يوماً بعد يوم، تزداد أهمية الصور المرافقة للمادة الصحفية، لذلك يجب دراستها بعمق بصرياً ودلالياً؛ لأنها باتت من أهم وسائل النهوض بهذه المادة، وجذب انتباه القارئ إليها، كما أنها تقوم بتقديم معانٍ ودلالات إضافية لها. هذه الخصائص التي تتفرد بها الصورة الضوئية الناجعة، تجعلها شديدة التأثير في بصر وبصيرة متلقيها، ولهذا قيل إن الصورة الصحفية هذه تُعادل ألف كلمة، فهي نص بصري متكامل الشكل والمضمون، سهل الأخذ والتناول والتداول، عميق التأثير والفعل في عقل وقلب القارئ.
على هذا الأساس، يمكن تأكيد أن الصورة الصحفية لم تعد مجرد عنصر من عناصر عملية إخراج المادة الصحفية وتوازنها وانسجامها نصاً، وعناوين، وصوراً، وإنما باتت تُشكل الرافعة الرئيسة في عملية لفت انتباه القارئ إليها، ودفعه لقراءتها.
تهميش
يُشير الدكتوران محمد عبدالحميد والسيد بهنسي في كتابهما «تأثيرات الصورة الصُحفية.. النظرية والتطبيق»، إلى أن تنامي البحوث الصحفية وتزايدها، جاء في نهاية القرن العشرين، مع ملاحظة قلة الأبحاث التي تتناول أهمية الصورة الصحفية وتعبيرها عن السياسة التحريرية للنظم والمؤسسات الصحفية، ودورها في العمليات المعرفية للقارئ، بوصفها الأداة الرئيسة في جذب الانتباه، وتدعيم إدراك القارئ للنصوص اللفظية، وتقديم معانٍ إضافية، تعزز قيمة هذه النصوص، إضافة إلى تدعيم عملية التذكر لزيادة قيمة الصورة في هذه العملية، بما تُضيفه من معانٍ تتعدد بتعدد المثيرات التي تحتوي عليها الصورة الصحفية. مع ذلك، لا تزال الدراسات الخاصة بها غائبة، لاسيما لناحية علاقة الصورة الصحفية والمصور الصحفي ومصمم الصفحات، ودورها بعرض المعاني، أو تدعيمها للمعاني التي تقدمها النصوص الصحفية، غير أن التطورات المعاصرة في النظم الصحفية، وعلاقتها التنظيمية في الداخل والخارج، وتأثرها بالمستحدثات التكنولوجية التي تميز هذا العصر، وبصفة خاصة النظم الرقمية، فرضت زيادة الوعي بالأدوار المستحدثة التي يمكن أن تقوم بها الصورة الصحفية في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وبصفة خاصة تزييف الوعي، والإيحاء بأفكار وآراء ومعانٍ مغايرة.
مصداقية
يُؤكد الكتاب أن عوامل عدة بدأت تتدخل في عملية صياغة الصورة الصحفية، وتحديد دورها وهدفها، من قبل المصور الذي ينفذها، اعتماداً على المهارات الخاصة بالتغيير والتعديل والحذف والإضافة لمعالم الصورة، بفضل تقانات استخدام الحواسب الإلكترونية وبرامجها الرقمية، الأمر الذي جعل منها أداة قوية في مجالات الدعاية وتزييف الحقائق، إضافة إلى دورها كأداة في تقديم الحقائق وتأكيدها.
من هنا كانت الدعوة المستمرة للنظر إلى الصورة في إطار قيمتها في تأكيد مصداقية العملية الصحفية كلها، وتعزيز الحقائق والمعاني النبيلة لأهداف هذه العملية، ما يتطلب الاتجاه بالبحث العلمي في هذا المجال للكشف عن هذه الأدوار أو غيابها، إضافة إلى التأثيرات التي تتركها الصورة في ذاكرة القارئ في أي من الاتجاهات الإيجابية أو السلبية التي يستهدفها القائم بالاتصال، ويدركها القارئ.
