شكلت «مئة عام من العزلة» للروائي الكولومبي العالمي غابريل غارثيا ماركيز، منعطفاً في حياة المترجم الفلسطيني صالح علماني الذي كان حينها طالباً في كلية الطب، إذ قرر من بعد قراءتها باللغة الإسبانية، أن يترك الطب إلى غير رجعة، ليخوض تجربة الترجمة، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وهو ما أهله ليصبح واحداً من أهم المترجمين العرب المعاصرين.

ومن الطبيعي أن يشكل هذا الحدث نقطة تحول في حياته، وخاصة أن الرواية الأكثر رواجاً في العالم كانت فاتحة للتعرف على أهم إبداعات أدب أميركا اللاتينية وفي صدارتها إنجازات ماركيز وإيزابيل اللندي، وجوزيه سارماغو، وإدواردو غاليانو، وآخرين.

صالح علماني الذي استقر به المطاف أخيراً في إسبانيا، منذ سنوات قليلة، بعد أن اضطر للرحيل عن دمشق، قدم أكثر من 110 كتب مترجمة. وفي كل مرة يبرهن على قدرته بأن يكون متميزاً، في ترجمته، مع تأكيده المستمر في أكثر من حوار على أن «المترجم شريك الكاتب في العمل».

صالح علماني الذي تواجد أخيراً في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، باعتباره أحد أعضاء لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية. قال في حديثه لـ«البيان» «كما أتيت وترجمت عدداً من الكتب، سيأتي غيري ويكمل مسيرة الترجمة»، كما تحدث عن تفاصيل كثيرة حول تجربته مع الترجمة، من خلال الحوار التالي:

تعريب الواقعية السحرية

كنت أول من ترجم الأدب اللاتيني إلى اللغة العربية، فما الظروف التي دفعتك لتكون الترجمة خياراً؟

تزامن احترافي الترجمة مع ظهور لافت للرواية الأميركية اللاتينية تحديداً، وليس الأدب الأميركي اللاتيني بشكل عام، لأن الشعر في أميركا اللاتينية كان سابقاً للرواية ومنذ الأربعينات من القرن الماضي، ظهر الشاعر بابلو نيرودا، كما ظهر الشاعر قصير باييخو، ولمعت أسماء شعراء عظام آخرين، قبل ظهور الرواية.

وفي الستينات جاءت اندفاعة الرواية الأميركية اللاتينية، ممثلة في بعض الكتاب المهمين مثل ماريو بارغاس يوسا في البيرو، غابريل غاريسا ماركيز في كولومبيا، وكارلوس فوينتس في المكسيك، وآخرين في كوبا.

وهؤلاء الكُتاب سبقهم في الحقيقة خلال الخمسينات كتاب مهمون مثل ميغل أنخل أستورياس صاحب رواية «السيد الرئيس» التي أهلته للحصول على جائزة نوبل للآداب في العام 1967. ومن قبله الكاتب الكوبي أليخاندور ألفاريز.

وقد لا يتم تذكر هؤلاء أحياناً، ولكنهم في الحقيقة كانوا الإرهاص للواقعية السحرية، إذ كان أول من تحدث عن سحرية الواقع، في أميركا اللاتينية ألفاريز الذي قال: «إننا نعيش التراث الأفركوباوي أي الأفريقي الكوبي نحن حالياً نعيش تراثنا ونحياه».

أما الجيل الثالث من هؤلاء الكتاب فبرز منهم: غابرييل غاريسا ماركيز ..كارلوس فوينتس وآخرين، وكان التفات حركة الترجمة العالمية حينها مكرساً نحو هؤلاء الكُتاب، وتزامن هذا مع تعلمي للغة الإسبانية وإتقاني لها فخضت تجربة الترجمة ونجحت فيها.

هل واجهتك بعض الصعوبات وكيف تغلبت عليها؟

بالتأكيد، واجهتني الصعوبات، في البداية عندما تعلمت اللغة الإسبانية في مدريد، وهي تعتبر لغة غنية جداً، مثلها في هذا مثل اللغة العربية، فهي متنوعة اللهجات، لذلك تظهر في أميركا اللاتينية المشاكل كبيرة، فهي من حيث الأساس لغة إسبانية.

