لن يدرك الزائر لدى دخوله معرض فنان الغرافيتي الأميركي، ريتشارد هامبلتون، في صالة «لا كانتين دو فوبور» في فندق أبراج الإمارات بدبي، الذي افتتح أول من أمس، أن بانتظاره قصة استثنائية على المستوى الإنساني والإبداعي، تهز المرء وتدفعه إلى التأمل طويلاً في أعمال الفنان ومسيرة حياته، خاصة أن هامبلتون «1954» الوحيد الباقي على قيد الحياة من رواد فن الغرافيتي الثلاثة، بما فيهم جان ميشيل باسكيات «1960-1988» وكيث هارينغ «1958-1990» لمرحلة الثمانينيات من القرن الماضي.

مروض الخيل

تبدأ خيوط القصة بنسج تأثيرها في نفس الزائر، لحظة دخوله المعرض ومشاهدته للوحة جدارية ضخمة، تجسد لحظة ديناميكية لرجل يروض الخيل، والمرسومان باللون الأسود، الذي تتناثر قطراته منهما على خلفية بالذهبي، لتعكس تلك القطرات، عرق صراع الجهد المبذول من كليهما.

ويدرك الزائر أنه أمام تجربة فنية قيّمة وبتلقائية، يسأل كلاً من القيّم على المعرض نيكولاس سبري، وآن وينسيليوس مديرة التسويق والمبيعات للمطعم، اللذين كانا في استقبال الجمهور: «أين الفنان؟»، ليصمت كلاهما للحظات، قبل تلقيه الإجابة: «لم يتمكن من الحضور لإصابته بمرض عضال».

رجل الظل

وتبدأ جولة الزائر بروحه وفكره وبصيرته، ليستوقفه ظل رجل يختزل عنفوان الحياة على طول أحد أعمدة صالة المطعم العريضة، ويتابع مسيرته لتطالعه صورتان في أعمال ظلال السواد لقطط، تمثلان لحظة تحفز وتوثب.

وتعكس اللوحة الأولى، قطتين في حالة استنفار للمبارزة، لكنه سرعان ما يدرك من مؤثرات المواجهة، أنهما في لحظة ستليها حالة وفاق بينهما من تشكيل مؤثرات انفعالاتهما، وفي اللوحة الثانية، قطة تهيمن عليها حالة فزع من خطر يتهددها.

وتنتقل إلى الزائر خلال جولته تلك الشحنة الديناميكة، لتشحذ حساسية مشاعره وطاقته، وليتوقف طويلاً أمام لوحة جدارية أخرى، تحمل اسم «قفزة الظل»، التي تعد واحدة من سلسلة أعمال أخرى رسمها في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، والتي أسر فيها وفي غيرها من الأعمال، عنفوان ديناميكية اللحظة التي تحبس أنفاس المشاهد، لكأنه يعيشها.

إشارة قف

ويدرك الزائر أمام لوحة هامبلتون «إشارة قف»، أن فضوله أكبر من الانتظار حتى نهاية الجولة للتعرف إلى مسيرة هذا الفنان. ويعرف أن هذه اللوحات سبق ورسمها الفنان على جدران الأبنية في العديد من شوارع المدن، والتي كانت تستوقف المارة وتثير حالة من القلق داخلهم في البداية، ولتشكل لاحقاً جزءاً من علاقتهم بتلك الشوارع.

تقول آن وينسيليوس عن لوحة «إشارة وقوف»، بحماس: «تقديراً لهذا الفنان الذي غاب عن ساحة الفن لأكثر من 25 عاماً، ليعيش مشرداً بعد وصوله إلى القمة، لأزمة إنسانية عاشها، بادرنا تكريماً له، أسوة برعاة الفن في الغرب الذين أعادوا إحياء فنه، إلى طباعة 50 نسخة منها، ليتمكن المقتنون من شرائها بأسعار معتدلة، إلى جانب توفر نسخ لعدد من أعماله الأخرى في المعرض، البالغ عددها 13، باستثناء 3 لوحات أصلية».

ما هو الغرافيتي

فن الغرافيتي، أو الرسم على الجدران في الشوارع، كان بمثابة ردة فعل على تقاليد الفن التي هيمنت على الفنانين باحتكار من الغاليريهات، ووجد الفنانون الذين اختاروا التعبير بحرية بعيداً عن أي قيود للنظريات والدراسات، منفذاً للتعبير عن نبض وواقع الحياة وقاع المجتمع الذي ينتمون إليه، بالكلمة والصورة، وبألوان البخاخ أو الدهان، وسرعان ما أخذ هذا الفن هويته، ليتم الاعتراف به كتيار جديد، يعكس حياة المدنية، وليجد مكانه إلى أبرز الغاليريهات في العالم.