للمطر مكانة خاصة في مجتمعاتنا العربية، قديما وحديثا، فطالما مثّل مصدراً للإلهام لدى بعض الشعراء والكتاب. وبطبيعة الحال، لم تتأطر حكايات التعبير عن الابتهاج به لتنحصر في نمط مكرور وباهت، بل توالدت وتعددت لتصوغ روحية أهازيج وأغان شعبية رقيقة وشيقة تعكس الفرح بقدومه فتصف بهاءه وجماله. وقد غدا المطر مع هذا، عنوانا نادرا لفرحة الكبار والصغار معا، وشعارا لدلالات المحبة والوئام في المفهوم والعرف الاجتماعي،ليترسخ كمناسبة مهمة لجلو الحزن والكآبة من قلوب البشر، بموازاة غسله وإروائه الشجر والحجر.
أفرد التراث العربي مساحة مهمة لأهازيج المطر، والتي دأب الأطفال والنساء وحتى كبار السن، على التغني بها، وخاصة عند انحباس المطر وتأخره، لتبدو هذه حالة فريدة من نوعها في التراث العربي، على الرغم من اختلاف مسمياتها في مختلف الأقطار العربية، لتسمى في قطر :"طق طق". وفي فلسطين: "الشوربانه".
"شتي يا دنيي .. تيزيد موسمنا ويحلا". هذا مقطع من أغنية طالما رددناها جميعاً من بعد السيدة فيروز، وهي من أشهر الأغنيات الحديثة التي تتلاءم في ايقاعاتها مع موسم الأمطار. وهي ليست الأغنية الوحيدة في العالم العربي، وانما تعد جزءا بسيطا من مضمون التراث العربي في هذا الشأن، والذي أوجد مكانة مهمة لكلمة المطر في أبيات الشعر والأهازيج الشعبية، وكذلك الذاكرة الشعبية العربية، حيث قيل في كلمة المطر، الكثير من الأبيات الشعرية، وتحوّلت من مجرد وصف لقطرات المياه المتساقطة من السماء، إلى تصوير وتجسيد لحالات الحب والاغتراب.
وكذلك العزلة في بعض الأحيان. يجد المطلع أو الباحث في التراث العربي، وعلى الرغم من اختلاف الأقطار العربية، العديد من الأهازيج الخاصة بالمطر، والتي تردد كلمات عذبة في مزيج لحن شجي يتكامل في إطار وقالب الطقوس المخصصة لعادة او عرف مجتمعي يقص حكايات اللهفة والشوق والانتظار والحاجة الى قدوم المطر، وذلك طبعا في حالة تأخره واحتباسه. وفي المقابل، وجدت في التراث العربي عدة أهازيج أخرى، تقال فرحاً بنزول المطر. فمثلاً في التراث الإماراتي، دأب الأطفال قديماً على ترديد مجموعة من الأهازيج، فرحاً بالمطر وطلباً له، ومن أبرزها:
"طاحت عليه نفه .. قوموا اشترولي دفه
طاح المطر برعوده .. كسرحوي سعوده
طاح المطر بيد الله .. كسرحوي عبدالله
طاح المطر من فوق .. كسرحوي بن طوق".
ولقيت هذه الأهزوجة، وتحديداً في الإمارات، شهرة واسعة، لدرجة ان المخرج أحمد المنصوري، مدير قناة سما دبي، حولها، في عام 2010، إلى اوبريت غنائي جميل، عنوانه :"طاح المطر". وهو مستوحى من بيئة الإمارات وتراثها، ويتناول موضوع "المطر" الذي يشكل في نزوله، حالة فرح دائمة لدى الناس في المجتمع، إذ اعتمد المنصوري على ثيمة تراثية قديمة كان الأهالي يتغنون بها عند نزول المطر، وهي:
"طاح المطر برعوده/ كسّر حوي سعوّده". وذلك طبعا، مع بعض التحوير. فمن خلال هذه الجملة أسس بنيان الاوبريت الجديد، والذي يتكون من أربع لوحات، الأولى في استوديو التلفزيون، حيث تعلن المذيعة عن حالة الطقس الممطر. وتليها اللوحة الثانية التي تمثل احتفال الأطفال والناس عموما، بقدوم المطر. ومن ثم اللوحة الثالثة، والتي تعكس فرح جيل اليوم بالمناسبة، ثم يختتم العمل بلوحة الأهالي وهم يستمتعون بالتخييم والتجمع في البر الإماراتي الذي يزهو بالعشب ويصطبغ بالخضرة، بعد هذا الموسم البهيج: موسم هطول المطر .