ولكن هنالك تسميات للأشياء تختلف تماماً بين بلد وآخر في أميركا اللاتينية، وتختلف عن إسبانيا أيضاً، وعندما بدأت الترجمة لم تكن هناك معاجم متخصصة، بعكس ما يحدث الآن، فعند كتابة أية كلمة يظهر لنا كيف تستخدم في التشيلي، وكيف تستخدم في المكسيك وكيف تستخدم في كوبا وهكذا.

وفي السابق كان معجم الأكاديمية الإسبانية يقول إن «كلمة كذا» قد تكون في أميركا اللاتينية بمعنى كذا يذكر بلداً واحداً فقط، مع عدم ذكر غيره من البلدان.

ومن هنا كانت المجازفة في الترجمة، صعبة جداً، حيث لا توجد معاجم تضبط هذه الاختلافات، مما يصعب على المترجم العمل. الآن أظن الأجيال الجديدة بعد تطور التكنولوجيا باتت تجد سهولة أكبر في هذه الفروق.

من وحي الترجمة

كيف يمكن أن تصنف هذا المترجم جيداً، وذاك غير جيد؟

يظهر هذا من مدى استيعابه لروح النص وفهمه لظلال المعاني الملقاة على النص الأدبي، وكيف يستطيع أن يعبر ويوضح هذه التفاوتات البسيطة في اللغة.

* هل لديك إحصاء دقيق لعدد الكتب التي قمت بترجمتها؟

** أذكر أني ذات مرة قمت بإعداد قائمة وكانت النتيجة 106 مترجمات، ولكن بعد هذه القائمة ترجمت 4 كتب أخرى، كما يوجد بعض الترجمات المنسية أيضاً.

هل هناك كتب تمنيت لو أنك ترجمتها؟

بالتأكيد هناك بعض الكتب التي تمنيت ترجمتها، ولكن كما أتيت وترجمت عدداً من الكتب، سيأتي غيري ليكمل المسيرة، وهناك عدد من المترجمين الجيدين.

كيف تختار ترجماتك، وإلى أي مدى يكون النص المترجم مخلصاً للأصل؟

لا أعتقد بوجود ترجمة أفضل من النص الأصلي في أية لغة، وخاصة بالنسبة للشعر، ولا يمكنني أن اختار نصاً للترجمة إن لم أحبه.

هل تعاونت مع مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في ترجمة أحد الكتب؟

تعاونت مع «كلمة» في ترجمة رواية واحدة وهي (الهدنة) لماريو بينيديتي.

جائزة البوكر

كنت واحداً من أعضاء لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في دورتها العاشرة، فكيف تقيم هذه التجربة؟

أنا سعيد جداً، بأن أقوم بهذا العمل، فهو أولاً يغني المرء ثقافياً وفكرياً، كونه يتيح قراءة عشرات الروايات المتميزة، تمثل تجربة بلدان عربية مختلفة، والشيء الثاني أني عملت مع لجنة التحكيم بنزاهة وبحب للكتاب الذين قرأنا لهم، وتوصلنا لنتيجة أنا راضٍ عنها وأظن أن الكُتَاب راضون عنها، وإن ظهر الاستياء على البعض وهم محقون لأنهم أيضاً يستحقون الفوز، ولكن الفائز واحد دائماً.

آلمني جداً أن كاتباً مثل إلياس خوري استبعد من الفوز، بينما فاز شاب صغير في السن وكان هناك إجماع على الإعجاب بروايته.

قرأت الروايات وترجمت الروايات فهل فكرت أن تكتب الرواية؟

بصدق فكرت بهذا، ولكني لم أفعل ربما لوجود عدة أسباب خاصة.

قلت في أحد حواراتك إنك موجود في كل ترجماتك، فأسلوب المترجم يفرض نفسه على النص، وأن من يعرفونك جيداً من أصدقائك يعرفون أين تتواجد في ترجماتك؟

بالفعل المترجم موجود في أعماله، وهو شريك للكاتب في العمل، حتى إن الهيئات القانونية في إسبانيا تعتبر المترجم «مؤلّفاً للترجمة»، ولكن في بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا الاعتراف.

البطل المتكتم

رواية البطل المتكتم من تأليف ماريو بارغاس يوسا، تدور أحداثها في مدينة بيورا البيروفية الساحلية حيث قضى فارغاس البيروفي الإسباني (77 عاماً) جزءاً من طفولته. وتمزج الرواية بين الفكاهة والميلودراما.

