بعد حرب تحرير الكويت في 1991، وعودة حياتها البرلمانية بالصورة التي كانت عليها قبل الغزو العراقي، توقع الكثيرون، ومنهم كاتب هذه السطور، أن البرلمانية الأولى في تاريخ المنطقة ستكون كويتية لا محالة، وذلك انطلاقاً من الدور الريادي للمرأة الكويتية في مختلف المجالات، ناهيك عن نضوج التجربة البرلمانية الكويتية التي بدأت منذ فجر الاستقلال في 1961.

غير أن ذلك تأخر نحو عقد كامل وتحديداً إلى مايو 2009، عندما فازت الدكتورة معصومة المبارك، أستاذة العلوم السياسية والوزيرة السابقة بالمركز الأول عن الدائرة الانتخابية الأولى في انتخابات مجلس الأمة التي جرت في 2009، والتي حملت معها إلى مقاعد المجلس 3 كويتيات أخريات، هن: سلوى الجسار وأسيل العوضي ورولا دشتي.

إلا أن المثير هنا، يكمن في أن الدولة الخليجية التي سبقت غيرها في هذا المجال، كانت سلطنة عُمان.

وكما هو معروف، فقد بدأت السلطنة تجربة المشاركة الشعبية في صنع القرار من خلال مجلس تقتصر صلاحياته على إبداء الرأي ومناقشة مشاريع القوانين المحول لها ورفع التوصيات دون أن تكون له سلطة الرقابة والتأثير والتغيير والمحاسبة، أو طرح الثقة أو تقرير السياسات الاستراتيجية المتعلقة بشؤون الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية. هذا المجلس أنشئ في 1991 ليكون بديلاً عن مجلس استشاري قديم كان موجوداً منذ 1981.

وبدءاً من أغسطس 1994 قررت مسقط فتح باب الترشيح أمام المرأة للوصول إلى عضوية مجلس الشورى على مراحل.

وطبقاً للمراسيم السلطانية، تشكل المجلس الجديد من 84 عضواً يمثلون ولايات البلاد، ويُنتخبون من قبل المواطنين العمانيين في انتخابات عامة تُجرى كل 4 سنوات مع حق المرأة في الانتخاب والترشح، بحيث تقوم كل ولاية بانتخاب اثنين من مرشحيها إذا كان عدد سكانها 30 ألف نسمة أو أكثر، وانتخاب مرشح واحد يمثلها إذا كان عدد سكانها أقل من 30 ألف نسمة، وقضى التنظيم أيضاً بأن يكون من حصلوا على أكبر عدد من الأصوات ممثلين لولاياتهم في المجلس.

وبذلك أصبحت سلطنة عمان في 1994 أول دولة خليجية تمنح النساء حق الانتخاب تصويتاً وترشحاً.

وفي نوفمبر 1996 صدر مرسوم سلطاني ينص على تطوير التجربة البرلمانية العمانية، وقضى بأن يكون المجلس التشريعي الأعلى في البلاد هو «مجلس عمان» المكون من مجلس شورى منتخب بالطريقة السالفة الذكر، إلى جانب «مجلس الدولة» الذي يقوم السلطان بتعيين أعضائه الـ57 من ذوي الكفاءة والخبرة في مجالات العلم والثقافة والفكر، ومن الوزراء ووكلاء الوزارات والدبلوماسيين والقضاة والضباط والأكاديميين السابقين والمتقاعدين، ومن رجال الأعمال والشخصيات التي قدمت خدمات جليلة للبلاد.

خبرة مهنية

وعلى الرغم من فوز «طيبة المعولي» و«شكور الغماري» بعضوية مجلس الشورى العماني في مرحلته الثانية التي امتدت من 1995 حتى 1997، حينما كانت مشاركة المرأة بالترشح مقتصرة على محافظة مسقط ذات الولايات الست، فإن لميس عبد الله الطائي تعتبر أول امرأة تدخل مجلس الدولة بالتعيين، وذلك عندما اختارها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، أول اسم في قائمة عضوات هذا المجلس في 1997، إلى جانب الدكتورة سلمى بنت محمد بن سليمان اللمكي، وسميرة بنت محمد أمين بن عبد الله، ورحيمة بنت علي بن خلفان القاسمي، فبقيت فيه لميس الطائي حتى عام 2011، وعليه تكون لميس أول عمانية في تاريخ بلادها ومنطقة الخليج تحظى بهذا الشرف.

