كانت شبه الجزيرة العربية في تواصلٍ دائمٍ مع العالَم المحيط، ولم يكن أهلها في عزلة، على الأقلّ سكّان السواحل الذين امتهن كثير منهم ركوب الأمواج، إمّا للتّجارة وإمّا لصيد الأسماك، وإمّا للغوص بحثاً عن اللؤلؤ. وكان الاتّجاه نحو الشّرق في التجارة هو من أكبر المهام التي قام بها سكّان السّواحل الذين قاموا بجلب الأمتعة والسّلع من شبه القارّة الهنديّة، وجنوب شرقيّ آسيا والصّين.

وكانت غالبية هذه المنتجات من المواد الخامّ المستهلكة التي لا يبقى لها أثر يمكن اكتشافه من خلال التنقيبات الآثارية. ومن هنا منطلق هذا المبحث هو تجميع ما أمكن من إشارات شفهيّة وردتْ في الشّعر العربي الجاهليّ والإسلاميّ المبكر، ما يعطي دلالة على عمق التواصل مع الشّرق، وانتشار منتجاته بين العرب لدرجة جعلتْهم يذكرونه في أشعارهم.

وكان للمنتجات الآسيويّة بصورة عامّة، تأثير كبير على الحياة العربيّة. وسنشير إلى عدد من الأبيات الشِّعريّة كأمثلة على ذكرها لهذه المنتجات، وهي:

1- الفلفل:

ذكره امرؤ القيس في قوله:

ترى بعر الآرام في عَرَصاتها

وقيعانها كأنه حَبُّ فلفل

وقول عنترة:

فاستبدَلَتْ عُفر الظباء كأنّما

أبعارها في الصيف حَبُّ الفلفل

وقوله يصف أمّه:

الساق منها مثل ساق نعامة

والشَّعر منها مثل حَبُّ الفلفل

وقول جرير بن عطيّة:

طوى أمهاتِ الدّرّ حتى كأنّها

فلافِلُ هِنديّ فهنّ لصوقُ

وقوله أيضاً:

أَمِنعهدذيعهدتفيضمدامعي

كأنّ قذى العينين من حب فلفل

2- عود الهند:

أشار إليه امرؤ القيس:

وباناً وألوياً من الهند ذاكياً

ورنداً ولبنى والكباء والمقتّرا

وقول حسّان بن ثابت:

فإذا تشاءُ دعت بمقطرةٍ

تذكى لها بألوةِ الهندِ

وعديّ بن الرقاع العاملي (ت. 95 هــ):

رُبَّ نارٍ بِتُّ أرمقها

تقضم الهندي والغارا

وقول سحيم بن عبد بني الحسحاس (ت. نحو 40 هـ/660 م.):

بعودٍ من الهند عند التِّجَار

غالٍ يخالط مسكاً مُدافاً

وقول النّابغة الشيباني، عبد الله بن المُخارق، (ت. 30/35 هـ - 126/127 هـ ):

وقد عبِق العبير بها ومسك

يخالطه من الهنديّ عود

3- العود القماري:

الراجح أنّ لفظة «قمار» هي تحريف لكلمة «خمير» (Khmer)، وهو الاسم القديم لكمبوديا.

وقال فيه إبراهيم بن هرمة (ت. 183 هـ.=799 م.):

كأن الركب إذ طرقتك باتوا

بمندلٍ أو بقارعتي قمارا

4- عود البخور:

ومن أسمائه القُطر والمَنْدَلي والأَلُوّة والكِباء والمِجمر والغار. وسُمي: «المندلي» نسبة إلى قرية من قرى الهند، وهو العود الرطب. ورائحته تثبت في الثوب أسبوعاً كما يقال. وهو أرفع أنواع العود وأفضلها وأجودها.

وأشار إليه عمرو بن الإطنابة الخزرجي الجاهلي:

إذا ما مشت نادى بما في ثيابها

ذكيّ الشَّذا والمَنْدلي المطَيُّر

وقال عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري:

لو كنتُ أحمل خمراً حين زرتكم

لم ينكر الكلب أنّي صاحب الدار

لكن أتيتُ وريح المسك يقدمني

والعنبر الندّ مشبوبا على النّار

فأنكر الكلب ريحي حين خالطني

وكان يعرف ريح الزفت والقار

وقول عمر بن أبي ربيعة (ت. 93 هــ):

إذا ما أُوقِدت يلقى

عليها المندل الرطب

وقول إبراهيم بن هرمة (ت. 183 هـ.=799 م.):

كأنّ الركب إذ طرقتك باتوا

بمندلٍ أو بقارعتي قمارا

وقول أبو الضلع السندي:

فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل

وأصناف من الطيب ليستعمل من يتفل

5- القرنفل:

وأشار إليه امرؤ القيس بقوله:

إذا قامتا تضوّع المسك منهما

نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

وقوله:

دعي البِكر لا ترثي له من ردافنا

وهاتي أُذيقينا جَناة القرنفل

6- المسك:

وذكره النّابغة الذّبياني بقوله:

وتسقى إذا ما شئت غير مصردٍ

بزوراء في حافاتها المسك كانع

وفي قول النّمر بن تولب (ت. حوالي 14 هـ.=635 م.):

يربتها الترعيب والمحض خلقة

ومسك وكافور ولبنى تأكل

وقول عنترة:

دار يفوح المسك من عَرَصاتها

والعود والندّ الذكي

وقول النابغة الشيباني:

وقد عبِق العبير بها ومسك

يخالطه من الهندي عود

وقال أبو الضلع السندي:

فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل

وأصناف من الطيب ليستعمل من يتفل

والعباس بن مرداس (ت. 18 هــ):

تضوعَ منها المسكُ حتى كأنما

ترجّلَ بالريحان رطباً ويابسا

وامرؤ القيس:

وفوق الحوايا غزلةً وجآذر

تضمّخن من مسكٍ ذكيٍّ وزنبق

وجرير بن عطيّة (ت. 110 هــ):

مثلوجة الريق بعد النوم واضعة

عن ذي مثان تمج المسك والبانا

والشمردل بن شريك اليربوعي (ت. 80 هــ):

إذا غدا المسك يندى في مفارقهم

راحوا كأنّهم مرضى من الكرم

والأعشى:

إذا تقوم يضوع المسك اصورةً

والزنبق الورد من أردانها شملُ

7- العنبر الهندي:

ذكره بعض المولدين:

وقهوة من سلافِ الدَّن صافيةِ

كالمسك والعنبر الهندي والعود

وجرير بن عطيّة:

حييت من زائرٍ يعتاد أرحلنا

بالمسك والعنبر الهندي ملغوم

8- الكافور والصّندل والعنبر:

قال أبو الضلع السندي:

فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل

وأصناف من الطيب ليستعمل من يتفل

وقال أبو الضلع السندي:

وأنواع الأفاويه وجوز الطيب والسنبل

ومنها العاج والساج ومنها العود والصندل

9- التمر الهندي:

حسّان بن ثابت (54 هــ):

أذبّ أصلع سفسيراً له ذأبٌ

كالقردِ يعجمُ وسط المجلس الحُمرا

- و«الحمرا» هو التمر الهندي.

10- القسط (أو الكست):

قال بِشْر بن أبي خازم (32 قبل الهجرة):

فقد أوقرن من قُسطٍ ورَندٍ

ومن مسكٍ أحمٍّ ومن سلاح

11- الزنجبيل:

قال الأعشى (ت. نحو 3 هـ/624 م.):

كأن جَنِيّاً من الزنجبيل

خالط فاها وأريا مشورا

12- حبّ الدّاذي:

ولفظة «داذي» هي تحريف لكلمة «تازي»، وهي عصارة شجر التار، عصارة مسكرة، وحبوبها كبيرة الحجم. أو هي تحريف للفظ «دادي» وهو حبٌّ مثل الشعير، أطول وأدق وأدكن اللون، مرّ الطعم، وله استخدامات للعلاج. وكان حبُّ الداذي يطرح في النّبيذ فيشتدّ حتى يُسكِر.

وقال فيه الشاعر عدي بن زيد بن الرقاع:

شربنا من الداذي حتى

كأننا ملوك لنا بر العراقين والبحر

13- الأرز:

وفيه ست صيغ: أرزٌّ وأُرُّز وأَرز وأُرز، وُرز ورُنْز. وذكر الجوهري أن الأخيرتين هي لعبد القيس. وقوله: هي لعبد القيس بمعنى في لهجة عبد القيس، سكّان إقليم البحرين، يشير إلى ارتباط الأرز بعبد القيس من حيث زراعته في الإقليم لتوفّر المياه وحرارة الجوّ، وهي من العوامل المناسبة لزراعته. كما عُرفت اليمن بزراعة الأرز.

ويبدو أنّ ذلك في العهد الإسلامي. ولكن من المشهور أنّ الهند والسند كانت تزرع وتنتج وتصدّر الأرز إلى الخارج منذ القدم. وكذلك جزيرة سيلان، وعموم جنوب شرقيّ آسيا. وتعتبر هي البلدان الأنسب لزراعة الأرز من أقاليم شبه الجزيرة العربية، وقد وردت الإشارة إلى الأرز في الحديث مما يدلّ على معرفة أهل الحجاز للأرز.

