احتفى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، «رعاه الله» قائداً وشاعراً ومفكراً، من خلال ندوة أقامها ضمن «مهرجان القراءة» الذي انطلق أول من أمس في مقر الاتحاد بالمسرح الوطني في أبوظبي، تحت عنوان »قراءات في كتابات محمد بن راشد«.

والتي توزعت على جلستين تناولتا المنجز الشعري فضلاً عن أهم الملامح الخاصة بفكر سموه، بحضور لفيف من المثقفين والمبدعين.

زمن القراءة

في كلمته الافتتاحية قال الشاعر حبيب الصايغ الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: وعت القيادة السياسية بأنه لا تمكين من دون معرفة، فكان التوجيه بتخصيص العام 2016 عاماً للقراءة، ثم تطوير الفكرة بجعل العقد كاملاً زمن قراءة ومعرفة وتنمية معرفة.

وأضاف: نحن، في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات جزء أساسي من هذا الحراك، ومسؤوليتنا في التأليف والاختيار والنشر وإقامة النشاط الثقافي مضاعفة. ثم انتقل بعدها الصايغ بالحديث إلى التنمية ووصفها بأن لها رؤية وعينين ومخاً وأعصاباً وضميراً وأخلاقاً، ويكتسب الحلم أجنحته القوية ليحلق بعيداً وعميقاً.

وقال: هذا ما يتحقق اليوم بالضبط في بلادنا. لنتذكر معاً كيف كان زايد الخير، يرسم الحلم بعصاه على رمال الظمأ، فيتحول كل ما حوله إلى ربيع وماء، وكيف كان يحلم حلم القائد المبدع والشاعر والمطلع على التراث وتجارب الأيام.

وقال الصايغ: ما حدث بعد ذلك في مرحلة التمكين استمرار وإصرار، وفي عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة »حفظه الله« أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي »رعاه الله« حكومة المستقبل، وهي، من حيث الهيكلة والخطة والأداء، حكومة مثقفة تستند، أول ما تستند، إلى المعرفة وكنز المعرفة، نحو تحققها على الأرض واحدة من أفضل الحكومات في العالم.

سقيا المعرفة

تساءل الصايغ كيف فكر محمد بن راشد في نحت مدن النخيل في زرقة بحر الخليج المسافر أبداً من زمان الغوص والعويل إلى زمان المستحيل؟

كيف بنى برج العرب وبرج خليفة؟ كيف نشر سقيا الماء في أربعة أطراف الأرض، ثم أتبعها بسقيا الكتب والقراءة والمعرفة. وقال: هاجسنا اليوم ثقافي بالدرجة الأولى، ومعرفي بالدرجة الأولى، ونحن من الدول القليلة بل النادرة على مستوى العالم التي يمكن أن تحتفل بأحد قياديها الكبار، نائب رئيسها ورئيس مجلس وزرائها، شاعراً وكاتباً ومفكراً ومبدعاً.

شخصية استثنائية

تناولت الجلسة الأولى المنجز الشعري لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وأدارتها الشاعرة الهنوف محمد وشارك فيها ثلاثة متحدثين كان الدكتور عارف الشيخ أولهم وقدم ورقة بعنوان »قراءة في كتابات محمد بن راشد« ووصف سمو الشيخ محمد بن راشد بالشخصية الاستثنائية، معدداً بعض ملامحها مثل التحدث، والفروسية والقدرة على الإقناع، وغير ذلك الكثير.

وقال الشيخ: إن نثر محمد بن راشد يكاد يكون كله حكماً وأمثالاً، ويغلب عليه الطابع العلمي بشكل عام. وأضاف: سموه يحب الإبداع والابتكار، فيفكر فيما لا يخطر ببالك، لذلك يقول »أنا لا أحب أن أواكب ولكني أحب أن أسبق، فالمواكب لن يأتي أولاً« وأشار الشيخ إلى أن سموه صاحب فلسفة ونظرية خاصة.

وبالنسبة لشعره قال الشيخ إن محمد بن راشد يكتب الشعر النبطي والفصيح، منذ وقت مبكر لكنه كان ينشرها في البداية بأسماء مستعارة. وأوضح: تحدى محمد بن راشد بشعره كبار الشعراء ودخل معهم في أمسيات أمام الملأ، وتناول معظم أغراض الشعر، وأحب القضايا العامة أكثر من الفردية والخاصة. ويتميز شعره بأنه قوي في لفظه وعميق في معناه ونابع من القلب.