علاقة
يدعو الكتاب إلى الاهتمام ببحوث الصورة الصحفية، وتوظيف ذلك لصياغة المعارف النظرية الخاصة بموقعها وعلاقتها بالعملية الصحفية بصفة عامة، وعملية الاتصال (الفوتوغرافي) بصفة خاصة. ولهذا تم تقسيم الكتاب إلى جزأين رئيسين: الجزء الأول تناول الإطار النظري لعملية إدراك المصور، ودلالات زوايا الكاميرا، ومعايير اختيار الصورة الصحفية على العمليات المعرفية للقارئ ودلالاتها، والأبعاد الأخلاقية والقانونية لاستخدامات الصورة الصحفية، بالإضافة إلى تأثيرات المستحدثات التكنولوجية بصفة عامة، والنظم الرقمية بصفة خاصة، على عملية التصوير ونشر الصورة في إطار الأهداف المعلنة وغير المعلنة للمؤسسات الصحفية.
أما الجزء الثاني من الكتاب فيرتبط بتطبيقات المعارف والتعميمات العلمية التي صاغها الجزء الأول، حتى تكتمل لدى القارئ والباحث الأبعاد النظرية والتطبيقية لدراسة الصورة الصحفية، في إطار أهدافها ووظائفها واستخداماتها وتأثيراتها المختلفة.
إدراك وتوظيف
يرى الكتاب أن التطور التكنولوجي وتفاعل المتغيرات الاجتماعية، خلال السنوات الأخيرة، أثر على زيادة الاهتمام والتعمق في دراسة جوانب العمليات الإدراكية للصورة الصحفية، انطلاقاً من أن دورها لم يعد مجرد إضفاء الجاذبية على الصفحات، وإنما المساعدة في تجسيد المعاني، وتكوين شخصية الصحيفة، وملاحقة الأحداث، وتحقيق فهم أعمق للمادة الصحفية. غير أن الفرد لا يقوم بتفسير الصور الصحفية في معانٍ مطابقة لها تماماً، ولكن التفسير يكون في إطار التفاعل بين الصور التي تم استقبالها وبين المعرفة ذات العلاقة، والتي يستعين بها المتلقي، وهذا ما يوضح عدم تطابق التفسير بين كل فرد وآخر، بتأثير التنشئة الاجتماعية، والتفاعل الاجتماعي، وغيرها من عوامل بناء المخزون المعرفي الذي قد يختلف من فرد لآخر.
التطور التكنولوجي والإشكاليات القانونية
أشار الكتاب إلى تزايد الأبحاث التي تهتم بدراسة ما يمكن أن تحمله السنوات المقبلة للصورة الصحفية، في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار المحاولات الدؤوبة التي تقودها الدول الصناعية المتقدمة في الشمال من أجل عولمة سائر مكونات المنظومة الحضارية، ما أبرز الأدوار الجديدة للإعلام وأدواته، حيث لم يعد الإعلام مجرد سلطة رابعة، وإنما أصبح يشغل موقعاً مركزياً في استراتيجيات إعادة بناء المجتمعات المعاصرة، سواء في الشمال أو الجنوب.
طرح الكتاب مجموعة من الآراء حول المهمة الحرجة للتصوير الصحفي في القرن الحادي والعشرين، منها رأي لجوليان نيوتن الذي يراها في ضمان تقديمها للحقائق في إطار من القيم والثقافة؛ لأن التكنولوجيا إذا كانت تقدم فرصة فريدة للمعرفة، إلا أنها لن تستطيع أن تحل المشكلات الإدراكية بسهولة، حيث تستطيع أن تكذب وتقدم زاوية واحدة في جزء من الوقت، ويمكنها تعديل الحدث عن طريق تعديل الصورة. وهذا ما ذهب إليه (بوتر) عندما أكد أن التوسع في استخدام تأثيرات تكنولوجيا التصوير الرقمي، سينجم عنه مشكلات قانونية وأخلاقية واجتماعية بسبب عملية تلفيق الصور الصحفية.