نشر الكاتب والأكاديمي البحريني الدكتور عبدالله المدني مقالا مهما عن الدكتور جمال سند السويدي ، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان " السويدي.. فارس الدراسات الاستراتيجية " .

ونظرا لأهمية ماجاء في هذا المقال الذي يوثق مسيرة واحد من أعلام  ومفكري الإمارات نعيد نشره هنا نقلا عن صحيفة " الأيام " البحرينية .

 في مساء يوم 13 سبتمبر 2017 احتضت البحرين علمًا من أعلام دولة الامارات الشقيقة ورائدًا من رواد الفكر المستنير في الخليج العربي ووجها أعطى ولا زال يعطي دون كلل، على الرغم من الإرهاق والمسؤوليات وأحمال السنين وأحزان المشهد العربي المحبطة.

في هذه المناسبة التي جمعت لفيفًا من الوزراء والدبلوماسيين والأكاديميين ورجال الصحافة والمال والأعمال، والتي خصصت لتدشين آخر مؤلفاته، كتاب «لا تستسلم، خلاصة تجاربي» كان لي شرف إلقاء كلمة موجزة عن حياة وفكر شخصيتنا لهذا الاسبوع وهو سعادة المفكر الدكتور جمال سند السويدي، فقلت ضمن أشياء أخرى: إن ما يدعونا للافتخار بالرجل ليس مؤهلاته العلمية والاكاديمية فقط، ولا المناصب الرسمية العديدة التي تقلدها منذ حصوله على درجة الماجستيرعام 1985 ثم درجة الدكتوراه عام 1990 من جامعة ويسكونسن الامريكية (وهي جامعة عريقة تأسست سنة 1848 وحصل 19 من خريجيها على جائزة نوبل)، وإنما أيضا عمله الدؤوب في إثراء المكتبة العربية والخليجية بالعديد من الأعمال من تلك التي سدت فراغًا ولبت حاجات الباحثين وأغنت الفضاء المعرفي في الخليج والوطن العربي.

واستطردت قائلاً: «إن من يطالع مؤلفات الدكتور السويدي يجد فيها فكرًا مستنيرًا رصينًا ورؤية عقلانية، ونهجًا أكاديميًا سلسًا، معطوفًا على قدرة فائقة على استشراف المستقبل وتحليل الحاضر بمشرط الجراح الماهر الذي لا يترك خلفه شيئًا إلا وقد أعطاه نصيبه من الاهتمام الكافي والعلاج الشافي، وبالتالي اتصف نتاجه المعرفي على الدوام بالمنطقية والابتعاد عن العواطف والأهواء الشخصية التي كثيرًا ما أفسدت أعمال أقرانه. وهذا تحديدًا ما يجعل لأعمال السويدي قيمة تتجاوز الزمن الذي أنجزت فيه بمعنى أنها تصلح للقراءة جيلاً بعد جيل، ويمكن الاسترشاد بمضامينها في أزمان قادمة»

لقد عرفتُ الدكتور السويدي من خلال ترددي على أبوظبي، مدينة الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه الذي أرادها عاصمة عصرية نموذجية لدولته، فإذا بها اليوم تخطت ذلك إلى منافسة كبريات عواصم العالم في الريادة على مختلف الصعد. وحينما نذكر أبوظبي فلا مناص من ذكر صرحها العظيم الذي أفنى السويدي عمره ووقته وزهرة شبابه في تأسيسه وإدارته وريه بمساعدة ثلة من أبناء وبنات الامارات الموهوبين والموهوبات، ونعني بهذا الصرح «مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» الذي تأسس عام 1994.

