صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كان ولا يزال ملهماً للكثيرين في الإمارات والعالم، ففي كل يوم يفاجئنا سموه بمبادرات وإنجازات جديدة، ساهمت في نقل دبي والإمارات نحو مستويات أعلى، حتى صارت ترنو إلى كوكب المريخ.
وذلك ليس بغريب على قائد ينتمي إلى مدرستي المغفور لهما، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفيها تخرج، وعلى يديه خرجت قيادات شابة تسلمت زمام الأمور في دبي والإمارات، ليؤكد سموه أن ملامح القيادة اليوم، لم تعد كما الأمس، فلا بد أن يملك القائد اليوم رؤية واضحة، حدودها السماء، قادرة على الارتقاء بالدولة نحو العلا.
وهو ما بينه صاحب السمو نائب رئيس الدولة، والذي يشد من عضد أخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، من خلال المبادرات العديدة التي قادت الإمارات نحو القمم الشماء.
ومع حلول الذكرى الـ 12 لتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد الحكم، التي تصادف اليوم، كان لا بد من إلقاء نظرة على ما قدمته يداه، وما صنعه على أرض الواقع، وما بثه من أمل في نفس الأمة، بأن أعاد لها هيبتها عبر مبادراته العديدة، التي أصبحت بمثابة وسام معلق على صدر الإمارات.
وهو ما حاول الدكتور عارف الشيخ رصده في كتابه «إلهامات قائد»، الواقع في 640 صفحة، ومقسم إلى 13 فصلاً، كلها تتناول إنجازات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتعاين إنسانيته، وتجربته الشعرية، والإدارية والفروسية، وتسلط الضوء على كتابات سموه، وبعضاً من قصائده وابتهالاته، التي أنار بها دروب الشعراء.
وحفز فيهم التحدي عبر «مسابقة نبي الإسلام»، ويبرز الكتاب أيضاً، فلسفة محمد بن راشد وجوائزه وطموحاته التي تعانق السماء، واستراتيجيته، وبعضاً من جوائزه التي أعلن عنها سموه خلال السنوات الماضية.
إبداعات
المطّلع على الكتاب، لا بد أن يستشعر مدى الجهد الذي بذله د. عارف الشيخ في جمع مادته، ليبدو الكتاب وكأنه التقاطات من بحور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفيه لم يجنح د. عارف إلى التوثيق، بقدر ما حاول أن يقدم قراءة في إنجازات صاحب السمو نائب رئيس الدولة، والتي وفق ما يشير إليه د. عارف، لا تمثل أكثر من 40 % مما لمسه بنفسه.
وحسب ما يقول، «كنت وما زلت أقول ما رأيته من مواهب الشيخ محمد بن راشد وإبداعاته وأنشطته وفعالياته وإنجازاته ومشاريعه لا يمثل أكثر من 40 %، أي أن ما لم يظهر بعد للعيان أكثر بكثير».
عين واحدة
في هذا الكتاب، يقدم لنا د. عارف الشيخ كوكبة من المقالات التي تعبر عن أكثر من عشر سنوات تقريباً من حياة سموه، يقدر فيها جهود الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في «توفير حياة آمنة وسياسة حكيمة»، حيث يصفه بأنه «قائد مخضرم، عايش نهضة دبي الحديثة في مرحلتها الأولى، وعايش الاتحاد منذ أن كان فكرة تناقش ثنائياً، وإلى أن خرج إلى الوجود، ورفرف علمه في جميرا، وصار دولة ذات سيادة». ويؤكد الشيخ في كتابه، أن «سموه مذ تولى منصب رئيس مجلس الوزراء، وضع دبي في كف، والدولة في كف.
وصار ينظر إليهما بعين واحدة، مجردة عن الانحياز والحياد»، مبيناً أن «العمل القيادي لا بد أن يتصف بالبذل والحزم والمتابعة، فهو تخطيط سليم في البداية، وتقييم دقيق في النهاية، وكلا الأمرين يحتاج إلى أن ينزل القائد بنفسه إلى الميدان».
ويشير إلى أن «الشيخ محمد بن راشد، أثبت خلال فترة عمله كولي عهد لدبي، وخلال فترة عمله كحاكم دبي ورئيس مجلس الوزراء، بأنه الرجل القيادي من الدرجة الأولى، وقد رأيناه كيف يبدأ بتفقد القاصي قبل الداني، وكيف يهتم بالشيء الصغير قبل الكبير، وكيف يستخدم حواسه في تفهم مطالب شعبه، الذي يرى فيه صورة من القيادة الزايدية».
خلوة المئة
في فصل «فلسفة محمد بن راشد»، يركز د. عارف الشيخ على «خلوة المئة»، التي دعا إليها صاحب السمو نائب رئيس الدولة في 2016، وجمعت أهم 100 شخصية وطنية معنية بعام القراءة، بهدف وضع إطار عام ومناقشة مبادرات وطنية دائمة، تعمل على ترسيخ القراءة عادة مجتمعية دائمة في الدولة.
