«في سيريلانكا انفتحت أمامي عوالم إنسانية لم أكن أتصورها، حيث أخذتني رحلة العمل مع مشروع (دبي للعطاء) هناك، إلى أمكنة جعلتني أكتشف ما يشبه ينبوع المحبة والسعادة. فالكرم وبسمة السعادة والحب لا تفارق وجوه أهل هذا البلد على الرغم من أنهم تحت خط الفقر». تقول التشكيلية الفرنسية الشابة سافانا كويرسي خلال في لقائها مع «البيان» أول أمس خلال افتتاح معرضها الفردي الأول في مطعم «لا سير» بفندق فيدا في بوليفارد «الشيخ محمد بن راشد» وسط المدينة.

أحياء ضيقة

وانتهت رحلة سيريلانكا، بوقوفه بعد جولته في المعرض الذي يضم أكثر من 20 لوحة بأحجام مختلفة، أمام لوحة ضخمة بعنوان «الشجرة» التي وصفتها سافانا بقولها: «وضعت في تلك اللوحة كافة انطباعاتي عن تلك الرحلة التي استمرت 10 أيام، الحب والأحياء الضيقة والفقر والمحبة والتسامح».

رسمت سافانا هذه اللوحة بأسلوب «الغرافيتي» الحب الذي رمزت له بالكائن ذو العين الواحدة ويد العطاء الممدودة في زاوية اللوحة لتمتد بين الخطوط المتقاطعة التي تشكل أزقة وأحياء ومساحات تنبض بنبات زهورها قلوب المحبة. واستخدمت في لوحتها ألواناً صريحة أساسية تعكس صفاء ونقاء الحياة.

مرساة ذاكرتها

وتقدم في لوحتها الثانية المعالجة بأسلوب مختلف، مرساة ذاكرتها التي تعتبرها المنعطف الأبرز في حياتها والتي تتمثل في سنوات دراستها الأربع في معهد «ترينغ بارك سكول» للتمثيل والفنون. وتقول سافانا: «شكلت تلك السنوات رؤيتي للحياة وتطلعاتي كفنانة».

في هذه اللوحة استلهمت سافانا شكل المرساة في منتصف اللوحة الطولية، من الأدراج اللولبية لأدوار المعهد العديد والمتفرعة والتي كانت تبدو لها بهذا الشكل من الأسفل. واعتمدت في معالجة لوحتها الخشبية، البساطة لتستخدم مواد مهملة في الكولاج بما فيها جزء من إطار خشبي للوحة قديمة كانت تزين أحد جدران المعهد. وتقول عن هيمنة اللون الأزرق في عملها: استلهمت هذا اللون من الفنان الفرنسي إيف كلين «1928-1962» المشهور باستخدامه، لكونه يرمز إلى اللا نهائي».

الحافلة 142

وتأخذ لوحة سافانا الثالثة الزائر، إلى عوالم استلهمتها من السينما وتحديداً فيلم «إلى البرية». وتمثل اللوحة رحلة البطل الذي ترك المدنية وتوجه إلى الطبيعة البكر ليبدأ رحلته باتجاه ألاسكا، ويشكل منتصف اللوحة الخيارات التي يجدها الإنسان في رحلته والتي رمزت لها بعدد من المفاتيح ليصل نظر الزائر إلى الحافلة الصفراء أعلى اللوحة والتي تحمل الرقم 142 كما في حافلة الفيلم، لتضيف الفنانة بضعة أسطر إلى اللوحة تعبيراً عن العوامل التي تجمعها بالبطل كحب الطبيعة والإنسانية.

وتعتبر هذه اللوحة من أجمل أعمالها في المعرض ابتداءً من اللون الرمادي الداكن أسفل اللوحة المتداخل بكثافة البناء ليتحول بنقلة واضحة إلى زرقة شفيفة موشاة بلمسات من الغسق البنفسجي لدى الوصول إلى اختيارات الحياة، ليتوقف اللون بشكل قطعي عند الحافلة الصفراء ليهيمن بنفسج الغسق على ما تبقى من خلفية الحافلة. وفي لوحتها «باسكيات وأنا» استلهمت سافانا عناصرها من مسيرة حياة الفنان الأميركي جان ميشيل باسكيات «1960-1988» وأعماله في الغرافيتي، أفكاره الحرة التي تنادي بالعدالة الإنسانية ومراحل يومياتها المرتبطة بحب الإنسانية.

رموز

يتجلى في حماس سافانا خلال وصفها لرحلتها كثافة حساسية الوجد الإنساني، التي يتميز بها الفنان والتي تمنحه ذلك الدفق من المشاعر التي يحولها بأدواته الفنية إلى عمل إبداعي يلتقط المشاهد من خلال رموزه التي تتباين بين لوحة وأخرى، تلك الشحنات التي تتوهج في داخله بإيقاع ألوان اللوحة وأبجديات خطوطها.