في الصباح الباكر، وبعد بزوغ الشمس يبدأ الغواصون العمل، فينزل الغائص إلى البحر، ويمسك بحبل قصير اسمه (القلطة)، مربوط بأحد مجاديف السفينة، ويضع الزيبل، وهو الحبل الذي يربط به الحجر لإنزال الغائص إلى قاع البحر في رجله، والديين والفطام على رقبته، وكذلك الايدة، حيث يضعه الغائص ليجره السيب بواسطته، وهنا يكون الغائص جاهزاً للغوص.
إنه مشهد الغوص التاريخي الذي كان جزءاً من حياة دبي، والملفت في الأمر أن جيل اليوم لا يزال ينبض بروح الماضي العريق، إذ إن عدداً كبيراً من الشباب يتوجه إلى إحياء تفاصيل الأمس من الألف إلى ياء التراث بكل معانيه.
في زمن الغوص على كنوز البح ار من اللؤلؤ والدر الثمين كانت رحلات السفن الطويلة، بمثابة المدرسة الكبيرة التي يتعلم فيها الصبي الصغير فنون المهنة التي سيمتهنها في كبره، وسيدفعه والده الى مزيد من التمرس، وسيذكر على مسامعه أسماء رجال وغواصين ذاع صيتهم بين ربابنة السفن وفي أسواق اللؤلؤ لبراعتهم وبسالتهم ورجولتهم وحظوظهم.
عملية الغوص صعبة لا يجوز الخطأ فيها حتى لا يفقد الغواص حياته، حيث يفصّل الباحث عبيد بن صندل تلك العملية في كتابه ملامح من تراث الإمارات قائلاً: يستيقظ البحارة في الصباح الباكر فيصلون جماعة ثم ينهضون إلى العمل؛ فمنهم من يواصل فلق المحار، ومنهم من يغوص بحثاً عنه، ويقوم «السيب» بسحب الغواص عندما يتلقى إشارة منه، وتسمى تلك الإشارة النبرة، حيث يخرج الغواص وهو يحمل «الديين» وهو كيس مصنوع من خيوط مشبكة به عروة يعلقه الغواص برقبته أو بحبل «اليدا»، وعادة ما يضع الغواص في رجله حصاة من الرصاص تساعده في الغطس إلى قاع البحر، وعندما يصل إلى القاع يتخلص منها؛ فيسحبها السيب إلى أعلى ويبقى الغواص متمسكاً بحبل الانقاذ «اليدا» ويلبس الغواص في أصابعه ما يسمى «الخبط» لحماية أصابعه من الأذى والجروح عند اقتلاع المحار من بين الصخر، وعندما يكون هناك «دول» وهو حيوان هلامي يلسع لسعة مؤذية يقوم الغواصون بارتداء «لبس» وهو رداء مكون من قميص وسروال يغطي أجسامهم، ويقيها من تلك اللسعات. ويضيف: يمنع الغواصون من شرب الماء الزائد لأنه يؤثر في سرعة وصولهم إلى قاع البحر، فالماء يؤدي إلى انتفاخ بطونهم، وهذا ما يمنعهم من الغوص إلى الأعماق، وتتم عملية الغطس بالتناوب فتأخذ المجموعة التي غطست قسطاً من الراحة، وهي وقفة قصيرة يسترجعون فيها أنفاسهم ويجففون أجسامهم ويمكن لبعضهم أن يتناول فنجاناً من القهوة، ثم يعودون إلى الغوص حتى تحين صلاة المغرب التي تعلن انتهاء يوم العمل الشاق.
تعتبر مهنة الغوص من المهن الشاقة التي تعود عليها أبناء البحر ومارسوها واحترموا قوانينها، وكان العمل الخطر يقع على «الغيص» أو الغواص الذي ينزل إلى البحر واضعاً الفطام، وهو أداة تشبه الملقط على أنفه ليمنع دخول ماء البحر إلى الأنف، أو التنفس تحت الماء، ويمثل حبل «البدا» وسيلة الانقاذ له، حيث يهز الحبل عندما يرغب في الخروج من البحر؛ فيتلقى السيب تلك الإشارة ويبدأ بسحبه بسرعة كبيرة، لأن التأخير قد يؤدي إلى اختناق الغواص، وتسمى عملية الغوص هذه «تبه» وتكرر مرات عدة في اليوم حتى تغرب الشمس.