كما تصور أهزوجة إماراتيه أخرى، أشكال التغني والفرح بالمطر:
"طاح المطر بيد الله
الله ايخلي عبد الله
عبد الله ربه الله
طاح المطر بيد الله
كسر حُوْي عبد الله
طاح المطر بغيومه
كسر حُوْي مريومه".
أما عند مشاهدة الغيم في السماء صيفاً، فكانت تهزج النساء الإماراتيات:
"غيم إلا دمامة .. والمطر وقته فات .. طوق وحط عمامة .. واصبر على الخلات انهى .. والشهامة أبو لولها الضيجات ...".
شراكة خليجية
يجد من يدقق في مضمون التراث الخليجي، أن هناك الكثير من الأشياء التي يتشارك فيها أهالي الخليج، والتي يعد من أبرزها أهازيج المطر وطرق استقباله وعملية الاستسقاء في حالة تأخره، وهي من الامور البارزة التي يتشارك فيها اهل الامارات مع بقية أهالي دول الخليج، فالناس في قطر والبحرين عموماً، يكادوا يتشاركون في الأغنية ذاتها، مع بعض الاختلافات، بين البلدين. ففي قطر دأب الاطفال على ترديد انشودة:
"طق يا مطر طق..
بيتنا جديد .. مرزامنا حديد".
وأيضا، ورد في التراث حكاية شيقة عن أن الأطفال كانوا قديماً، وعند نزول المطر، يخرجون الى الشوارع للاستمتاع به، وكانوا يصنعون قوارب صغيرة لتبحر في السيول التي تخلفها الأمطار. وأما التراث البحريني فهو لم يخل من الكلمات الموروثة للتعبير عن سقوط الأمطار، وهي رمز للخير، ومن أشهر أهازيج البحرين في هذا الخصوص:
"طك يا مطرك طك ... طك يا مطر طك ..
يا الله ازيده يا الله ازيده... طك يا مطر طك
بيتنا جديد ومرزامنا جديد...طك يا مطر طك".
وأما في الكويت، فكان الصغار يرددون أهزوجة أخرى، عند هطول المطر، فيقولون:
"يا أم الغيث غيثينا
خلي المطر إيينا
بلي إثويب راعينا".
وفي المقابل، لم تختلف أهازيج المطر في مدن العراق، فقد تشابهت هي الأخرى، في بعض كلماتها، وذلك رغم وجود بعض التحوير في كلماتها، من منطقة إلى أخرى، ومن أبرز ما كان يردده أطفال العراق قديماً، في ذلك الخصوص:
"مطر .. مطر عاصي
بلل شعر راسي
راسي بالمدينة
ياكل حبة وتينه".
" أنشودة المطر"
لم يقتصر التراث العراقي، على أهازيج المطر التي كان يرددها الأطفال فقط، وإنما تضمن أيضاً، إحدى أشهر قصائد الشاعر الراحل بدر شاكر السياب، وهي "أنشودة المطر"، والتي يقول مطلعها:
"عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر"
أغنيات
لم ترد أهازيج المطر فقط في التراث الخليجي، وإنما انتشرت في المنطقة العربية، ولكن مع اختلافات واضحة بين الدول في طريقة تناول هذه الأنشودة، وأيضا في اسلوب تلحينها وطقوسها، ففي مصر درج الأطفال، كلما رؤوا نزول المطر، على ترديد أنشودة طويلة، يقول مطلعها:
"يا مطرة رخي رخي
على قرعة بنت أختي
بنت أختي عاوزة تفرح
والفرحة ف أرض بعيدة
ريح الحزن فيها شديدة
وفقلبها دايما تجرح
يا مطرة رخي رخي
علي زرعة عم حسين
عم حسين عاوز ياكل
نام على خشبه المتاكل
كان نفسه يصلب طوله
وحبل حنينه المترخي...".
