«شريان حياة.. وسياق فكري معيش لا يمكن فصله عن أي جانب حياتي». ذاك هو جوهر الثقافة وبنيتها الحق طبقاً لمفهوم واشتغال د. صلاح القاسم مستشار هيئة دبي للثقافة والفنون. فبغيرها لا أمل أن يسير قطار التطوير نحو وجهته الصواب.. أو أن نستطيع الوصول إلى صيغة تنمية فكرية سليمة تجمع وتوائم بين التراث والحداثة.. وتستلهم قيم المكان وحكاياته.

بين الثقافة والإعلام (تخصصه الأكاديمي)، تتوزع مشاغل واهتمامات صلاح القاسم، لكن كفة الأولى يبدو أنها رجحت. وكان ذلك بتأثير وفعل خيوط تكوين عدة، سابقة، أفرزت باقة نتائج مهمة انعكست على مساره الشخصي وبرزت مجسدة في ساح العمل الثقافي المحلي:

جذبني حقل الثقافة بقوة، منذ البدايات، وكان ذلك ثمرة تماسي وتفاعلي مع عوالم متنوعة، يأتي في مقدمها لقائي وتعرفي مبكراً، إلى الأديب محمد المر، ذاك منذ كنت طالباً في جامعة الإمارات حيث انخرطت في برامج تدريبية وتأهيلية عملية في صحيفة "البيان"، وكان المر.

حينذاك، يرأس تحريرها. ومذاك طفقت أتعمق أكثر فأكثر في الحقل. وما أذكى هذا التوجه لدي، شروعي في الانغماس والتأثر بعوالم ندوة الثقافة والعلوم في دبي. وازداد تعلقي بالثقافة وأبعادها وثمارها، حتى غدت، مع مرور السنين وتوسع اطلاعي، تتملكني فترسخ في يومياتي، هوى ونهجاً وخياراً.. ثم أمست تمثل بالنسبة إلي زاداً، بل متعة ترفد قدراتي على العمل والإنتاج أينما حللت.

وصفة فكرية ناجعة

«التحسين المستدام والبناء التراكمي» هدف أساس يلوّن، بل يوجه، منوال عمل مستشار «دبي للثقافة والفنون». وهو ما يحاول تجسيده في أوجه عطائه جميعها، معتنياً، بالتوازي، في الدعوة إلى جعل المُنجز وما بُلِغ من نجاحات ثقافية مجتمعية، خطوة مرحلية يجدر البناء عليها وتذخيرها:

الثقافة نمط حياة. لذا فهي محكومة بسيرورة التطور المتواصل. إذ إنها بغير هذا ستؤول إلى الموات والتقوقع. فطالما أن الحياة بقطاعاتها شتى، تتطور وترتقي، لا مفر من أن تكون الثقافة في موقع قيادة هذه العملية.. أن تستشرف مستقبل التطوير وتقدم نظريات حيوية تعزز خطو أي من القطاعات نحو التقدم.

وكون دولة الإمارات العربية المتحدة باتت تصنف إحدى الدول المتميزة في العلم والثقافة، على صعيد المنطقة والعالم أجمع، نحن معنيون بتبني استراتيجية نهج ثقافي متجدد يأخذ بركائز التنمية المعرفية العصرية المستدامة، ويواكب المستجدات، راسماً أفق العمل الخلاق الذي يفيدنا في استيعاب واستثمار المتغيرات الفكرية والاقتصادية، لتكون لبنة دعم وتقوية لمسارنا، لا محط صدام ومفاجأة وهدم.

إذاً علينا التسلح بالتخطيط الثقافي وتبنيه كمقوم اشتغال مسنود بتأهيل متتابع لكوادر العمل. بذا نحفظ مكتسباتنا ونهضم أية سياقات معرفية فكرية متطورة، ذاك بثقة واقتدار يحفهما تمكننا من صون ذاتنا الثقافية واستبعاد أي احتمال لذوبان أو تلاشي مكون شخصيتنا.

استقطاب الشباب

لا يغيب عن جدول اهتمامات صلاح القاسم وانشغالاته، التفكير بتفعيل آليات تحصين وعي الأجيال الشابة.. والأخذ بيدها لتعريفها على دور التحصيل الثقافي في صقل خبراتها.. وكذا ضرورة وجدوى ارتباطها بهويتها:

إن خلق علاقة وثيقة بين الشباب وموروثهم في واقع تتسيده التكنولوجيا المتطورة، مسألة موسومة، أصلاً، ولوحدها، بالصعوبة والمعاناة. فكيف بها وبحجم تعقيدها، إذاً، بينما نحن نعيش «زمن الثقافة السريعة المسطحة والمشوهة أحياناً»، التي تنتجها وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي. أنا لا أعمم طبعاً، فبعض المواد والمنافذ في تلك المواقع، جدية وإيجابية، ولكن غالبيتها ليست على هذا النحو.

وعليه، أرى أن الملح وما يجب أن يحوز أولوية قصوى في أجندات عملنا، الشروع في عمل مؤسساتي ممنهج، سواء رسمياً أكان أم مدنياً، يخلق فضاءات ثقافية إلكترونية حيوية، تستقطب شبابنا وتواكب احتياجاتهم لتلقف المعرفة عبر الوسائط العصرية، فتستوعبهم وتمنع انفراط عقد ارتباطهم بمجتمعهم. كما أننا مطالبون بخلق مناخات لقاء وتواصل مستدامة، بين مثقفينا المخضرمين والشباب.

مكون ثر

يؤمن صلاح القاسم أن الثقافة لا تنفصل عن أي من مساراتنا ومعايشاتنا وحيثيات يومياتنا. فعلاقاتنا المجتمعية ثقافة.. وتعاملنا ثقافة.. ومستوى إنتاجنا وصدقنا في العمل ثقافة. بل إن نجاحنا في تجارب الحياة كافة، عماده الثقافة. ويقول: لا أظن نجاح وتطور الإمارات، ودبي بشكل بارز، بمنأى عن الارتباط الوثيق بعامل المكون الثقافي الثري، العريق والعصري، الذي أنتج مقومات النهوض والريادة عالمياً.