شخصية
فرج بطي المحيربي صائد اللؤلؤ
فرج بطي المحيربي، رجل أعمال وغطاس وصياد لؤلؤ متمرس، ارتبط بالبحر على مدى السنوات الستين الماضية، وهو رئيس مجلس ادارة جمعية الامارات للغوص. ارتقى من صبي مركب «داو» ليصبح قبطان سفينة لصيد اللؤلؤ. بعد عهد «صيد اللؤلؤ» بدأ يقوم برحلات غوص سنوية، ترَكّز معظمها في مناطق الساحل الغربي لدولة الإمارات، حيث يتم جمع الكثير من صدف المحار. على الرغم من الأنشطة البشرية والصناعية التي تدور على اليابسة، يركز فرج ملاحظته على حالة صدف المحار التي هو خبير بها. رسالته الدائمة تقول: «إذا كان المحار في صحة جيدة، فهذا يعني أن البحر في صحة جيدة، وحتماً سندرك ذلك. أما إذا كان المحار مريضاً، فالبحر مريض أيضاً، وسينعكس ذلك علينا جميعاً».
آلية
اللؤلؤ أملس وناعم ومائل للاستدارة
المحارة أو الصدفة بيت صغير يسكن داخله كائن بحري، وكل كائن بحري له طريقته الخاصة في الدفاع عن نفسه، فعند دخول جسم غريب مثل الحبيبات الرملية الخشنة أو كائن دقيق، يتأذى هذا الحيوان الرخو من التصاق هذا الكائن الغريب به، فيدافع عن نفسه للوقاية من هذا الألم بأن يفرز طبقات من الأرجونايت تعرف باسم عرق اللؤلؤ حول هذا الكائن الضئيل، فيبدو أملس وناعماً ومائلاً للاستدارة لكي لا يؤلمه، وتكون اللؤلؤة على شكل كروي عندما لا تكون المادة المهيجة ملتصقة بالمحار، ويستمر الحيوان البحري بإفراز الطبقات اللؤلؤية فتتكون اللؤلؤة الذي يعتمد شكلها وجودتها على قدر قوة إفراز الحيوان، وبواسطة الإفرازات أيضاً يصبح داخل المحارة لامعاً أملس، وهذا السطح اللماع هو الذي يساعد على تكون اللؤلؤة فيعطيها الضوء اللازم. وهذه اللؤلؤة التي تكونت من تلك الطبقات المتراكمة تعكس بريقاً مميزاً يعرف باسم لؤلؤة الشرق.
تاريخ
اللؤلؤ الياباني ينافس الطبيعي
بقيت أعمال الطواويش مزدهرة لحين ظهور اللؤلؤ الياباني، الذي لا يختلف عن اللؤلؤ الطبيعي في الشكل أو اللون، ولا يمكن التمييز بينهما إلا بالأشعة السينية أو بعض الأجهزة الدقيقة كالاندوسكوب، وصار منافساً للؤلؤ الطبيعي في الأسواق، وأدت كثرة إنتاجه إلى انخفاض قيمته، ما أصاب أغلب التجار بخسائر فادحة قضت على تجارة اللؤلؤ في النهاية.
مكان
الهيرات أماكن يسكنها اللؤلؤ
توجد اللآلئ في أماكن تسمى (الهيرات) ومفردها (هير) في الخليج، ولكل هير منها اسم يدل على صفتها، أو اسم التصق بالمكان بسبب حدث جرى فيه، أو على اسم رجل عثر عليها أو على لؤلؤة ثمينة فيها، ويبلغ عدد الهيرات في الخليج العربي وساحل عُمان حوالي 412 هيرا وهيرات الخليج الجنوبية هي الأكبر حجماً والأجود لؤلؤاً، وهذه الهيرات تتبع لسواحل الإمارات ومياهها الإقليمية، وهي تمثل ما نسبته 80% من هيرات الخليج العربي.
