تطل غليندا جاكسون بعد 23 عاماً من هجرة التمثيل لصالح السياسة لتلعب أحد الأدوار المسرحية الأكثر تحدياً بعمر الثمانين، وتسطّر بشخصية الملك لير عودةً مدوية إلى عالم الخانة الأولى.

عادت الثمانينية الحاصلة على جائزتي أوسكار إلى المسرح بعد عقود كثيرة لتتقمص شخصيةً تشبه سنوات عمرها وتعانق اسم بطلها، الملك لير، فأثبتت منذ اللحظات الأولى لانطلاق التراجيديا الشكسبيرية على خشبة المسرح الفيكتوري العتيق بتوقيع ديبورا وارنر، أن الجنس والهرم ليسا سوى مسألتين ثانويتين.

تمزيق الفراغ

أبدعت جاكسون في تأدية دور شخصية لا يمكن القول إنها لا تناسبها في عدد من الطرق، فبمعزل عن التقارب في العمر لا يزال صوت عضو مجلس النواب العمالية السابقة بعد 23 عاماً قادراً وحده على تمزيق الفراغ. ولا تزال خطواتها الأولى على المسرح في مشهد افتتاحي قاتل لعائلة البطل تزخر بقوة وسلطة لا يستحسن العبث معهما.

بإطلالة عصرية من سروال أسود وسترة فضفاضةٍ حمراء وشعر ذكوري القصة والقصر، يصدح صوت الملك لير بضحكات هازئة بعجز كورديليا عن التعبير عن حبها، بما يوحي أن صمت البنت الصغرى ليس سوى نوع من المزحة. إلا أن الأجواء تنقلب إلى وحشية بمجرد تشبع لحظة الصمت بمعانيها فيصرخ لير:

«كانت الأحب إلى قلبي» بغضب بدائي يسكن كلمات جاكسون يحول دون تحمّل بنات الملك الثلاث الاستمرار في العيش مع لير.

واقع مغاير

ويسود الاعتقاد بأن الممثلين المناسبين عمرياً لأداء دور لير لا يتمتعون بالجلد والصبر اللازمين، إلا أن تلك الأفكار سرعان ما تخضع هنا لواقع مغاير. فهل تعزى فطنة جاكسون وخفة ظلها إلى حياة مجلس العموم اليومية القائمة على الصد والهجوم، ناهيك عن حفاظها على قدراته اللغوية وحدتها؟

لكن وبغض النظر عن الأسباب، تتقن الممثلة جاكسون في كل مفاصل المسرحية لعبة السيطرة على العواطف التي تفجر أعمق مشاعر الأسى وثورات الغضب العارم على امتداد المشاهد.

وقال ماثيو واركوس المدير الفني إنه قبل البدء بالعمل دعا جاكسون إلى لقاء، وكان قد حاول مراراً أن يغريها بالعودة إلى التمثيل بينما لا تزال نائباً في البرلمان دون جدوى. وقد وصل بتوقعات متدنية حسب قوله.

إلا أن إجابة جاكسون على عرضه أصابته بالدهشة، تماماً كما اقتراحها بأن تؤدي دور الملك لير نفسه. وأضاف واركوس: «لقد كانت غايةً في التواضع والوداعة بالفعل. وقالت إنها كانت تنظر إلى نص المسرحية، وتفكر بأنها قد تحب أن تجرب».

ويبقى إتقان الدور إبداعياً في هذه المسرحية أيضاً هو المهم، وليس جنس الممثل. ومن المرجح أن تولي وارنر إخراج لير مرتين سابقاً قد ساعد في تشبعها بها قلباً وقالباً. أضف إلى ذلك أن جاكسون هي القصة هنا، دون أن ننسى دور فريق الممثلين المحترفين.