وبطبيعة الحال فمراكز الدراسات كثيرة ومنتشرة، ولا يخلو منها بلد. غير أن مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية شيء مختلف. فهو ليس مجرد مبنى رخامي حديث ولا قاعات فسيحة للمطالعة ولا أرفف تتراص عليها الكتب ولا قاعدة متطورة للبيانات فحسب، وإنما أيضا مصنع! نعم مصنع لإنتاج المعرفة من خلال مئات الكتب الرصينة التي يصدرها المركز سنويًا حول الشؤون الخليجية والعربية والاقليمية والدولية، من تلك التي تجعلك عناوينها ومضامينها تلهمها إلتهاما في جلسة واحدة. فهكذا أرادته القيادة السياسية في دولة الإمارات يوم أنْ فكرت في توطين الأبحاث الاستراتيجية في بيئة عربية، وخلق مؤسسة تكون بمثابة «خزانة أفكار» تمد صانع القرار بالمعلومات والتحليلات الدقيقة الموثقة على غرار ما تقوم به المؤسسات العملاقة المماثلة في الغرب مثل «راند» الأمريكية و«تشاتام هاوس» البريطانية. وفي هذا السياق كتبت صحيفة العرب اللندنية (4/‏5/‏2014): «دولة ناشئة مثل الإمارات، كان بوسعها المسير على خطى من سبقها من الدول العربية الحديثة. لكنّ قرارًا استراتيجيًا اتخذ على أعلى المستويات بإنشاء لبنة لمركز بحثي يقول ما يقوله بناء على معطيات وأفكار حرة، ويترك القرار لصاحبه بعد توفير ما يمكنه من المعطيات».

أما عن المسوغات التي جعلت رئيس المركز سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يختار السويدي دون غيره ليتولى إدارة المركز فقد كتبت الصحيفة ذاتها ما معناه أن سموه فطن منذ البداية إلى ضرورة اختيار شاب إماراتي يجمع «بين سعة الاطلاع والصرامة والقدرة على إرساء المنهجية وقول ما في قلبه لصانع القرار».

والحقيقة هي أن سمو الشيخ محمد بن زايد لم يجد أمامه شخصية بتلك المواصفات أفضل من السويدي الذي كان وقتذاك قد عاد الى بلاده ممتلئًا بحماس الشباب لخدمتها بعد أن أنهى دراسته العليا في جامعة ويسكونسن وحصل منها على الدكتوراه، بل وعمل بها في عام 1992 يدرس لطلابها مواد مثل: منهجية البحث العلمي، مشكلات معاصرة للعالم الإسلامي، النظم السياسية العربية، نظريات التغيير السياسي، قضايا دولية معاصرة، علاوة على حلقات دراسية حول كل من أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

وهكذا كان اختيار سموه نعم الاختيار بدليل أن السويدي شمر عن سواعده على الفور وانطلق للعمل من مبدأ «أن البيئة التي تبني تحضّرها العمراني والتقني ستحتاج إلى الكثير من القواعد والأساسات الفكرية والعلمية، كي لا تكون قصوراً على الرمال. فكان لا بد من هندسة فكرية وبحثية موازية، تخلق التوازن، وتجعل من المحتوى صورة صادقة للشكل»، طبقًا لما كتبته صحيفة العرب (مصدر سابق).

ولد الدكتور جمال سند السويدي في الإمارات سنة 1959 لأسرة متواضعة ووالدين أميين من قبيلة السودان المعروفة والتي ينتشر أبناؤها في الإمارات والبحرين وقطر وشرق السعودية وسلطنة عمان. بُعيد إنهاء دراسته الثانوية في دبي التحق بجامعة الكويت، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من أبناء الإمارات آنذاك، فحصل منها في عام 1981 على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، علمًا بأن التخصص في هذا الحقل استهواه منذ الصف الثاني الثانوي وشجعته عليه شقيقته الكبرى عائشة. بعدها التحق بجامعة ويسكونسن الامريكية التي منحته شهادتي الماجستير فالدكتوراه.

بعد عودته الى وطنه عمل السويدي في مجال التعليم الجامعي، حيث درس مادة العلوم السياسية لطلبة جامعة الامارات. بعد ذلك توالت المناصب والمسؤوليات على الرجل بعدما أثبت إخلاصه لوطنه وقيادته السياسية وتميزه بقدرات أكاديمية وبحثية مشهودة، واستعداده للعمل المتواصل في سبيل رفعة شأن بلاده. فمن المهام التي شغلها سابقًا: عضوية المجلس الوطني للإعلام، عضوية مجلس إدارة معهد الإمارات الدبلوماسي، عضوية مجلس إدارة جامعة زايد، رئاسة مجلس إدارة مدارس الإمارات الوطنية، وعضوية مجلس إدارة مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون الأمريكية.