وقد جاء تعيينها من كونها إحدى السيدات العمانيات من ذوات الخبرة المهنية الطويلة في أروقة أجهزة الدولة، ومن صاحبات المؤهلات العلمية الرفيعة، وممن كافحن طويلاً من أجل التسامح والسلام وحقوق المرأة والإنسان، فضلاً عن كونها الابنة البكر لأحد رجالات عمان البارزين في مجالات العمل السياسي والتربوي والإعلامي والأدبي داخل عمان وخارجها، إضافة إلى أنها ترشحت عن ولاية بوشر (إحدى ولايات محافظة مسقط) في انتخابات مجلس الشورى لسنة 1994، ونجحت وكان ترتيبها الثاني، إلا أنه طرأ ما منع إشغالها للمقعد البرلماني.

ظروف عمان الصعبة قبل عام 1970 حملت والدها على السفر أولاً صوب البحرين، حيث عمل مدرساً في مدرسة الهداية الخليفية خلال الفترة من 1950 حتى 1959، إلى جانب نشاط إعلامي وثقافي مشهود من خلال إذاعة وصحافة وأندية البحرين.

وحملته ثانياً على الانتقال من البحرين إلى الكويت، حيث أسهم في الحركة الأدبية والثقافية، واشتغل في وزارة الإرشاد والأنباء، وترأس تحرير مجلة الكويت، كما عُيّن نائباً لرئيس تحرير مجلة العربي. واستثمر ما تعلمه في البحرين من خلال صحافتها وجمعياتها وأنديتها الثقافية في تأسيس «رابطة الأدباء» الكويتية وتحرير مجلتها المسماة «البيان»، وبعد استقلال الكويت تم انتدابه للعمل في مكتب دولة الكويت في دبي، نائباً لرئيسه خلال الفترة من 1962 حتى 1964.

علاقات

وفي دبي ارتبط والد لميس الطائي بعلاقات احترام وود مع شيوخ الإمارات ورجالاتها، لذا نجد أنه بعد فترة وجيزة من تولي المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في أبوظبي، ودوران عجلة التنمية في هذه الإمارة، يُستدعى الطائي ليعمل أولاً مستشاراً في ديوان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، من 1968 حتى 1970، ثم كُلف بإدارة جهاز العلاقات الخارجية للإمارة وتقديم الاستشارة لدائرة التربية والتعليم، قبل أن يسهم بعلمه وخبرته في إنشاء جهازي إذاعة وتلفزيون أبوظبي في فبراير 1969، ويتولى رئاسة لجنة التحرير المسؤولة عن إصدار مجلة الاتحاد الأسبوعية التي تحولت في 1971 إلى صحيفة يومية.

غير أن الحدث الأهم في حياة الطائي كان يوم أن لبى نداء وطنه الأم للعودة إلى أحضانه والإسهام في تطويره. ويقال إن السيد طارق بن تيمور، عمّ جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، حينما تولى رئاسة أول حكومة عمانية بعد التغيير الإصلاحي في البلاد سنة 1970 هو من قام بترشيح الطائي لتولي حقيبتي الإعلام، والشؤون الاجتماعية والعمل، انطلاقاً من إيمانه بقدرات ومواهب الرجل لجهة التطوير والتغيير المنشود، فضلاً عما كان يعرفه الجميع من شوق الطائي لخدمة بلده والبذل والعطاء في سبيله.

في كل هذه المحطات في مسيرة والدها كانت ابنته لميس المقربة إليه، ورفيقته الدائمة، وكاتمة أسراره، وسكرتيرته الخاصة، ومرتبة مكتبته، والطاهية المشرفة على تغذيته.

وفي هذا السياق، كتبت سعيدة بنت خاطر الفارسي، في صحيفة الوطن العمانية الصادرة في 7/‏‏‏‏‏12/‏‏‏‏‏2015، مقالاً عنها تحت عنوان «الرفيقة»، قالت فيه إن سيرة لميس الطائي لا يمكن أن تكتب أو تقرأ بمعزل عن سيرة والدها، فهي «عاصرت ولادة ما كتبه والدها وهو على قيد الحياة مثل (الفجر الزاحف)، و(ملائكة الجبل الأخضر)، وأسهمت في تنسيق الكتابين وإعادة خط بعض أجزائهما لعدم وضوح خط والدها، قبل أن تقدمه للمطبعة».

وأضافت الكاتبة: «أنها بتلك الصفات ودرجة الالتصاق بوالدها تعرفت إلى كوكبة مضيئة من المبدعين ممن كانت لهم صلات ولقاءات مع والدها من أمثال السوريين عمر أبوريشة ونزار قباني، والعراقيين بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، والكويتي عبدالرزاق البصير، والبحريني إبراهيم العريض، والسعودي غازي القصيبي، واللبنانيين سعيد عقل ورياض الريس، والفلسطينيين فدوى طوقان ومحمود درويش، وغيرهم».

