مؤرخ ونسابة لا يَهجع نهمهُ في رحاب البحث والاستزادة الفكريين. وكذا هو عاشق للتراث.. ومسكون بهموم التطور والعصرنة. إنها خلطة فريدة تنطوي عليها شخصية أحد رجالات الثقافة البارزين في الإمارات: عمران العويس، المأخوذ بجماليات ولآلئ مكون الهوية الإماراتية والعربية..

والذي انهمك، منذ البدايات في التبحر المعرفي الأدبي والاجتماعي، خدمة لمسائل وجودية عروبية ووطنية في طابعها. إذ لم يدخر في هذا السبيل، جهداً ولا مالاً، فانكب يجمع من مكتبات العالم وبقاعه، شتى المؤلفات والمخطوطات المُثرية تعمقه في توثيق ودرس تاريخ مجتمعاتنا ومبناها وحكاياتها وقضاياها.. وما مر بها من أحداث وما شهدته طوال سنين خلت.

أساس وهدف

مقلاً في الكلام تتبينه وأنت تجالسه، لكنك لن تجده في تلك الحال فور سؤالك عن شأن ثقافي أو تاريخي ما، لتدرك وتلمس، حينها، فعلياً، ماهية ثقافته الموسوعية الجامعة لأطياف الفنون والفكر والإبداع. ويشرح العويس هنا، طبيعة الأساس والهدف اللذين سيّرا وحكما خطوه في الخضم:

إنا أبناء حضارة رفيعة أثرت معارف البشرية منذ حقب وعصور قديمة. فالعرب والمسلمون قدموا الكثير للإنسانية جمعاء وأهدوها در الفنون والعلوم والفكر. هم أسسوا عملياً لنهضة أوروبا، وللتقدم العالمي الذي نعاصره في أيامنا هذه، بأوجهه كلها. والغريب المحزن، أنك تجدهم راهناً، في مؤخر الركب ولا يُعترف لهم بأفضالهم في ساح التطوير والتقدم.

حز ذاك في نفسي منذ بواكير نشأتي. وطالما أرّقني واقع تقهقرنا عقب أن كنا في المقدمة نمسك بمشعل النماء والازدهار. أردت أن أسافر في عوالم التاريخ ورياض الوثائق والمخطوطات والمرويات، لأتبين وأؤكد حقيقة ما كناه، ومن ثم أثبت لنفسي وللمحيطين بي في الإمارات والوطن العربي، وللعالم أجمع، أننا الرواد والسباقون في ساحات التطوير والفكر. من هنا، ومذاك انطلقت شرارة أسفاري في رياض البحث والتقصي.

هامش تفرد

لم يخالف أو يشذ عمران العويس، ابن العائلة الإماراتية الموسومة بالثقافة.. والمعروفة بامتهانها التجارة والزراعة وصيد اللؤلؤ، عن القاعدة. فهو أحد أفرادها الذين قرنوا طبيعة عملهم الحياتي برحيق الأدب والعلم. وطبعاً، محتفظاً في السياق، بهامش تفرد على صعيد شكل ومضمون اهتمامه الثقافي. إذ اختار، بجانب التعمق في علم الأنساب، الارتحال في أفلاك الشعر العربي المدون للتاريخ والسارد لأحداث المكان ولمجريات كثيرة في بقعة محددة:

لا شك أن حقل الأخبار والأنساب أكثر ما شغلني واستحوذ على اهتماماتي وتركيزي. كما أنني، وطوال ارتحالي في دروب الشعر والآداب، بفروعها الغزيرة، اعتنيت بالتبحر والتفتيش حول المكان وجذوره وارتباطات أهله وسردياتهم. لا بل خضت غمار نبش بطون الكتب لأستجلي أصول المعاني والمسميات والعائلات في مجتمعاتنا.

وفي مرات كثيرة، سافرت إلى عوالم القصيد العتيق لاستكشف انتماء ومسقط رأس أحد الشعراء.. ومثال ذلك تأكيدي نسب ابن دريد إلى الإمارات، مستشهداً بأبياته التي يذكر فيها مواقع وأمكنة في الدولة. ومنها:

وما لكم إن لم تذودوا ذماركم

سوام ولا دار بحتا ودامت

مؤسسة وطنية خلاقة

«زهرة المكان الناثرة عطراً عريقاً. وينبوع يروي عطاشى العلم والثقافة». تلك هي خلاصات انطباعات وآراء «شخصية العام الثقافية» - 2003 في جائزة العويس للإبداع ضمن ندوة الثقافة والعلوم، حول الندوة والدور الذي تؤديه (هو من مؤسسيها، واستمر عضواً في مجلس إدارتها من عام 1987 إلى 2003م).

إذ يشدد عمران العويس على أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أيقن ببعد نظره، منذ شرع في دعمه ورعايته مشروع تأسيسها، أنها ستكون كوكباً ينير مساحات الفكر والثقافة في محيط المكان.. وفي ما هو أبعد منهُ.

بطاقة

لا يمكن أن ترى الباحث والمؤرخ عمران العويس (1932)، وفي أي حديث يخص ثقافتنا والواقع العالمي الراهن، غافلاً عن التأكيد أننا حققنا نجاحات فكرية نوعية، في الإمارات خصوصاً. إلا أنه، يعود، رأساً، وعند كل محطة، ليشدد على ضرورة تمكسنا بخصوصيتنا الثقافية، لئلا نذوب وتتلاشى شخصيتنا فينمحي تاريخنا ويُهدد حاضرنا ويُخرق مستقبلنا.