تُواجه المطبوعات الثقافية المصرية مستقبلاً صعباً، بعد التطور التكنولوجي الهائل الذي دخل على وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في الفترة الأخيرة، حيث تتهاوى مبيعات هذه المطبوعات بعد ابتعاد جمهور القراء من المثقفين عن قراءتها في ظل الرواج الذي تشهده المواد الثقافية على الإنترنت.
الأمر الذي التفت له القائمون على إصدار هذه المطبوعات، وأجبرهم على التفكير في التحول بصورة أكبر إلى عالم الإنترنت، في دلالة خطيرة على مستقبل المواد المطبوعة بشكل عام والثقافية بشكل خاص.
ورغم أن الصورة الذهنية النمطية عن المثقف بأنه هو ذاك الشخص القابع أمام مكتبه جالساً على كرسي عتيق وقد ثبت نظارة ضخمة على عينيه ممسكاً كتاباً وتبدو على ملامح وجهه الجدية بشدة، فإن تلك الصورة قد تبدلت الآن عقب الغزو الإلكتروني وخاصة في صفوف القراء الشباب، فبات المثقف جالساً أمام شاشة الكمبيوتر يقرأ صحيفة ثقافية إلكترونية أو كتاباً.
بحث
وأمام جلالة الإنترنت وغزوه، تدرس صحف ومجلات ثقافية في مصر التوسع في إصدار نسخة إلكترونية منها أو أن تتحول نهائياً إلى موقع إلكتروني لمواكبة التطورات التكنولوجية الحالية، وهي الآلية التي دق مثقفون ناقوس الخطر أمامها، وخاصة أنها قد تؤثر سلباً على المنظومة الثقافية بشكل عام.
وخاصة فيما يتعلق بالجيل القديم من المثقفين وكبار السن الذين اعتادوا وترعرعوا على الصحف والمجلات الثقافية المختلفة، ووجدوا أنفسهم الآن أمام إشكالية تقلص أعداد المطبوعات الثقافية المختلفة سواء مجلات أو صحف ورقية لحساب المواقع الإلكترونية.
ومن أبرز المجلات الثقافية التي تدرس التحول إلى مطبوع إلكتروني بدلاً من الورقي هي مجلة الثقافة الجديدة والتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر منذ ما يزيد على الـ43 عاماً كاملة، فيما لجأت صحف أخرى لطرح محتوياتها على الإنترنت لمواكبة تدفق جمهور المثقفين الجدد على الإنترنت.
تراجع المبيعات
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمفكر رئيس تحرير صحيفة «القاهرة» الثقافية صلاح عيسى، لـ«البيان»: إن الرواج الذي تشهده المواد الثقافية على الإنترنت أسهم بصورة كبيرة في تقليل اهتمامات جمهور القراء من المثقفين بالصحف والمطبوعات الثقافية المحلية بشكل عام، ما أسهم في تراجع نسب مبيعاتها.
مُشيراً إلى أن الإنترنت صاحبه تأثيرات سلبية على مختلف المواد المطبوعة الأخرى، وخاصة أنها لغة العصر التي يستخدمها الشباب من المثقفين من أجل تعميق ثقافتهم ومعرفتهم بشكل عام.
وأشار إلى أنه ليس فقط الإنترنت المسؤول عن تهاوي توزيع المطبوعات الثقافية المحلية في مصر على وجه التحديد، لكن تعدد وتنوع البرامج التلفزيونية التي تشتمل على مواد ثقافية أسهم أيضاً في التأثير سلباً على نسب إقبال الجمهور على المطبوعات الثقافية من مجلات وصحف.
إضافة لتوسع دول عربية في إصدار مطبوعات ثقافية مُنوعة يتم توزيعها على نطاق واسع بمصر، ويحتوي عدد من تلك المجلات على كتيب أو كتيبات هدية للقارئ ما يسهم في إقبال جمهور المثقفين عليها، وخاصة أنها نجحت في استقطاب عدد من المثقفين والأدباء للكتابة فيها وما إلى ذلك.
وتابع عيسى: إن الصحف اليومية المصرية تهتم بنشر محتويات ثقافية عبر مواقعها على الإنترنت بصورة يومية، ما أسهم أيضاً في تراجع اهتمام القراء والمثقفين بالصحف المتخصصة ثقافياً، مؤكداً أن وزارة الثقافة المصرية حاولت أن تواكب العصر لما أيقنت أهمية المحتويات الإلكترونية بشكل عام، فبات لديها الآن العديد من المواقع.
كما أن صحيفة «القاهرة» والتابعة ملكيتها للوزارة، تسعى لأن تطور محتواها على الإنترنت؛ من أجل الترويج للصحيفة داخلياً وخارجياً، وكسب قاعدة جماهيرية أكبر من قرّاء الإنترنت.
مواكبة العصر
وتواجه المجلات والصحف التي تصدرها وزارة الثقافة في مصر من خلال هيئاتها المختلفة إشكاليات مُتعددة، خاصة فيما يتعلق بعدم استطاعتها مواكبة المنافسة مع الإنترنت، لدرجة أن بعضها يدرس الآن غلق أبوابه على غرار صحف أخرى، وأن يقتصر على إصدار إلكتروني فقط.
وفي هذا السياق، يقول المثقف والكاتب بمجلة الثقافة الجديدة أشرف الخمايسي، في تصريحات خاصة لـ«البيان» إن هناك اتجاهاً قوياً مطروحاً على مائدة الصحيفة الآن لتحويل المجلة نهائياً من المطبوع إلى الإلكتروني، خاصة مع إيمان مختلف المثقفين في مصر والعالم العربي بل والعالم كله بالمحتوى الإلكتروني الذي أضحى سهلاً للغاية من حيث الوصول لأكبر قاعدة جماهيرية، فضلاً عن سهولة العرض.
سلاح ذو حدين
ويشير الناشر رئيس مجلس إدارة شركة أطلس للنشر عادل المصري، إلى أن المواقع الثقافية المتخصصة سلاح ذو حدين، فهي إما تثري الناحية الأدبية أو تعمل على وأد الإبداع، فلو عملت على قرصنة المواد الثقافية والمطبوعات دون حقوق الناشر والمؤلف ودون اتفاق مسبق وعقد مبرم بين الطرفين.
فإن ذلك يؤثر سلباً على الكتاب المطبوع وعلى الصحف الثقافية والمجلات، أما وجهها الإيجابي فيكمن في كونها وسيلة سهلة وسريعة كي تصل المعلومات والمواد الأدبية المختلفة إلى مختلف دول العالم.
و يؤكد مدير دار ميريت للنشر محمد هاشم، أن الصحف والمطبوعات الثقافية، وخاصة صاحبة التمويل الخاص، تتعرض لتأثيرات سلبية قوية بسبب نزوح القراء إلى الإنترنت وصفحاته المختلفة التي تناقش محتويات ثقافية عامة.
وبالتالي فإن البساط ينسحب تدريجياً من أسفلها، ويتأثر بالتبعية الناشر والممول، فضلاً عن أصحاب شركات الورق، كما تتأثر المنظومة الثقافية بشكل عام لكونها خرجت عن النطاق المألوف لها وهو الورق.