ويحفل التراث المصري بأنشودة أخرى، ربطها البعض مع موسم الأمطار، في حين أنه هناك من كان يرددها مع الأصدقاء في حلقة للعب، وتقول كلماتها:
"العنكبوت النونو
طلع فوق السطح
نزلت المطرة
نزلته تحت
طلعت الشمس
نشفت المطرة
والعنكبوت النونو
طلع تاني فوق".
التراث الشامي.. أهازيج غنية
يعد تراث منطقة بلاد الشام، فيما يخص موسم الأمطار، غنياً جدا بأهازيج المطر. ولعل أكثرها تلك التي جدت في التراث الفلسطيني، إذ كان لكل أنشودة مناسباتها، فهناك ما كان يقال طلباً لنزول المطر، وهي التي أطلق عليها تسمية "شوربنه". وهناك التي الاهازيج التي كانت تردد فرحاً بنزول المطر. وقد ورد في التراث الفلسطيني، انه في حالة تأخر نزول المطر، كان الأطفال يجتمعون في الأزقة، ويرددون:
"يا ربنا يا ربنا واحنا الزغار ويش ذنبنا
طلبنا الخبز من إمنا ضربتنا على تمـنا
يا ربنا ما هو بطر تعجل علينا بالمطر
يا ربي بل الشرموح
واحنا تحتك وين نروح".
وفي بعض القرى الفلسطينية، كان الرجال، إذا انحبس المطر وتأخر سقوطه، يذهبون إلى مقام أحد الأولياء ويقيمون فيه صلاة الاستسقاء. وأما النساء فكن يخرجن في المساء، ويلحق بهن الأطفال، فتحمل إحداهن طاحونة (جاروشة) على رأسها، وهي تضع في يدها شيئا من الفول اليابس، ومن ثم تقوم بطحنه أثناء سيرها. وهذا بينما تحمل امرأة أخرى، ديكاً ما وتقوم بضربه بين الحين والآخر فيصيح، وتردد النسوة أثناء ذلك:
"يا ديك يا بوق قنبره
عليش طلقت المره
يا ديك يابو عرف ازرق
يا ريتك في الميه تغرق
يا أم الغيث غيثينا بلي شيبة راعينا
راعينا حسن الأقرع لا بشبع ولا بقنع
راحت أم الغيث تجيب الرعود
ما أجت إلا الزرع طول البلاد
يا رب ما هو بطر بنطلب منك المطر
يا رب ما هو غيه بنطلب منك ميه
يا رب نقطه نقطه تنسقي حلق القطه
يا رب ليش هالطوله أكلنا طحينه الفوله
يا رب ليشه هالكنه أكلنا طحينة كرسنه".
وفي بعض القرى الأخرى، كان الأطفال يجتمعون في المساء، وكان يحمل كل واحد منهم بيديه، حجرين صغيرين، ومن ثم يطوفون على بيوت القرية بيتاً بيتاً، بينما ينشدون مجموعة أهازيج خاصة، وفي الأثناء يضربون الحجارة بعضها ببعض، ويرددون:
"يا ربي تسقينا الغيث.. يا ربي تسقينا الغيث".
