لعل من حظ الإنسان أن الفيروسات التاجية بطبيعتها، يمكن تكسيرها بسهولة عبر الغسل بالصابون.
هذا ما أشارت إليه دراسات حديثة أكدت أن فيروس «سارس - كوف - 2» (CoV - 2 – SARS) الجديد هذا (المسمى كوفيد - 19) لا يمكنه العيش لأكثر من يوم واحد على الورق المقوّى (الكرتون)، ويومين إلى ثلاثة أيام على البلاستيك والفولاذ. ويعود ذلك إلى أن هذه الفيروسات لا تحيا طويلاً لأنها تحتاج إلى أجسام حية. وتقول سوزان ويز الباحثة بجامعة بنسلفانيا المتخصصة بدراسة الفيروسات، إن الكثير من جوانب هذا الفيروس لا تزال مجهولةً.
وللتوضيح فإن الفيروس الجديد، حسب صحيفة الشرق الأوسط، يختلف عن الإنفلونزا، لأنه يتسبب في حدوث مرض تختلف أعراضه عن الإنفلونزا، إذ إنه ينتشر ويُميت بسرعة كما أنه ينتمي إلى عائلة مختلفة من الفيروسات، هي الفيروسات التاجية.
وتضم عائلة الفيروسات التاجية 6 فيروسات أصابت الإنسان بالعدوى. أربعة منها (OC43، وHKU1، وNL63، و229E) تزعج الإنسان بشكل خفيف لأكثر من قرن من الزمان، مسببةً ثلث حالات نزلات البرد الشائعة. أما الفيروسان الآخران فهما MERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) وSARS (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) - أو كما يسميه بعض العلماء الآن «سارس - الكلاسيكي». وهذان الفيروسان يسببان أمراضاً شديدة. وقد أصبحت المعلومات عن هذه الفيروسات مهمة جداً للعلماء الآن مع انتشار الوباء الجديد.
تقدم تركيبة الفيروس الجديد بعض الجوانب عن سر نجاحه، فشكله كروي شائك. وهذه الأشواك، أو القرون، تتعرف على البروتين المسمى ACE2 الذي يوجد على سطوح خلايا الإنسان، ثم ترتبط به. وهذه هي الخطوة الأولى للإصابة.
وهكذا فإن «الشكل الخارجي لأشواك الفيروس تسمح له بالالتصاق بذلك البروتين أكثر من فيروس (سارس) الأصلي، ويبدو أن هذا هو سر انتقاله السريع من شخص إلى آخر»، كما تقول أنجيلا راسموسن الباحثة بجامعة كولومبيا. وعموماً فإنه كلما زادت شدة الارتباط –بين الفيروس والخلايا- قلّ عدد الفيروسات اللازمة للإصابة بالعدوى.
وإضافة إلى ذلك، هناك جانب آخر مهم، إذ إن أشواك الفيروس تتكون من نصفين مترابطين، وينشط الفيروس عندما ينفصل أحدهما عن الآخر. وفي حالة «سارس - الكلاسيكي» كان من الصعب فصل الترابط بين النصفين بينما في حالة «سارس - كوف - 2» يمكن كسر الجسر الرابط بين النصفين بواسطة الإنزيم المسمى «فيورين» furin الذي تنتجه خلايا الإنسان - والموجود في الكثير من الأنسجة الحية. ويقول كريستيان أندرسين، الباحث في «معهد سكريبس لأبحاث الدراسات المتعدية» إن «هذا الجانب على الأغلب، مهم لفهم الأشياء العجيبة التي يُحدثها هذا الفيروس».
وعلى سبيل المثال فإن أغلب الفيروسات التنفسية لها نهج محدد: إما إصابة الجهاز التنفسي العلوي وإما الجهاز التنفسي السفلي. وعموماً يمكن لعدوى الجهاز التنفسي العلوي الانتقال بسهولة، وتكون العدوى خفيفة، بينما تكون عدوى الجهاز التنفسي السفلي أصعب انتقالاً، إلا أنها أكثر شدة. ويبدو أن «سارس - كوف - 2» يتسبب بالعدوى لكلا الجهازين العلوي والسفلي، ربما لأنه يوظف إنزيم «فيورين» الواسع الانتشار. وهذه الضربة المزدوجة للفيروس ربما تفسر لماذا يمكنه الانتقال بين الناس من دون ظهور أعراض عليهم - وهي حالة أدت إلى صعوبة التحكم بانتشاره.
ولعله ينتشر إلى الآخرين عندما يكون موجوداً في الجهاز التنفسي العلوي قبل أن يتغلغل نحو الجهاز السفلي مؤدياً إلى أعراض شديدة.
إن كل هذه الأمور المذكورة يمكن أن تكون صحيحة إلا أنها لا تزال في طور الافتراضات، لأن الفيروس اكتُشف في يناير (كانون الثاني) ولا تزال جوانبه البيولوجية غامضة حتى الآن.
ويبدو أن الفيروس الجديد فعال في نقل العدوى إلى الإنسان رغم أصله الحيواني. ويوجد أقرب أقرباء «سارس - كوف - 2» لدى الخفافيش، ما يفترض وجوده أصلاً فيها، ثم قفز إلى الإنسان إما مباشرة وإما عبر أنواع حية أخرى. (ويتشابه فيروس آخر يوجد لدى حيوان البنغول البري مع «سارس - كوف - 2»، ولكن فقط في قسم صغير من الأشواك التي تتعرف على بروتين ACE2. وفيما عدا ذلك لا يوجد أي تشابه).
وعندما كان «سارس الكلاسيكي» يريد القيام بقفزة بهدف التعرف لأول مرة على البروتين المذكور، كان ينبغي عليه المرور بفترة للتحور. إلا أن الفيروس الجديد تمكّن من فعل ذلك من أول مرة. «لقد وجد فوراً أفضل طرقه لكي يصبح فيروساً يصيب الإنسان»، كما يقول ماثيو فريمان الباحث في كلية ماريلاند للطب.
إن الفيروسات التاجية مثلها مثل الإنفلونزا، هي من الفيروسات الشتوية. ومع ذلك فإن الفيروس الجديد لسوء الحظ ينتشر في كل الظروف. وحالياً فإنه ينتشر في كل بقاع الأرض، إذ ينتشر في سنغافورة الموجودة في منطقة خط الاستواء، وفي أستراليا التي شهدت فصل الصيف. وأشارت دراسة نمذجة لفيروس «كوفيد - 19» أنه يستطيع العيش في كل أوقات السنة. وتقول ليزا غرالينسكي الباحثة بجامعة كارولاينا الشمالية: «لا أعتقد أني أمتلك الثقة للقول إن الطقس سيؤثر على هذا الفيروس كما يأمل الناس».