أما المهام التي يشغلها حاليًا إلى جانب منصب مدير عام مركز الامارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية فتشمل: رئاسة مجلس إدارة مكتب البعثات الدراسية التابع لوزارة شؤون الرئاسة، رئاسة اللجنة العليا لإعداد الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة، رئاسة تحرير دورية «رؤى استراتيجية» الفصلية العلمية المحكمة، عضوية المجلس الاستشاري لكلية السياسة والشؤون الدولية بجامعة «مين» الامريكية، عضوية مجلس أمناء جمعية الصداقة الإماراتية ــ السويسرية، عضوية المجلس الاستشاري للبيت العربي في أسبانيا، عضوية مجلس إدارة كلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات العربية المتحدة، رئاسة اللجنة التأسيسية لرعاية مرضى السرطان، وعضوية المجلس الاستشاري لمركز الدراسات الدولية بجامعة سانت توماس في هيوستون بولاية تكساس الامريكية.

ومن هنا فإن الجوائز والأوسمة العديدة التي حصل عليها السويدي لم تأتِ من فراغ، وإنما استحقها بجدارة نظير إنجازاته وبروزه كنموذج وضاء للعطاء والفكر الخلاق. من هذه الجوائز: وسام «جائزة رئيس الدولة التقديرية» التي منحه له صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد عام 2013، جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب ــ فرع الدراسات الإنسانية عام 2008، وسام الاستحقاق الفرنسي من الدرجة الأولى عام 2002، وسام الاستحقاق المغربي من درجة قائد الذي منحه له الملك الحسن الثاني عام 1995، جائزة الشخصية التنفيذية للقيادات الشابة من معهد جائزة الشرق الأوسط للتميز عام 2006، الاستاذية الفخرية من الجامعة الدولية بفيينا في عام 2008، العضوية الاستشارية الدولية للمدينة الالكترونية لصاحب الجلالة ملك البحرين في عام 2010، وسام أبوظبي لفوزه بجائزة ابوظبي للتميز عام 2011 وقد منحه إياه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي/‏ نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جائزة القيادة المتفردة والنظرة المستقبلية من قبل هيئة الإمارات للهوية عام 2012، مفتاح مدينة فاس المغربية عام 2013، مفتاح مدينة الإسكندرية عام 2014 لمساهماته العميقة في البحوث والدراسات الإنسانية، جائزة البحر الأبيض المتوسط للدبلوماسية والفكر من قبل «المؤسسة المتوسطية» عام 2014 نظير مساهماته في التقريب بين الشعوب، جائزة العويس للإبداع في حقل «شخصية العام الثقافية» من ندوة الثقافة والعلوم في دبي عام 2015، جائزة «مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتميز في مجال البحوث والدراسات» عام 2015، الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة لوغانو السويسرية مع عضوية المجلس الأكاديمي للجامعة عام 2015، جائزة الدراسات الجيوسياسية من مرصد الدراسات الجيوسياسية بمجلس الشيوخ الفرنسي مع عضوية المجمع العلمي التابع للمرصد عام 2015، جائزة الصحافة الأوروبية للعالم العربي لعام 2015 من قبل جمعية الصحافة الأوروبية بالتعاون مع معهد الآفاق والأمن في أوروبا للدراسات الاستراتيجية، جائزة «فارس الدراسات الاستراتيجية» في عام 2015 من قبل الاتحاد العام للمنتجين العرب وقد منحت له في حفل خاص بدار الأوبرا المصرية، التكريم في عام 2016 من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء ضمن الدورة الثالثة من مبادرة أوائل الإمارات، وسام الإمارات للتطوع عام 2017 تقديرا لمسيرته الحافلة بالعطاء والانجاز، ولقب «سفير السلام» من قبل «إتحاد السلام العالمي» عام 2017 تقديرا لجهوده وعمله المتواصل في حقل نشر ثقافة التسامح والوسطية.

ورجل بشخصية الدكتور جمال ومقامه العلمي الرفيع وتجاربه المتراكمة لم يكن ليترك الحياة تمضي به دون أن يترك آثارًا تخلده في صورة مؤلفات ودراسات بقلمه. وأحسبه انطلق في هذا من مبدأ أنه لاخير في شخص وهبه الله قدرا من العلم فبخل به على وطنه ومواطنيه. أو أحسبه إنطلق من فكرة أن من لا يجند علمه وطاقته في رفد حركة البحث والتأليف لا يستحق اللقب العلمي الذي يسبق اسمه. فكم من شخص يضع أمام اسمه حرف الدال أو لقب البروفسور ولم نسمع قط أنه اصدر مؤلفا أو أنجز بحثا يتيما يفيد به وطنه في مجال تخصصه.