رفقة

ومن رفقتها لوالدها التقتْ أيضاً بأعلام السياسة وقادة الدول مثل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والرئيس الراحل أحمد حسن البكر، والشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، والتقت بكبار الفنانين ونجوم الغناء العربي، مثل أم كلثوم، وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، وفايدة كامل، التي شاركت في أوبريت عماني وطني باسم «صوت للنهضة نادى» من كلمات عبد الله الطائي.

وتحتفظ لميس بالكثير من الصور المحفورة في ذاكرتها عن رفقتها لوالدها، من بينها لقاؤهما بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد أثناء زيارتها للكويت، حيث كانت لميس آنذاك طالبة في الصف الثالث إعدادي، وكان والدها رئيساً لتحرير مجلة الكويت، ومسؤولاً عن المطبوعات والنشر بوزارة الإرشاد والأنباء، وكعادة الآباء في الافتخار بأولادهم النابهين، دفع عبد الله الطائي بابنته لإلقاء قصيدة ترحيبية بعنوان «جميلة بوحيرد»، كما أنها كانت شاهدة على ميلاد قصيدة «وداعاً أيها الليل الطويل» التي توصف بإحدى أشهر قصائد والدها، حيث كانت ملهمة لعدد من الشعراء العمانيين بسبب تجسيدها لمعاناة الإنسان العماني المغترب.

دراسة

ولدت لميس بمدينة مسقط، ابنة كبرى للشاعر والقاص والأديب والإعلامي والمؤرخ والمستشار والوزير ورجل الدولة الشيخ عبد الله بن محمد بن صالح بن عامر الطيواني البطاشي الطائي المولود في مسقط أيضاً في 1924. عمها هو نصر بن محمد الطائي، أول صحفي بارز وكاتب ومعلم للغة الإنجليزية، وهو مؤسس صحيفة «الوطن» التي تعد أقدم صحف سلطنة عمان وأكثرها انتشاراً.

وبسبب تنقل والدها من مكان إلى آخر طوال الفترة السابقة لعام 1970، اضطرت هي الأخرى إلى التنقل أيضاً، فدرست المرحلة الابتدائية في البحرين والإعدادية والثانوية في الكويت، والجامعية في القاهرة ولبنان، ومرحلة الماجستير في بريطانيا على نفقة الإمارات، ثم شغلت منصب نائبة مدير الإدارة الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية المتحدة ــ فرع أبوظبي، كما شغلت منصب رئيس تحرير مجلة «هي» الصادرة في أبوظبي، قبل أن تعود إلى وطنها الأم برفقة والدها لتتدرج في العديد من المناصب الحكومية، وتمارس الكثير من الأنشطة العامة والخاصة كما أسلفنا في السطور السابقة.

1985

ارتبط السفير سعود سالم العنسي، خلال سنوات دراسته في بيروت، بزميلته الطالبة لميس الطائي، وسرعان ما توّجا تلك الزمالة برباط الزواج، الذي أثمر الأبناء لمياء وريا وأنس وعبد الله.

وكانت لميس رفيقة مشواره في تنقلاته الدبلوماسية التي أكسبت من خلالها المزيد من العلم والثقافة والاطلاع والخبرة، وهو ما تجسد في حصولها أثناء إقامتها في نيويورك على الدبلوم التمهيدي لنيل درجة الماجستير من جامعة نيويورك في 1985، ثم تجسد لاحقاً في أنشطتها المتنوعة داخل بلادها وخارجها، ومنها رئاستها لتحرير مجلة «العمانية»، وقيادتها لدائرة الجمعيات النسائية والثقافية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العمانية، وعضويتها في الاتحاد النسائي للسلام العالمي ومقره طوكيو، ومشاركتها في العديد من المؤتمرات والمنتديات الخارجية باسم عمان، وتقديمها للكثير من أوراق العمل في تلك الاجتماعات.

يُذكر أن سعود العنسي من مواليد ظفار في 1949، ودرس في صلالة ثم في الكويت، وأكمل شطراً من تعليمه الجامعي في جامعة عين شمس المصرية وجامعة دمشق السورية، ثم أنهاه في قسم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بيروت العربية في 1974، قبل أن يعود إلى وطنه بعد غياب دام 12 سنة، ليعيّن مسؤولاً عن المساعدات الاجتماعية في مكتب وزير الدولة ووالي ظفار، حيث حصل على بعثة دراسية إلى بريطانيا لنيل الماجستير في الإدارة الحكومية.

بعد ذلك التحق بالسلك الدبلوماسي ليعمل سفيراً في كل من تونس وجيبوتي وباكستان والكويت، ثم مندوباً دائماً لسلطنة عُمان في الأمم المتحدة ما بين عامي 1984 و1987، علماً بأنه رحل عن الدنيا في 2006.

صفحة مُتخصّصة بالتأريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج العربي