وفي الأجيال القادمة، حيث يشير فيه عارف الشيخ، إلى مدى اهتمام سموه بالقراءة «لأن القراءة كما قال سموه، هي السبيل إلى التنمية الشاملة: الاقتصادية والثقافية والفكرية، ولا تنمية من غير قراءة»، ويضيف أن سموه أدرك «بقوة حدسه، خطورة ابتعاد الأمة عن القراءة الواعية، فقرر سموه أن يعيدنا إلى رشدنا، وأن يجعلنا نقرأ، ونشجع غيرنا على القراءة».
في 2013، دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، شعب الإمارات، إلى المشاركة في «أكبر عصف ذهني في العالم»، لتطوير قطاعي الصحة والتعليم في الدولة، عبر توليد أكبر قدر ممكن من الأفكار والحلول الإبداعية، تلك الدعوة، فتحت شهية عارف الشيخ للكتابة والتحليل، حيث قال في فصل «الشيخ محمد بن راشد وفلسفة العصف الذهني»، إن «ما فعله الشيخ محمد بن راشد.
وهو رئيس مجلس الوزراء، في اعتقادي أنه جديد في المنطقة، بل في العالم العربي كله، وهو أسلوب حضاري وقمة الديمقراطية، وقمة التواضع، أن ينزل قيادي كبير مثله يستمع إلى الشعب، فهو في عملية العصف الذهني، لن يستمع إلى كبار القوم، بل إلى كل شخص حاضر على أرض الدولة»، معتبراً في الوقت نفسه، أن «الحكمة هي ضالة المؤمن، والعبرة بالنتيجة».
وقد لمسنا جميعاً ما أحدثه العصف الذهني من نقلة نوعية في مسيرة دبي والإمارات.
غبار التاريخ
يتأمل الدكتور عارف الشيخ في أحد فصول كتابه، في المحاضرة التي ألقاها سموه في 1 ديسمبر 2011 بقاعة راشد في مركز دبي التجاري العالمي، حيث وقف فيها سموه مدة ساعتين أمام نحو ألفي شخص من الأكاديميين والشعراء والأدباء ورجال الفكر والإعلام، حيث يتطرق عارف الشيخ إلى قدرة سموه في نفض غبار التاريخ المكتوب وغير الدقيق عن وجه الإمارات.
ويسرد للقارئ بعضاً مما أفاض به سموه خلال المحاضرة من معلومات بدت جديدة على مسامع الحضور، مبدياً في الوقت نفسه إعجابه من تشبيه سموه تحدي الأجداد إصرارهم بـ «البصمة الوراثية»، حتى يقرب بذلك المعنى إلى جيل الشباب، الذين يشهدون عصر البصمة الوراثية، وما شهدوا من انتصارات أجدادهم في الماضي البعيد والمحفور في ذاكرة التاريخ.
ويقول عارف الشيخ: «إن حديث الشيخ محمد بن راشد في يوم روح الاتحاد، كان رسالة موجهة إلى الشباب جيل المستقبل، ولم يكن حديثاً عابراً، لأنه تحدث عن أربعينية الاتحاد، والأربعين كما قال سموه، سن النضوج لأصحاب الرسالات السماوية، كالأنبياء.
وكذلك لأصحاب الرسالات الأرضية، كقيادتنا ودولتنا الاتحادية المجيدة». في حين يركز عارف الشيخ كثيراً على طلب سموه من الجامعات في الدولة، ترشيح 3 من الطلبة ومثلهم من الطالبات، ليختار منهم وزيراً شاباً، ليثبت بذلك لشعبه ما قاله يوماً: «نريد تمكين الشباب وتمكين المرأة»، ويشير هنا عارف الشيخ، إلى ما تكتنزه هذه المبادرة من ذكاء، مبرراً أنه يفهم منها أن «تمكين الشباب يراد منه تمكين المتعلمين والمتفوقين منهم».
اللغة الخالدة
في كتابه لم يغفل عارف الشيخ كتابات صاحب السمو نائب رئيس الدولة، بدءاً من كتابه «رؤيتي»، ومروراً بقصائد سموه، وعلى رأسها «اللغة الخالدة»، التي نشرها سموه في 2007، التي تلمس فيها عارف الشيخ استراتيجية جديدة لسموه، منوهاً بما تضمنته القصيدة من معاني القوة في مفرداتها.
حيث يشير عارف الشيخ، إلى أن سموه اختار لها قافيه «القاف»، التي وفق ما يقول علماء اللغة، إنها تدل على المفاجأة التي تحدث صوتاً. في حين يرى عارف في قصيدة سموه، التي حملت عنوان «الأمل والعمل»، التي خطها سموه على وزن بحر الخفيف، دعوة إلى نبذ التشاؤم، وضرورة التسلح بروح التفاؤل والعمل.
أما في تحليله لقصيدة «رسالة الأمة إلى القمة»، فيرى أن سموه ضمنها بخطاب قوي، يدعو فيه إلى «عدم الاستسلام ما دامت فينا بارقة أمل باقية»، لتأتي قصيدة «فتنة الإرهاب» أكثر وقعاً في معانيها، حيث يشير عارف الشيخ، إلى أنها «حملت في ثناياها لوناً جديداً من العتاب، بل وفكراً جديداً، فالقصيدة برغم سلاسة كلماتها وعذوبة ألفاظها، تخبئ في داخلها حزماً وعزماً وقناعات أكيدة، بأن الإساءة يجب أن ترد بالحزم».