فإذا وقفوا أمام أحد البيوت، يقولون:
"اسقونا يا دار الشيخ
اسقونا يا دار الشيخ
والميه عليكم زيــــخ
والميه عليكم زيـــخ"
وفي المقابل، تختلف هذه الأهازيج لدى الفلسطينيين إذا انهمر المطر بغزارة وروى الأرض، ففي هذه الحالة جرت العادة في الماضي، على أن يجتمع الأطفال في الساحات أو الشوارع الترابية، فيضعوا على رؤوسهم قطعاً من الحصر، أو ألواحا من التنك، ومن ثم يأخذون بالدوران في الطرقات، وهم يرددون:
"شتي يا دنيا شتي على صلعة ستي
ستي جابت صبي سمته عبد النبي
حطته بالطنجرة طلع صحن مجدره
حطته بالبير طلع راسه كبير".
وحتى ان هذه الانواع من الاهازيج موجودة في الأمثال الفلسطينية بشكل كثير. وذلك مثل : (ألقت الثريا ع الثرى)، (ألقحت الأرض)، (الثرى وصل الصينيه). وكان يتم تداول هذه الأمثال كثيراً، في شهري ديسمبر ويناير، اللذين يكثر فيهما المطر.
وبالطبع هناك يجب أن نذكر أن معظم الأهازيج الشعبية، تحولت مع مرور الوقت، إلى أغنيات تراثية أو شعبية عند الفلسطينيين، وأبرز الفرق التي تغنت بها، فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي صممت رقصات خاصة على ايقاعات هذه الأناشيد.
في المغرب العربي
لم يختلف التراث الشعبي العربي كثيراً، في شأن أهازيج المطر، بين مشرق المنطقة العربية ومغربها، وتكاد منطقة المغرب العربي تشترك في الطقوس ذاتها، خاصة في تونس وليبيا، علماً بأن بعض هذه الطقوس مأخوذ من التراث الأمازيغي. وهو مندمج بالموروث العربي، مثل:
"أمك طمبو" أو "تاغريت" باللغة الأمازيغية، و"أمك طمبو" التي هي عبارة عن هيكل لدمية يصنعها الأطفال، ومصممة على شكل عروس الربيع، ويستعملون لذلك لوحين خشبيين، على شكل علامة (+)، ومن ثم يكسونها بملابس نسائية، ويضعون على رأسها غطاء عادة ما ترتديه الفتاة العذراء (تاقيارت).
ويصنع هيكلها من الجوانب الخشبية لالة النسيج التقليدية (النول). وتصنع يداها من مغرف البازين أو العصيدة، والذي تقول الروايات الشعبية، إنه يحرّم ضرب الأخ أو الأخت به، ذلك لأن الضرب به يسبب العقم. وعندما يبدأ الأطفال بالطواف بها في الازقة والشوارع، يقوم الأهالي بنثر الماء والبقول( مثل: الحمص والفول) على موكبها.
وكلما مر الموكب بمنزل ما، يقوم اصحابه بتقديم هدايا للأطفال، ثم يتجه الموكب إلى أحد المساجد أو مقام أحد الأولياء، ويكون بصحبة الاطفال شيخ كبير. ويردد الاطفال، طوال الوقت، عدة أناشيد. وهي طبعا، اختلفت حسب طبيعة المنطقة، ففي مدينة صفاقس التونسية مثل، اً يرددون:
"أمك طمبو شهلولة
إن شاء الله تربيوتهم وّح مبلولة (وهذا تعبير عن أمنيتهم بالعودة الى وقد نزل المطر وبلل أمك طمبو أو عروس المطر
امك طمبو بسخيبّها (السخاب هو عقد تزين به المرأة جيدها، ويصنع من العنبر والعود وتكون له رائحة زكية)
طلبت ربي ما يخيّبها
امك طمبو يا لولاد
ان شاء الله تروّح بالواد
امك طمبو يا نساء
طلبت من ربي الشتا".
وفي التراث التونسي، لا يمكن فصل المطر عن الزراعة والفلاحة، ففي مناطق الجنوب التونسي، يردد الأطفال على الإيقاع أنشودة:
"مطر تجينا طول الليل
تروي غنم وإبل وخيل
مطر تجينا كل عشية
هز علي جمالك وتهيّا".