الأفكار السبع

في ورقة بعنوان »قوة الشعر.. وقوة الشخصية - سبع أفكار في شعر محمد بن راشد« حدد المتحدث الثاني الروائي الدكتور شاكر نوري سبعة مفاتيح في شعر محمد بن راشد كما سماها أولها كما قال: المزج بين المفردات والمترادفات والمتضادات لبناء صورة، نستطيع أن نلمس فيها قوة الشعر. وحدد المفاتيح الأخرى بالحكمة الواثقة.

والنابعة من مدرسة زايد وراشد. وأوضح: يعتبر شعر الشيخ محمد بن راشد مكاني بامتياز ولم يخرج أبدًا في صورة شعرية واحدة عن مكانه. من خصوصية التقاليد والعادات الروحية والبيئية والانتمائية.

وقال برع الشيخ محمد بن راشد بصياغة أجمل قصائد الغزل وأكثرها حرارة وعمقًا حتى وصلت إلى حناجر معظم المطربين العرب. وأضاف: قصيدة محمد بن راشد وفيّة وفاء عاليًا للهجته الإمارتية فهو حافظ في ديوانه الشعري على امتداد نصف قرن على اللهجة الأم.

كما تحدث نوري عن المواكبة في قصيدة محمد بن راشد وقال: حين نقرأ قصيدته في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ضمن ديوانه الشعري القديم، فإننا نقلب صفحة جديدة معه في قصائده في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة.

هنا نجد روح المواكبة بحسب طبيعة المرحلة يؤرخ لزمنه. وأوضح: هو شعر بهذا المعنى يجسّد ما حدث ويحدث من موضوعات تخص مثل سباق الهجن، أو رحيل الشيخ زايد أو جائزة القرآن الكريم أو الأزمة المالية أو فتنة الإرهاب الذين لا دين له.

وأضاف: قصائده تتميز بالروح الكونية لأنها تخاطب نفس الإنسان وما يجول فيها من معارك وصراعات، لذا فإن هذا الشعر لا يموت ما دام هناك إنسان يبحث ويبني ويحلم.

مرايا الشعر

في ورقتها المعنونة »مرايا الخطاب الشعري وشعرية الرؤيا لدى الشيخ محمد بن راشد« قالت الدكتورة بهيجة إدلبي: إن الانسجام في أفكار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عبر مقامات الكتابة المختلفة يكشف عن بصيرة الذات، التي تجعل من الخطاب الشعري مفردة من مفردات الانسجام بين الخطابات المختلفة.

وأضافت: في قراءتي لمرايا الخطاب الشعري يحضر العالم في الذات، وتنفتح الذات على العالم، لأنه خطاب منسجم مع العالم والرؤيا الشعرية التي تستجيب لحركات الزمن. ووزعت إدلبي ورقتها على عدة محاور وهي مرآة الذات / الوطن مستشهدة

بقصيدة »يوم الشهيد« ومرآة الأمة، مستشهدة بقصيدة »إلى أمتي« موضحة »المرسل هو الذات« والمستقبل الأمة، وبين الذات والأمة حلم ورؤيا تفردها القصيدة.

ومن ثم انتقلت إلى مرآة الإنسانية متناولة قصيدة »الإرهاب« التي وجدت فيها تكامل بين المرايا كونها قصيدة تقرأ بعين العالم. وتدعو لوقوف الإنسانية جمعاء في وجه الإرهاب. وقالت مرايا الخطاب الشعري لدى محمد بن راشد متكاملة في طرحها لأنها تنطلق من مبادئ ومثل عليا، في خطاب جمالي.

إسهامات محمد بن راشد تجمع رؤى الفلاسفة

تناولت الجلسة الثانية من الندوة أهم الملامح الخاصة بفكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وأدراها الإعلامي عبدالرحمن النقي واستهلها الروائي علي أبوالريش مستنداً إلى كتاب ألفه بعنوان »مُقارَبة فلسفة محمد بن راشد آل مكتوم بالفلسفات الكبرى« مشيراً إلى أنه عند الحديث عن سمو الشيخ محمد بن راشد

لابد من استحضار فكر المعلم الأول المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باني الإمارات.

النظرية الرابعة

قال أبوالريش: هناك ثلاث فلسفات كبرى غيرت وجه الكون وهي كما قال: فلسفة كوبرنيكس الذي قال إن الأرض مركز الكون، وتشالز داروين الذي قال إن الإنسان ليس كما هو بل تطور من كائنات أخرى، وسيغموند فرويد الذي اكتشف عالم اللاشعور.

وأضاف: النظرية الرابعة هي الإمارات، التي بنت حديقة غناء على هذه الصحراء القاحلة.