فروسية
يفرد الكاتب فصلاً خاصاً لفروسية محمد بن راشد، حيث يعاين فيه «قيم الفروسية في شعر صاحب السمو نائب رئيس الدولة»، مبيناً في هذا الصدد، أن الفروسية هي حب سموه الأول، معتمداً في ذلك على قول سموه إن «حب الخيل جزء من دمه وكيانه وتاريخه»، مبيناً في الوقت ذاته، أن أشعار سموه في الفروسية، تبين كم هو حاذق بالخيل وطباعها.
ومدرك لأحاسيسها ومشاعرها، منوهاً بأن من يقرأ شعر الشيخ محمد بن راشد وأشعار عنترة، سيجد أن الخيل قاسم مشترك بينهما، ويستشهد عارف الشيخ هنا بقصيدة «العاديات»، التي خطها سموه، وساوى فيها حب الخيل بالروح والدم الذي يجري في شريانه، حيث جسد فيها سموه جل ما في الخيل من معانٍ نبيلة وقيم أصيلة.
«عسجديات».. قصائد ذهبية كتبت بماء الجمال
أكثر من 100 قصيدة يوردها الدكتور عارف الشيخ في ديوانه «عسجديات»، الواقع في 550 صفحة تقريباً، لكل واحدة منها لون خاص، بدا فيها عارف الشيخ، متأثراً بعظماء الشعر العربي، بدءاً من امرؤ القيس وعنترة.
ومروراً بحسان بن ثابت وأبي تمام والبحتري والمتنبي، وليس انتهاءً بأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، لتتصف كافة قصائده بالجدية المكتوبة بماء الجمال، حيث ابتعد فيها عن الغزل الرائج بين الشباب، محافظاً عليها ضمن قواف معينة، كاتباً إياها بلغة عربية فصيحة لم تخلُ من الجمال والوصف والمدح.
أندلس الشرق
في جل قصائده يتغنى الشاعر عارف الشيخ، بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي، وفق ما يقول الشيخ، بأنه يتابع خطوات سموه. في هذا الديوان، تتعدد القصائد الموزونة على بحور عدة، وجلها تنشغل بمحبوب واحد فقط.
ألا وهو صاحب السمو نائب رئيس الدولة، وعن ذلك يجيب عارف الشيخ بقوله «من يعيش في دبي، ويصبح ويمسي على حس الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وإنجازاته ملء سمعه وبصره، وملء إحساسه وشعوره، هل ينشغل بمحبوب آخر غيره؟».
في ديوانه يصف الشاعر «دبي» بـ «أندلس الشرق»، ويدلل على ذلك بأن «غرناطة» الأسلاف، طالما كانت رمز الحضارة، في حين أن «دبي» هي نبض الفؤاد، واصفاً «دار الحي» بأنها نجم في سماء الضاد، وأنها في الشرق «أندلساً»، وأن «محمداً» هو طارق بن زياد. وبقدر قرب دبي إلى نفس عارف الشيخ، يبدو أن صاحب السمو نائب رئيس الدولة، أشد قرباً إليه.
كما يتضح في قصيدته «بالتحدي»، التي يصف فيها سموه بـ «شيخ فذ في عالم الفكر، بلغ طموحه حدود النجوم»، ليعرج في أبياتها نحو «العيش الكريم والأمان الذي وفره سموه لشعبه ولدولته»، مبيناً أن «زايد» و«راشد» هما قدوتا سموه، الذي مشى مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ليرسم السعد على وجه الشعب.
في حين يصف الشاعر، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في قصيدة «في يوم الجلوس»، بأنه «معطاء كبحر لمن دنا»، وأنه «صدى للإبداع والفكر والعلا»، وأنه «حكيم جواد مؤمن ذو فراسة». أما قصيدته «ستبقى مثالاً» فلا تقل في وهج مفرداتها عن البقية، حيث يصف فيها سموه بأنه «منارة ودليل لكل تائه»، وأنه «غوث لكل جائع»، وأنه «الملهم والرائد في كل السباقات، ومفخرة الأجيال».
في حب «المحمدين»، أي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كتب عارف الشيخ، قصيدة «علمتنا كيف نجيء أولاً».
حيث يرى فيها أنهما يسيران على خطى المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأنهما ينفذان رؤى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، قائلاً إن رؤاهما تملأ النفس تفاؤلاً.
100
قصيدة في الديوان
لكل واحدة منها لونها الخاص
* كوكبة من المقالات ترصد 10 سنوات من حكمة وذكاء محمد بن راشد
* يبرز الكتاب أيضاً فلسفة سموه في الإدارة والحياة التي تعانق السماء
* قصيدة «اللغة الخالدة» يتلمس القارئ فيها استراتيجية متقدمة في مفهوم القيادة