والأمر ذاته ينسحب أيضاً على ليبيا، والتي دأب الأطفال فيها، على ترديد عدة أهازيج، تشبه كثيراً ما جاء في التراث التونسي، ومن أبرزها:
"امك طمبو يا صغار
تبّي النو و النوار
امك طمبو فوق الحيط
امسح جرتها بالغيت (الغيث: وهو ينطق في أغلب المناطق الليبية بالتاء، بدلاً من الثاء).
ومن بين الأهازيج الأخرى التي يرددها الأطفال، عند نزول المطر في تونس وليبيا، أنشودة يقول مطلعها:
"يا مطر صبّي صبّي
صبّي على دار القبّي
والقبي ما عنده عشيْ
غير خبيزة بالطرشي".
وهذا في حين، أن الأطفال في المناطق الأمازيغية، ضمن منطقة الجبل الغربي الليبي، يتجوون وهم يحملون معم "أمك طمبو" : ( العروس)، والتي يطلق عليها أيضاً :"تاسلت ونزار" (بالأمازيغية). ويردد الأطفال، بلغتهم الأصلية (الأمازيغية)، الأبيات التالية:
"يا مبابا يا الله
نغل نزار نشاء الله
تاغريت ن ووال
تازال تازال
ان سوف ن ومنار".
كما أن معظم سكان المغرب العربي، لا يزالون، وحتى وقتنا الحالي، يمارسون هذه الطقوس، وخاصة في المناطق الريفية والقرى، انطلاقاً من اسطورة الأميرة "تيسيلت انزار"، أو عروس المطر، والتي تعود في أساسها، إلى قصص الميثولوجيا الإغريقية.
وتقول الأسطورة، إن إله المطر "انزار" ( مفردة انزار تعني المطر باللغة الأمازيغية)، لمح الأميرة الجميلة على ضفاف أحد الأنهار، حيث كانت تمارس عشقها الكبير للماء وينابيعه، فأحبها كثيرا. وتنازل عن مقامه العالي، وكذلك صارحها بحبه. ولكنها صدته بتعفف وحياء، واعتبر بمثابة الآية، نموذج علاقة بها خيانة لأسرتها وقبيلتها، ذلك رغم أنها أحبته هي الاخرى، بعد ان رأت منه تفانيه في التودد إليها.
وقابل الإله انزار صدها، بأن غضب وزمجر وحبس الماء عن قبيلتها، وكذلك ترك أرضها للجفاف والقحط. وعندما رأت الاميرة ما حل بأهلها، عادت لتستسمح عاشقها الكبير. ومن ثم لتعلن موافقتها على الزواج منه، مقابل إعادة الماء إلى القبيلة، وتقول الأسطورة إن "انزار" تزوج الأميرة، وحملها بين ذراعيه إلى السماء.
وأما حديثا، فظهرت خلال السنوات الماضية، مجموعة من الأغاني والأناشيد التي يرددها الأطفال في المدارس عند نزول المطر، ومن أبرزها: أنشودة للشاعر محمد الفاضل سليمان، تقول كلماتها:
"مطر مطر مطر اهزوجة البشر
تفيض بالخيرات كأنها الدرر
هدية السماء لارضنا الغنّاء
فتنتشي الاحياء و يورق الشجر
حياتنا ربيع وحلم وديع
ومرجنا بديع بفضلها المطر".
