بعد انشاء دائرة الصحة بدبي، وهو الدكتور جمعة خلفان بالهول، وكان من طلاب المدرسة الاحمدية بدبي، ودرس الاعدادية، وبقي إلى ما قبل مرحلة الدراسة الثانوية العامة في قطر، وحصل على الثانوية العامة من الكويت.
ومن ثم درس المرحلة الجامعية في القاهرة، طب القصر العيني. وحين عاد بالهول الى دبي عام 1969، التحق بالمستشفى الحكومي آنذاك في دبي، وهو مستشفى المكتوم. ويعرج الدكتور عارف الشيخ في كتابه "الخدمات الصحية في الساحل المتصالح"، على دور العمل الخيري الذي قام به رجال الاعمال في دبي، ومنهم جمعة الماجد، حيث قام الماجد ومعه محمد عبد الله القاز بجمع التبرعات لإنشاء جمعية خيرية في عام 1962، وسميت بالجمعية الخيرية العربية بدبي، وكان الغرض من انشائها توصيل المرضى الى المستشفيات، سواء كانوا من داخل البلد او من خارجه.
1939
يسجل الكتاب للطبيب محمد حبيب انه اول من افتتح صيدلية في دبي، حيث يذكر الدكتور عارف الشيخ، انه عندما عاد محمد حبيب الى دبي، فكر في انشاء صيدلية، فكانت تلك الصيدلية الوطنية التي انشأها في عام 1939، ووفر فيها العقاقير الطبية التي كان يجلبها من الهند، مثل :"الكينين" لعلاج الملاريا، والزرنيخ لعلاج الزهري، و"الانترفيوفروم" لعلاج الدوسنتاريا.
مشاركة
دور الكويت في رعاية التعليم والشؤون الصحية
يركز كتاب "الخدمات الصحية في الساحل المتصالح" لمعده الدكتور عارف الشيخ، على دور دولة الكويت في رعاية التعليم والشؤون الصحية في الامارات، ويرصد بالارقام، الموازانات المالية التي وضعتها دولة الكويت لدفع عجلة التعليم والصحة في الامارات، كنوع من التعاون والمشاركة في التنمية.. ويشير الى افتتاح مكتب دولة الكويت في دبي، بالتزامن مع وصول البعثة الطبية الكويتية الى دبي، في نهاية العام 1962.
فيما كانت البعثة التعليمية قد سبقت ذلك بكثير لأنها وصلت في العام 1956. كما يرصد اسماء الاداريين والاطباء والممرضين، ومنجزات المكتب الذي انشأ العديد من مراكز الرعاية الصحية، ومنها مستشفى الكويت بمنطقة البراحة في العام 1966، وقبله مستوصف بر دبي الصحي الذي افتتح في عام 1963.
وفي الفصل الثالث من الكتاب يوثق الدكتور عارف الشيخ لأهم الشخصيات من الذين مروا على تاريخ الخدمات الصحية في الامارات، ومنهم : الشيخ بدر المحمد الاحمد الصباح الذي كان يرأس مكتب دولة الكويت بدبي منذ العام 1969 الى العام 1971، وحينما اعلن عن قيام دولة الامارات العربية المتحدة عين سفيرا للكويت في الدولة، ويسجل له الكتاب علاقته بتطوير التعليم والخدمات الصحية في الامارات.
إرساليات
4 مستشفيات « تبشيرية» أميركية
من مستشفيات الارساليات التبشيرية الاميركية يسجل الباحث في كتابه، 4 مستشفيات، وهي: مستشفى سارة هوسمان للحوامل في الشارقة (افتتح في العام 1952)، مستشفى كندي بالعين (عمل فيه الدكتور كندي وزوجته والقس هادي يونج)، مستشفى رأس الخيمة (استمر حتى العام 1978 ثم اغلق)، المستوصف الطبي بالفجيرة (كانت تديره مجموعة من النساء الاميركيات والاوروبيات).
التداوي قديماً
ضمن باب مراحل الطب في الامارات، في الكتاب، يلقي الدكتور عارف الشيخ، الضوء على مرحلة العلاج بالطب الشعبي، ويوثق للمعالجين الشعبيين، والذين يذكر منهم: رفيعة بنت ثاني، صالح المطوع ، احمد بن سالم مزروع، الشيخ حميد بن محمد القاسمي، حمامة بنت عبيد الطنيجي وآمنة بنت محمد واحمد ريس. بالاضافة الى درويش بن كرم، وثلاب بن عجب المنصوري، وبخيت المداوي وحمد المشغوني، وزينب قمبر واحمد عبد الرحمن النيباري، ومحمد حسن لحمودي.
وهذا بالاضافة الى مجموعة اخرى كبيرة، لا يتسع المقام لذكرها. ويرصد المعد في كتابه، الامراض التي كان الاطباء الشعبيون يقومون بعلاجها، ويرصد منها ما يقارب ال 11 مرضا. كما انه لم يغفل ان يسجل، بالكلمة والصورة، لبعض أنواع ومسميات الاعشاب الطبية التي كان يتم التداوي بها قديما.
نبذة
الدكتور عارف الشيخ، كاتب وباحث، من مواليد دبي عام 1952، حصل على درجة الليسانس من كلية الشريعة والقانون في جامعة الازهر- عام 1977، وحصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية عام 1997.
عمل في وزارة التربية والتعليم حتى العام 2002، وهو عضو مؤسس لجائزة دبي للقرآن الكريم. ويعمل مؤذونا شرعيا منذ العام 1980، وخطيبا للجمعة والعيد. وهو أيضا، عضو مجلس الشرطة الاستشارية لخدمة المجتمع في دبي.
لديه اكثر من 60 كتابا، منها: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ظاهرة استثنائية، ما يطلبه الظمآن، اسماء من الخليج.