ومن هنا ينطلق فكر محمد بن راشد. ومن الكتاب قرأ أبوالريش عدداً من المقاربات بين فلسفة محمد بن راشد وبين الفلسفات العالمية الكبرى. إذ قال سموه إن »وظيفة الحكومة تحقيق السعادة للمجتمع« وسعادة الفلاسفة مطلقة وتسعى لتطور العقل الإنساني نحو الكمال والخير.

كما يلتقي سموه مع الفارابي في قوله »السعادة هي الخير لذاته« ويلتقي مع أرسطو المعلم الأول في أن الفضائل العقلية هي المقصودة في ذاتها. أما حين يتحدث سموه عن روح الفريق الواحد يلتقي مع هيغل.

الفعل الثقافي

قدم الكاتب والصحافي الجزائري خالد بن ققه ورقته بعنوان »محمد بن راشد.. وصناعة الفعل الثقافي العربي قراءة في كتاب رؤيتي« وأشار إلى أن عاد من بعد عشر سنوات لقراءة كتاب »رؤيتي« وأوضح: وجدت أن كل العبارات والفقرات التي وضعتُ تحتها خط في ذلك الوقت، لاتزال نابضة بالحوية، وتحمل من الشهادة والتوقع ما يجعلها صاحبة قوة في ذاتها.

وأوضح: أتعامل هنا مع أفكار محمد بن راشد، من منطلق أنه كاتب وصاحب رؤية ثاقبة، وليس بوصفه الحاكم الذي بمقدوره تنفيذ أفكاره من موقع السلطة والمسؤولية.

وقال: كثيرة هي الأفكار التي يطرحها محمد بن راشد في كتابه، وقليلة هي الكتابات التي صدرت عن قادة لايزالون في الحكم. وأوضح: أن »رؤيتي« قد ركز على الحاضر والمستقبل، ثم تحول المستقبل اليوم إلى حاضر، ومع ذلك لايزال المستقبل ضمن رؤية شاملة مُقْبِلاً.

أفكار

كما أشار إلى بعض الأفكار التي طرحها الكاتب، منها كما ذكر الانتماء العربي البيّن المحبة المطلقة لكل ما هو عربي، الحزن على حال الأمة، مصحوباً بالتفاؤل والأمل، تشخيص أزمة العرب اليوم، الافتخار بالانتماء الديني والوطني والقبلي والقومي والأسري.

وأضاف: إلى جانب هذا هناك النصيحة وتقديم التجربة لكل العرب، عبر مرتكزات أساسية منها قراءة التاريخ وصناعته، والصدارة في التنمية والاقتصاد الفكرة الجديدة.

وأشار بن ققه إلى تداخل السياسي بالثقافي، وطرح سموه للمسألة الثقافية تجاوز النخب العربية بمراحل، ومساهمة سموه الثقافية ـ عملياً ـــ لجهة تحويل الإبداع إلى عنصر تغيير للواقعيْن المادي والمعنوي.

نحو المستقبل

تناول الإعلامي الموريتاني محمد ولد المنى في حديثه كتاب »رؤيتي« أيضاً وقال في مستهل ورقته إن الشيخ محمد بن راشد يلتقي مع العديد من عظماء الفلاسفة الذين صاغوا نظرياتهم في الفن والجمال، ومنهم »أفلاطون« الذي تحدث عن المدينة الفاضلة، إلا أن الصلة عند سموه قائمة وغير منفصلة بين النظرية والمفهوم.

وأوضح: لا يمكن الفصل بين القائد والمفكر وروح الشاعر شكلاً، وتمتعه بمهارات القيادة والتأثير بالناس وتحقيقه، فضلاً عن الثقة في النفس والاهتمام بالتفاصيل وهو ما يفسر نجاح وقيام المشاريع العملاقة.

إصدارات سموه

صدر لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عدد من الكتب المميزة والتي أثارت ردود فعل وإشادات واسعة وقد ترجم بعضها إلى لغات أخرى فتعرفت عليها أمم عدة ومن تلك الإصدارات:

ديوان الشيخ محمد بن راشد 1990

ديوان الأمسية 1997

«رؤيتي» 2006

ديوان قصائد من الصحراء 2009

ديوان 40 قصيدة من الصحراء 2011

محاضرة روح الاتحاد2012

*عارف الشيخ: تحدى محمد بن راشد بقصائده كبار الشعراء أمام الملأ

* شاكر نوري: برع في قصائد غزل صدحت بها حناجر المطربين العرب

* بهيجة إدلبي: مرايا الخطاب الشعري لديه متكاملة وتنطلق من مثل عليا

* خالد بن ققه: طرح سموه للمسألة الثقافية تجاوز النخب بمراحل