تتنافس الغاليريهات خلال «موسم دبي الفني» الذي يستمر حتى نهاية أبريل المقبل تحت مظلة هيئة دبي للثقافة والفنون، على تقديم معارض لنخبة فنانيها في منطقة الشرق، وعليه تشكل زيارة هذه المعارض خلال الموسم فرصة استثنائية، للاطلاع على إبداعات وأعمال نخبة من الفنانين الذين حققوا مكانتهم في عالم الفن سواء على صعيد العالم العربي أو الغربي.

و«ما زلت أحلم» للتشكيلي السوري صفوان داحول في غاليري «أيام» بمجمع السركال في منطقة القوز، واحد من تلك المعارض التي تبقى في ذاكرة المشاهد لزمن طويل بما تحمله من جمالية في المضمون الإنساني والأسلوب.

انعتاق افتراضي

الحديث عن المضمون يأخذنا إلى الشخصية المحورية في لوحاته، التي شكلت محور جميع أعماله في السنوات العشر الأخيرة وربما أكثر. وهي المرأة ذات التكوين الأثيري التعبيري المجرد من التفاصيل المادية، لتعكس في كل لوحة حالة ما.

والزائر الذي تعرّف سابقاً على العوالم التي رسمها ويرسمها داحول من خلال تلك المرأة، يدرك التحول النوعي لتلك الشخصية في «ما زلت أحلم»، كما لو أنها تخرج من عالم اللوحة الافتراضي الذي كانت فيه، إلى حلم آخر آفاقه أكثر نقاءً وشاعرية لشجنها الداخلي، كما لو أن الألم يُطّهر الروح التي تهرب إلى عالم تحاول فيه رسم المشاعر بتجرد عن هيجان الانفعالات.

ثقافة الأبيض

ويهيمن في عالم حلمها الجديد اللون الأبيض، الذي لا يعرف الزائر إن كان يرمز إلى الموت كما لدى العديد من الثقافات أم إلى الأمل بالحياة.

وفي هدأة ذاك البياض تستكين المشاعر، ليقف ملياً أمام كل لوحة في حوار داخلي عن معاني ورموز ما تحمله إليه من عالمها، فتارة هي تسبح في فلك تردد أصداء حضورها بين قوارب ورقية صغيرة تعيد الزائر إلى زمن الطفولة، أو تلك الأرجوحة التي تحمل ديناميكية الانعتاق، أو حالة الفزع في انفتاح العين التي تظهر في لوحة ثلاثية فقط، لتعود إلى إغماضتها في البقية.

تأثير درامي

ويتصاعد التأثير الدرامي في أعمال المعرض لدى وقوفه أمام اللوحة التي تنظر فيها المرأة إلى دائرة الكون في حالة تأمل عميق، لتنعكس صورة الكون على وجنتها في لوحة أخرى. وبصمت واعتصام عن المشاهد، تحكي له برموزها عن أحداث جرت وهي تحجب وجهها عنه، ولكن لتعطيه في لوحتها أحد مفاتيح الوجع الذي رمزت له بالسكين علامة القتل.

هروب الفواصل

تتجلى جمالية أسلوب داحول في لوحات المعرض، من خلال اختياره تحدي نفسه في لجم وجعه الإنساني حول التراجيديا التي يعيشها بلده، بأسلوب توصيف غير مباشر أشبه بخيط الحرير في مرونته ومطواعيته وقوته.

 ليبني لوحاته من جملة علاقات هندسية معمارية بين الفراغ والمساحة، وتكوينات تراكب الألوان، وهروب فواصلها إلى مساحات البياض لتمنح الزائر فسحة للاسترخاء والتنهد بعمق قبل الانتقال إلى لوحة أخرى حملت براعة الفنان في حساسيته أسلوبه الذي تجلى في رشاقة حركة اليدين وإيماءة الرأس كمن يناشد الله.

يقول داحول عن فكرة معرضه: «كنت أبحث وأنا أرسم لوحات هذا المعرض، عن فكرة الثابت والمتحرك في الحالة الإنسانية، وأنا أدرك في الوقت نفسه أن الفنان بحاجة لمسافة زمنية قبل تعبيره أو توصيفه لتراجيديا إنسانية».