ومما يدلّ على ذلك أن أبا حيّان التيمي يروي عن عامر الشعبي عن ابن عمر، أنّ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خطب في المسجد النّبويّ فقال: إنّه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل.

فسأل أبو حيّان عامرَ الشعبي: يا أبا عمرو، فشيء يُصنع بالسند من الأرز؟ فقال: ذاك لم يكن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو قال: على عهد عمر. وعلّق ابن حجر العسقلاني على هذا الحديث: أنّ اتخاذ الخمر من الأرز لم يكن على العهد النّبويّ، ولو كان لنهى عنه.

ويفهم من هذا الحديث ومن تعليق ابن حجر، أنّ الأرز كان معروفاً في بلاد العرب بصورة عامّة، وأنّ زراعته ارتبطت أكثر ببلاد السند وما جاورها. ومما يدلّ على ذلك أنّ أحداً سأل الإمام سفيان الثوري عن شراب الداذي، وهو نبيذ الأرز، فقال: بلغنا أن الداذي خمر السند، ولا يشربه إلا الفسّاق.

وهذا الشراب كما ذُكر في الحديث السابق لم يكن معروفاً في الحجاز، ولكنه كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام في مناطق معيّنة أخرى كاليمن مثلاً، ويؤيّد ذلك ما رواه عبد الرحمن بن عوف أنّه ذهب إلى اليمن قبل البعثة النّبويّة بسنة، ونزل على أحد المعمَّرين ويدعى عسكلان بن عواكن الحميري، وسمعه يقول شِعراً، ومن ضمن أبياته قوله:

إذا الشيخ صمّ فلم يكلم

وأودى سمعه إلا بدايا

ولا عبّ في العشي بني بنيه

كفعل الهر يفترس العظايا

فذاك الداء ليس له دواء

سوى الموت المنطق بالرزايا

يفديهم وودوا لو سقوه

من الداذي مترعة ملايا

14- السنبل (النّاردين):

ويجلب من جزيرة في المحيط الهندي.

وقال فيه أبو الضلع السندي:

وأنواع الأفاويه وجوز الطيب والسنبل

ومنها العاج والساج ومنها العود والصندل

15- البان والرند والبخور:

«البان»: شجر طيب دهني الثمر، و«الرند»: شجر طيّب الثمر زكيّ الرائحة، و«الكباء»: البخور.

وذُكرتْ في قول امرئ القيس:

وباناً وألوياً من الهند ذاكيا

ورنداً ولبنى والكباء والمقتّرا

16- سيسبان:

«السيسبان»: شجر ينبت من حبّة ويطول ولا يبقى في الشتاء، له ورق نحو ورق الدفلى، يُذَكَّر ويؤنّث ويؤتى به من بلاد الهند.

وورد في قول أحمد بن يحيى:

يهتزّ متناها إذا تمدّ اضطربا

كهزّ نشوان قضيب السيسبى

17- الريحان:

وفيه قال العبّاس بن مرداس:

تضوعَ منها المسكُ حتى كأنما

ترجّلَ بالريحان رطباً ويابسا

وقول النّابغة:

ولا زال ريحان ومسك وعنبر

على منتهاه ديمة ثم هاطل

وجرير بن عطيّة:

الطيّبون من الريحان منبتهم

ومنبت التيم في الكراث والثوم

روائع

تمثل نماذج هذه الأبيات، إحدى الخصائص البارزة المميّزة للشِّعر القديم، والذي يعكس جزءاً من الحياة وطبيعتها في أبيات الشّعراء، والذين كانوا يميلون إلى وصف البيئة ومحتوياتها ومعالمها..وهو ما نتبينه في نماذج كثيرة بارزة، ترك لنا معها فحول الشعر العربي، روائع شعرية غاية في القيمة المضونية والفنية.

خشب الساج

قال النابغة الشيباني فيه:

وقبّة لا تكاد الطير تبلغها

أعلى محاريبها بالساج مسقوف

ورؤبة بن عبدالله العجاج (ت. 90 هــ):

واجتبن في ذي لجج دجداج

أخضر يخضر اختضار الساج

وقال أبو الضلع السندي:

وأنواع الأفاويه وجوز الطيب والسنبل

ومنها العاج والساج ومنها العود والصندل

الكُحل

وفيه يقول زهير بن أبي سلمى (ت. 609 م):

ومؤشّرٍ حمش اللثات كأنّما

شركت منابته رضيض الإثمدِ

وترى مدمعها ترقرق مقلة

سوداء ترغب عن سواد الاثمد

وحسّان بن ثابت:

ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحت

سوداً وجوههم كلون الإثمد