وعليه نجد أن للدكتور السويدي عدد لا يستهان به من المؤلفات في مجالات الأمن، والديمقراطية، والتنمية، والمرأة، والتعليم، والتاريخ المعاصر، والتطرف الديني، وحركات الاسلام السياسي، والحرب والسلام، وغيرها من المواضيع ذات الصلة. من هذه المؤلفات: كتاب «بصمات خالدة... شخصيات صنعت التاريخ وأخرى غيَّرت مستقبل أوطانها» (2016)، كتاب «السراب» (2015) عن التطرف الديني وحركات الاسلام السياسي وهو المؤلف الذي فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورة 2016، وكتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»(2014)، وكتاب«وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك» (2013) وهو الكتاب الذي صنف ضمن الكتب الأكثر مبيعا، وكتاب «مجتمع دولة الامارات العربية المتحدة: نظرة مستقبلية (2003). أما آخر مؤلفاته، كتاب»لا تستسلم«فهو عمل جمع فيه السويدي بسلاسة وتناغم ما بين سيرته الذاتية وتجارب الشخصية وعلاقاته مع البشر والقضايا العامة، وجاء عنوانه تجسيدًا لمراحل من حياته قهر فيها المستحيل. فمثلاً تمكن من الانتصار على مرض السرطان ومعاناته مع العلاج خلال الفترة من 2003 إلى 2013. وتمكن من قهر الفقر والانتقال من حياة عائلية متواضعة إلى شخصية لامعة تحمل أعلى الشهادات وتكرم في أشهر المحافل. واستطاع أن يقهر ولعه بتدخين السيجارة والسيجار والشيشة ويقلع عنه نهائيا في يوم لن ينساه هو 15 نوفمبر 2011. كما استطاع أن يتحول بالإرادة إلى شخص نباتي في مجتمع يعبر فيه الناس عن كرمهم واهتمامهم بالضيف بنحر الخراف وتقديم لحومها مع اصرارهم على أن يتناول الضيف منه وإلا عدّ امتناعه عيبًا وإهانة.

إلى ذلك شارك السويدي كتاب ومؤلفين آخرين في إصدار عدد من الكتب منها: كتاب»الديمقراطية والحرب والسلام في الشرق الأوسط«(1995)، وكتاب»حركات الإسلام السياسي والسلطة في العالم العربي: الصعود والأفول«(2014)، وكتاب»الدفاع الجوي والصاروخي ومواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل وتخطيط السياسة الأمنية (2000)، وكتاب «حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج» (1995)، وكتاب «إيران والخليج: البحث عن الاستقرار» (1996)، وكتاب «مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مشارف القرن الحادي والعشرين» (1998).

وما بين هذا وذاك كانت للسويدي مساهمات قيمة في كتابة مئات المقالات في العديد من الصحف الاماراتية والخليجية والعربية والدوريات العلمية الاجنبية الرصينة، ونقل وجهة النظر العربية حول قضايا الساعة من خلال المقابلات والحوارات مع وسائل الإعلام الأجنبية، والمشاركة في الكثير من المؤتمرات والمنتديات المحلية والعالمية.

من الحوارات التي أجريت معه، وتوقفتُ عندها طويلا لجرأة محتواها، حواره مع صحيفة «الاتحاد» (24/‏3/‏2007). ففيه نجد الرجل يتحدث بصراحة ووضوح حيال العديد من الظواهر والملفات المحلية والعربية والتحديات المستقبلية. ورغم أن الحوار أجري قبل نحو 10 أعوام إلا أن ما ورد فيه عكس استشرافا دقيقا للمستقبل.

