يناقش د. وفيق محمود سليطين، في كتابه «اللّغة العربيَّة في زمن العولمة.. التّحدّيات والآفاق».. واقع اللغة العربية في عالم اليوم، انطلاقاً من أن تدبّر المسألة اللغوية يزداد تعقيداً، في ظل ما ترسيه العولمة من سيطرة لغوية، تدفع بها وتعمّمها آلياتها الاقتصادية والثقافية والإعلامية.
ويرى أن إشكالية اللغة تتبدى في ارتباطها بغيرها من الإشكاليات الاجتماعية والثقافية، ويتساءل، هل يكفي، ضمانة للعربية، أن نسعى إلى تجديدها وعصرنتها؟ وهل يفي بإيجاد الحلول المناسبة التنادي إلى تفعيل عمل المؤسسات والمجامع اللغوية، أم أن هناك شروطاً أخرى تتعدى هذه الأطر؟ وإذا كان ذلك ما يجب التفكير فيه، فهل تكون الحلول متأتية من داخل اللغة أم من خارجها أم من الفعل المزدوج في كليهما معاً؟!.
يقول سليطين: «إن تأكيد ربط اللغة بحياة أمّة وتطورها، هو على درجة من الوضوح لا يحتاج إلى عناء في التماس ضروب البرهنة والتسويغ، وإذا كان الأمر كذلك عموماً، فإنه الآن، في مجرى تحديات العولمة أظهر وأبين؛ لأن تلك التحولات لا تنفكُّ، من مختلف الوجوه، عن لغة فاعلها. فالنموذج العولمي يصدّرُ لغته، عبر ثقافته كما يصدّر سلعة ويوحّد الأطراف عليها. وبالتالي فمن يحوز موقع الفاعل هنا يمتدُّ بلغته إلى الآخر، ويملي عليه نوع الاستجابة في مجالات العلم والمعرفة والاقتصاد، الأمر الذي يفرض على الآخرين انسحاباً نسبياً متدرجاً من خصوصيتهم اللغوية ومقوّماتهم الذاتية، ذلك أن العولمة، بما تسفر عنه من نزوع للتنميط تمحو خصوصيات المجتمعات المتأخرة وتلحقها بها.
ويعرض الباحث لدور المؤسسات والمراكز المعنية من جامعات، ومراكز، ومجامع لغوية في هذا السياق، ويعتبر أن التركيز على اللغة في ذاتها داخل هذه الجهات، ابتغاء تحديثها واختزال وجوه التعقيد في أنظمتها، وجعلها مساوقة لمستجدات الحياة في مختلف الشؤون، لم يكن ليفضي إلى النتائج المنشودة، إذ يأتي فعل تلك المؤسسات متأخراً. ويعزو ذلك إلى كون هذه المؤسسات ترى أن معالجة مشكلة اللغة تقوم داخل اللغة نفسها.
كما يشير إلى دور النهضويين العرب في تجديد اللغة والثقافة، ولا يغفل ما أدته حركة الترجمة من إسهام عميق في خدمة اللغة وتوسيع آفاقها، مذكراً في هذا السياق بمدرسة الألسن التي أشرف عليها رفاعة الطهطاوي في مصر، وبالمدرسة الصادقية التي أسسها بتونس خيرالدين التونسي. لافتاً إلى توجه النهضويين إلى تحديث اللغة بتوخَّى إحداث تغيير اجتماعي، وتوطئة لفهم إشكالية العلاقة بالآخر والتماس سبل مواجهتها.
ويدعو الباحث إلى التعامل مع ما أحدثته العولمة بدلاً من إدارة الظهر له، معتبراً أن هذا ليس أمراً اختيارياً؛ فنحن موجودون في العالم، وفي قلب تحولاته وأحداثه التي تنهض بعملية الهدم والبناء والخلق الجديد، على نحو لا ينفع معه الشجب والتقريع، ويقول: «إذا ما أردنا تنمية رأس مالنا الرمزي الذي تمثُّله اللغة، وجب أن يكون لنا موقع على خرائط التغيير، بحيث يكون حضور الذات اللغوي محصلة للفعاليات الحضارية، وليس مبدأً مكتفياً بذاته».
ويخلص إلى أن ضمان مكانة العربية في عالم اليوم والغد، موقوف على مدى الإسهام في صنع العالم والمشاركة في إنتاج سيرورته. ولن يتأتى ذلك إلا بالمقدرة على الانهماك فيه، على مستوى الذروة التي بلغها الآن، وبالشروط المؤهلة لذلك، وليس من وضعيات كابحة معطلة، أو متأخرة.