حبه للشعر كان دافعه للانطلاق في رحلة منذ سنوات، إلى أحد أحياء شمال كلكتا الصاخبة، وتحديداً إلى جوراسانكو ثاكورباري، مسقط رأس الشاعر الهندي الحائز على جائزة نوبل للآداب، روبندرونات طاغور، الذي احتفى العالم بالذكرى الـ 158 لولادته في 7 مايو.
وفي زيارته الثانية إلى الهند، يعتزم الشاعر والأديب ومترجم الشعر الإماراتي د. شهاب غانم، الحائز على شهادتين في الهندسة الميكانيكية والكهربائية، مواصلة استكشاف المنطقة الممتدة لمسافة 170 كيلومتراً إلى سانتينكيتان، حسبما أفاد لصحيفة «غلف نيوز».
حيث تقع الجامعة المفتوحة «فيشوا بهاراتي» التي أسسها طاغور، والذي قصّر الغرب في تقديره، فيما هو (شهاب) لم يستطع تحمل فكرة أن تضيع أعماله منه، فعمد إلى ترجمة عدد منها إلى العربية، إلى جانب عدد لا يحصى من الأعمال الأخرى التي نظمها شعراء معروفين من جميع أنحاء العالم من بيئات ثقافية متنوعة، مراكماً مخزوناً ثرياً من الحكايات التي تظهر كيف تشكل الأشعار وسيلة للربط بين الثقافات.
وشهاب الذي يؤكد في حواره مع الصحيفة نفسها، إيمانه العميق بأن الشعر جسر ثقافي وفكري يعزز تواصل الشعوب وانفتاحها ولقائها، يعد شاعراً عربياً مشهوراً، وقد تُرجمت أعماله إلى 18 لغة مختلفة، أما ترجماته العديدة نفسها فتشهد على سعي للتميز الأدبي بوجه عام.
وقد تحدث في هذا الحوار عن حبه لأشعار طاغور، وترجمته لأعماله، ومبادرته «قلب شاعري» في نسختها الأخيرة، ومحاولاته في اختيار «الأشعار التي تعبر الحواجز».
كان طاغور قد فاز بجائزة نوبل وفيما كان الشاعر منفتحاً جداً على الفكر الغربي وتأثيره في فنون المسرحية، كما تشهد على ذلك بعض الأغاني التي نظمها، كان الغرب تقليدياً بخيلاً في تقديره وحتى مشككاً بهذا الشاعر الهندي الشهير. فشعراء مثل ييتس، الذي كان جهوراً في مدحه للترجمة الإنجليزية لأعمال طاغور، كانوا شديدي النقد للشاعر في السنوات اللاحقة. وقد ذهب الغرب إلى حد التشكيك بفعالية منح جائزة نوبل لطاغور!
ويقول د. غانم: «استحق طاغور تماماً جائزة نوبل للأدب. في البداية لم أكن حريصاً جداً في التركيز على أعمال طاغور لأنه كان شاعراً محتفى به، أعماله تمت ترجمتها بشكل واسع. لكن بعد قراءتي مؤلفاته، شعرت بأنه من غير الممكن أن يضيع مني طاغور! فأشعاره تتصف بالثراء والروعة إلى درجة أنني أحببت ترجمة أعماله».
2013
ورداً على سؤال، وكونه الحائز على شهادة مزدوجة في الهندسة: كيف وجد في الشعر عالمه وإرواء لمهنته أو عدم تضارب معها، قال:
«رافقني الشعر طوال تلك السنوات وأنا طالب هندسة ولاحقاً خلال أيام دراستي الإدارة. وأثناء العمل على مشكلات هندسية صعبة كجزء من واجباتي المنزلية اليومية، كنت اقرأ بعض القصائد لإراحة ذهني». ويضيف: «ما ساعدني في تلك الرحلة كان ارتباطي بوالدي، محمد عبده غانم، الذي كان هو نفسه شاعراً بارعاً».
ويحكي غانم كيف أعجبه واجتذبه عالم طاغور الفكري والأدبي، أفاد د. غانم أن لذلك علاقة كبيرة بقراءاته لرباعيات عمر الخيام.. ويقول: «وجدت هذا العمل تحديداً رائعاً للغاية. وبعد تخرجي في الهندسة وتوجهي لاستكمال شهادة الدكتوراه، بدأت تدريجياً أهتم بشدة في ترجمة الشعر المنطوق بلغات أخرى إلى العربية. بعد ذلك، فزت بالعديد من الجوائز من الهند على ترجماتي، بما في ذلك جائزة طاغور للسلام في عام 2013».
حب غانم للأشعار قاده إلى مخزون ثري من الأدب العالمي، الذي يعبر الحواجز الثقافية واللغوية. وهكذا تعرف على أعمال طاغور وأحبها، ما قاده في النهاية إلى ترجمة الأغنية التي ألفها طاغور «اكلا تشالو ري». كجزء من مهرجان «القلب الشاعري»، الذي أطلقه غانم عام 2011، قرر ترجمة تلك الأغنية إلى العربية. كان هذا جزءاً من تعاون مع المنشد الكلاسيكي ديف تشاكرابورتي من الهند ومغنية الأوبرا المغربية جنين بنسودا.
ويضيف: «ترجمت الكلمات الجميلة لأغنية طاغور «اكلا تشالو ري» إلى العربية، محتفظاً باللحن والإيقاع نفسيهما كما في النص الأصلي. ولقد كان رائعاً حقاً كيف يمكننا استخدام اللغة العربية لإيصال المعنى نفسه كما في أغنية بنغالية معروفة، مع الاحتفاظ باللحن الأصلي دون تغيير».
وأضاف: «ديف أنشد الأغنية باللغة البنغالية، فيما أنشدت جنين بصوتها ترجمتي العربية للأغنية واتضح أنها شيء فريد من نوعه. وكان هذا تطور مثير جداً وآمل أن أشارك بالعديد من أشكال التعاون المشابهة في المستقبل».
تآزر
ترجمات الدكتور غانم لأعمال طاغور وغيره من الأشعار من أنحاء العالم تسلط الضوء مجدداً كيف يمكن تحقيق التآزر بين الثقافات بسلاسة.
يقول: «الأمر أشبه ببناء جسر ثقافي. كنت دائماً من الاتباع المتحمسين للشعر العربي، الغني جداً من حيث استخدامه للغة والصور وإلى ما ذلك. لكن لم أتوقف عند هذا، وبدأت في إيلاء اهتمام بشدة للشعر المنظوم بلغات أخرى. وهكذا تعرفت على الشعر الذي ازدهر في اللغة المالايالامية في الهند في أوائل القرن العشرين حتى اليوم وأجده مثيراً للاهتمام للغاية».
ويضيف: «لذلك توجهت لاختيار أشعار من مختلف الثقافات واللغات ذات القيمة العالمية. مثل تلك الأشعار لها جاذبية عالمية. في الواقع، عملت على صياغة التعبير «الشعر الذي يعبر الحواجز»، وهذا ما حاولت القيام به من خلال ترجماتي».