وفي الرواية، نجد أنه يشجع يوسا الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010 المجتمع على التمسك بالقيم الأخلاقية وشتى المبادئ، وقال عند طرح الرواية في مدريد إننا نعيش في عالم يؤدي فيه الطموح عادة إلى انهيار المبادئ والقيم.

بطاقة

صالح علماني، مترجم فلسطيني أقام في سوريا قبل أن يغادرها أخيراً إلى إسبانيا، ولد في مدينة حمص السورية عام 1949.

عمل في وكالة الأنباء الفلسطينية، ومترجماً في السفارة الكوبية بدمشق، ثم عمل في وزارة الثقافة السورية (مديرية التأليف والترجمة، والهيئة العامة السورية للكتاب) حتى بلوغه سن التقاعد عام 2009.

تخصص منذ أواخر السبعينيات في ترجمة الأدب الأميركي اللاتيني، فقدم عشرات الترجمات لأبرز كتاب أميركا اللاتينية، أمثال ماركيز، والليندي، ويوسا وآخرين. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية حول الترجمة. وأشرف على عدد من ورش الترجمة التطبيقية في الترجمة في معهد سيرفانتس بدمشق.

حصل على جوائز عدة منها جائزة جيرار دي كريمونا للترجمة.

مناهج

تتعدد مناهج حقل الترجمة، فإضافة إلى مناهج «الكلمة – بالكلمة» و«الحّس – بالحّس»، يمكن للمترجم أن يستخدم طيفاً واسعاً من المناهج التي تتفاوت أهميتها بحسب عوامل السياق لكل من الترجمة النظرية والترجمة المستندة إلى الدراسات العلمية. وبوجه عام فإن أبرز وأهم المناهج المستخدمة من قبل المترجمين:

* النّقحرة (نقل حروف لغة إلى حروف لغة أخرى).

* الاستعارة.

* الاستنساخ (التقليد اللغوي).

* التّحويل.

* التّضمين.

* الاختزال والتوسّع.

* التكيّف (التأقلم).

«الهدنة» لماريو بينيديتي

رواية الهدنة للكاتب ماريو بينيديتي من أروغواي، والذي كتبها على أنها مذكرات مارتين سانتومي بطل الرواية، وهو موظف أرمل يقترب من الخمسين أمضى حياته بين دفاتر الحسابات، ويرى أن الوقت فاته لتحقيق شيء مهم بعد بلوغه تلك السن..فتنطفئ روحه ويتحول لشخص حزين، ولكن ينقلب كل شيء فجأة عندما يتعرف على لورا، الموظفة الجديدة، إنها فتاة شابة لها من العمر نصف سنوات عمره. ولكن ذلك الحب لم يكن سوى هدنة مجرد هدنة من السعادة لن تستمر سوى شهور قليلة.

«باولا» لإيزابيل الليندي

رواية باولا تحكي عن باولا ابنة الروائية إيزابيل الليندي التي توفيت سنة 1992 بعد معاناة طويلة من داء فيرفيرين كما ترجمه علماني، وباولا غائبة في الكتاب كما كانت غائبة عن الوعي بفعل المرض. وإيزابيل هي الحاضرة في مرافقتها الدائمة لابنتها التي كانت في ال" 28 عاماً" عندما توفيت. إذ تتحدث بالكتاب، عنها وعن نفسها وعن تاريخ تشيلي.

وتقول إيزابيل، إنها بدأت كتابة كتابها في المستشفى بعد سقوط ابنتها، كان بداية رسالة لـ باولا علها تقرأها عندما تستيقظ.

«مئة عام من العزلة» لماركيز

"مئة عام من العزلة". رواية للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز، نشرت عام 1967، وطبع منها قرابة الثلاثين مليون نسخة، وترجمت إلى ثلاثين لغة.

ويروي فيها ماركيز أحداث مدينة من خلال سيرة عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال، والذين يعيشون في قرية خيالية تدعى ماكوندو ويسمون الكثير من أبنائهم في الرواية بهذا الاسم، ويبرز في هذه الرواية عنصر الخيال الذي يأخذ بالقارئ لعالم ماكوندو البسيطة، التي تنغصها صراعات بين المحافظين والأحرار وغيرها من الصعاب.