.. في الأدب العربي
اهتم الأدب العربي بالمطر كثيرا، مركزا على وصفه وذكر تفاصيل ودلالات السحاب والبرق والرعد وكافة الظواهر التي تصاحبه عادة. ولا يمكن أن نجد أدباً آخر، أكثر غنى من الأدب العربي في هذا الجانب. والسبب هو أن العرب أصلاً يعشقون المطر ويستبشرون به خيراً، وكذلك يرون فيه تشبيها لمعشوقتهم، فاذا سقط المطر وزاد، بشت وجوههم ورقصت قلوبهم فرحاً في هذا العرس الطبيعي البهي. وقد اجتهد العرب منذ القدم في التغني بالمطر، ويعد أمرؤ القيس أشهر الشعراء الذين كتبوا عنه وتغنوا به. وقد وصف البرق والمطر القوي، وقال في إحدى قصائده بهذا الخصوص:
أصاح ترى برقاً أريك وميضه
كلمع اليدين في حبي مكلل
يضيء سناه، أو مصابيح راهب
أمال السليط بالذبال المفتل
فأضحى يسح الماء حول كنيفه
يكب على الأذقان دوح الكنهبل
وأيضا قال عنترة بن شداد:
أو روضةً أُنُفاً تَضمَّنَ نبتُها
غيثٌ قليلُ الدِّمن ليس بمَعْلم
جادتْ عليها كُلُّ بكرْ حُرَّة
فتركنَ كُلَّ قرارة كالدرهم
سَحّاً وتَسْكَاباً فَكُلُّ عشيِّة
يجري عليها الماء لم يتصرَّم
ولم يكن المطر في حياة العرب، ليؤثر فقط على سلوكهم وطبائعهم وتصرفاتهم وحياتهم الاجتماعية، وايضا تحركاتهم الميدانية، بل أضحى ثقافة أدبية نقلتها آداب الشعوب وسطرها النثر والشعر. وإذا ما سبرنا أغوار الشعر العربي الفصيح والنبطي، سنجد أن الشعراء العرب، طالما دعوا لدار المحبوب بالسقيا، لا بل لقبر عزيز أيضاً. كما دعوا الغيم الى أن يجوب أرضهم لما في مكنونها من الخير العميم. وفي الدعاء بسقيا ديار الحبيب، يقول امرؤ القيس:
سقى دار هند حيث شطّت بها النوى
احم الذرى داني الرباب ثخينُ
وفي الدعاء بالسقيا في الرثاء، قالت الخنساء وهي ترثي أخاها صخرا:
سقى الإله ضريحاً جن أعظمه
وروحه بغزير المزن هطّال
ولكثرة حبهم للمطر، دأب العرب على تسمية أبنائهم بأسمائه المختلفة، فمثلاً كانوا يسمون: "مطر" و"مزنه" و"هتان". كما سموا: "المنذر بن ماء السماء" و"غيثا" و"غياثا". وذلالة ذلك ولع العربي بالغيث ومشتقات اسمه. وكذلك بسحائب خيره. وفي الشعر الحديث، اشتهرت القصائد عدة، تغنى أصحابها بالمطر، ومن أشهر ذلك ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش، في قصيدته "المطر الأول":
في رذاذ المطر الناعم
كانت شفتاها
وردة تنمو على جلدي،
وكانت مقلتاها
أفقا يمتدّ من أمسي
إلى مستقبلي..
كانت الحلوة لي
كانت الحلوة تعويضا عن القبر
الذي ضم إلهأً
وأنا جئت إليها
من وميض المنجل
والأهازيج التي تطلع من لحم أبي
نارا.. و آها..
كان لي في المطر الأول
يا ذات العيون السود
بستان ودار
كان لي معطف صوف
وبذار
كان لي في بابك الضائع
ليل و نهار... )
(على وقع المطر)
أبدعت نازك الملائكة، في وصف المطر والتغني به، من خلال قصيدة طويلة، حملت عنوان (على وقع المطر) والتي تقول فيها:
"أمطري، لا ترحمي طيفي في عمق الظلام
أمطري صبّي عليّ السيل، يا روح الغمام
لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام
وأحيليني، إذا شئت، جليدا أو رخام
اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّ
ودعي الأطيار، تحت المطر القاسي، تئنّ
أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن
زمجري، دوّي، فلن أشكو، لن يأتيك لحن.