فعن الديمقراطية في الامارات والخليج في اللحظة الراهنة رأى صواب منهج التدرج التي انتهجه المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، لكنه أوضح قائلاً: علينا الاعتراف بأن الديمقراطية بمفهومها الغربي صعبة في الإمارات، ومستطردًا: «خلال الانتخابات الأخيرة أظهرت المشاركة على الرغم من محدوديتها ردة واضحة إلى القبلية. وإذا اتجهت التجربة إلى توسيع المشاركة في العملية الانتخابية فإنها ربما تصبح أكثر قبلية، مما قد يعني إعادة الإمارات 50 عاماً إلى الوراء. هاجس الديمقراطية يطرح بالضرورة مخاوف استفادة التيارات الإسلامية من التحول الديمقراطي في العالم العربي. فحركة الإخوان تحمل خطاباً يتعاطف معه الكثيرون في العالم العربي، ولكن إذا وصلت إلى السلطة فإنها ستنصب المشانق للجميع.

وحول المدرسة وعلاقتها بترسيخ الهوية الوطنية، وجهود دولة الإمارات في تطوير التعليم، أشار السويدي بصراحة الى ظاهرة خطيرة متمثلة في الهجرة العكسية من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، مؤكدا أن المدارس الأخيرة فاشلة ولا يمكنها تخريج أمثال طه حسين أو رفاعة الطهطاوي أو من دونهما، فيما وزارة التعليم لا تفعل شيئًا سوى إطلاق التصريحات في الوقت الذي لا يحدث شيء على أرض الواقع لجهة تطوير التعليم ومخرجاته.

وأقر السويدي بوجود خلل كبير في التركيبة السكانية في دولة الامارات وأكد خطورته لكنه رأى أن مواجهة المشكلة أصبحت متأخرة جدًا. ومن جهة أخرى، رأى السويدي أنه لا وجود فعلي وحقيقي لجمعيات المجتمع المدني في دولة الامارات، بما فيها جمعية حقوق الانسان. أما عن الصحافة الاماراتية وحرية التعبير فيها فيقول أنها مقيدة بالرقابة الذاتية فصارت»ملكية أكثر من الملك نفسه«، موضحًا أن»هناك على سبيل المثال قانون المطبوعات والنشر الذي يطالب البعض بتعديله، ولكن الصحفيين كافة في الإمارات لا يصلون إلى سقف هذا القانون. فالجميع يتحدث عن حرية الرأي والتعبير ولكنهم لا يمارسونها ليعرفوا حدود المتاح والممنوع«.

وحينما سأل عن كيفية تعاطي دولة الامارات مع الأحداث الساخنة المتوقعة في المنطقة، ومخاطر تحول إيران إلى دولة نووية في ظل التزام الإمارات بسياسات خارجية هادئة. كانت إجابته إجابة من يقرأ المستقبل فرد قائلاً:»علينا أن نعترف أنه إذا صارت إيران دولة نووية ومصر والسعودية بعيدتان عن دورهما القيادي لن يكون هناك عرب. فنحن ندرك أن إيران دولة قوية ولديها ترسانة عسكرية ضخمة ولا يستهان بها، ومن يتصدى لإيران ليست الدول الصغيرة بل الدول العربية الكبرى متمثلة في السعودية ومصر. بصراحة لا يمكننا أن نقف ساكنين أمام محاولة إيران امتلاك قنبلة نووية. فهل قدر على العرب أن يضعوا ‹›أيديهم على خدودهم›› يشاهدون إيران تمتلك قنبلة نووية وإسرائيل بترسانتها النووية بينما لا أحد يتحرك. هنا يصبح الدور على من تتيح له إمكاناته البشرية والمادية والاقتصادية قيادة المنطقة، وهما، ومن دون شك، مصر والسعودية وليس غيرهما.

وحينما قيل له أن هذا العصر هو عصر قيادة الدول غير الرئيسية للمنطقة بدلاً من الدول التي عادة ما تـُعرف بالمركز، أجاب بلا تردد: «هذه المقولة تحمل أخطاءً ومخاطر جسيمة. فلا يمكننا أن نتجاهل مصر ذات 80 مليون نسمة والسعودية الدولة كبيرة بسكانها وإمكاناتها، فهل من المعقول في ظل هاتين القوتين أن تقود العالم العربي دول صغيرة من حيث قدراتها المادية والبشرية، فالمركز يظل مركزاً حتى لو ضعف أحياناً.

وأخيرًا لا يمكنني القول سوى أني قرأت العديد من مؤلفات السويدي التي تفضل باهدائها لي، كما قرأت له العديد من الكتب التي شارك في تحريرها والكثير من المقالات المنشورة له، فخرجت بنتيجة مفادها أن خليجنا بخير ما دام به رجال من أمثاله.