عبدالله المازمي يغوص في البحار بحثاً عن الهوية
اتجه عبدالله المازمي إلى ممارسة هواية الغوص التي أتاحت له السباحة في الفضاء المائي ومشاهدة الحياة الفطرية المليئة بالغرائب والعجائب، حيث كان يسمع الكثير من والده الذي يعشق البحر، ما زاد عشقه لممارسة هوايته المفضلة. بدأ المازمي الغوص بالأجهزة الحديثة المزودة بالأوكسجين وهو يتأهب للغوص بطريقة الآباء والأجداد عند تحسن حالة الطقس. كما يدعو الشباب الى ممارسة هذه الهواية لما فيها من فائدة، ومن خلالها يقف متعجباً لما خلقه الله من عجائب فيزيد إيمانه وتقواه. واتجه عبدالله المازمي إلى ممارسة هواية الغوص التي أتاحت له السباحة في الفضاء المائي ومشاهدة الحياة الفطرية المليئة بالغرائب والعجائب، حيث كان يسمع الكثير من والده الذي يعشق البحر، ما زاد عشقه لممارسة هوايته المفضلة. بدأ المازمي الغوص بالأجهزة الحديثة المزودة بالأوكسجين وهو يتأهب للغوص بطريقة الآباء والأجداد عند تحسن حالة الطقس. كما يدعو الشباب إلى ممارسة هذه الهواية لما فيها من فائدة، ومن خلالها يقف متعجبا لما خلقه الله من عجائب؛ فيزيد إيمانه وتقواه. ويؤكد أن الأساليب القديمة للغوص لا يتحملها الا رجال اشداء, قادرون على امتطاء المخاطر من اجل لقمة العيش, حيث يعتبر البحر سلة الغذاء التي يعتمد عليها, وليس للترفيه، كما حاصل الان, فأنا اشد على ايدي من يحيون التراث تكريما للآباء والأجداد، الذين قضى معظمهم وهم يصارعون هموم البحر وقساوته للظفر بلقمة العيش.
علي صقر السويدي
وأول فيلم في الأعماق
نشأ علي صقر السويدي، رئيس مجموعة الإمارات للبيئة البحرية، على عشق البحر وحب الغوص والبحث عن اللؤلؤ، أسوة بوالده، حيث ألف سماع قصص وأخبار الأجداد من والده ورجال البحر، التحق مبكراً بالبحر حين كان في الثامنة من عمره، وكانت تستهويه أفلام الكابتن جاك ايف كوستو، مستكشف البحار، ومنذ ذلك الحين وفكرة تصوير الأفلام البيئية تراوده، سعى منذ عام 1987م على تأسيس مجموعة تقوم برحلات غوص سنوية، وأطلق عليها رحلات الوصل بدعم من سمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم، من حيث المعدات والقوارب، وفي عام 1988 بدء تصوير أول فيلم توثيقي تحت الماء من خلال رحلة الوصل الثانية، وحصل الفيلم على جائزة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وقد حصل السويدي في عام 2009 على جائزة «بيش براون» للتاريخ الطبيعي والمقدمة من مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي وكان أول شخص عربي يحصل عليها.
منى الخاجة تعرض تاريخ اللؤلؤ في 83 لوحة
الفنانة التشكيلية منى الخاجة افتتحت معرضها الخاص في 2009 والذي جاء بعنوان «اللؤلؤ»، حيث ضم المعرض 38 لوحة مثلت في مجملها تجربة لونية مشغولة بعناية استفادت من مفهوم التجريد، لتعكس من خلالها الخاجة مفهومها للانسان والتحدي الذي يواجهه مستفيدة من بعض ثيمات التراث الإماراتي التي ظهرت في اللوحات سواء على شكل انساق تعزز البعد البصري في اللوحة الذي استند على قوة اللون وحسن استخدام الفرشاة.
دانة الحواس
بينما كنت حاضرة مع الأهل في مهرجان التسوق في قرية التراث والغوص اشتريت كيساً من المحار، وقام أحد الشواب بفلفه في مركبة قديمة موجودة في وسط القرية، وبعد وهلة بدأ الرجل بالامعان في وجهي، وأنا متعجبة، وبعدها طلب مني التقرب منه، وأراني شيئاً داخل المحار، وسألني هل تعلمين ما هذا؟ فأجبته ماذا تقصد؛ فقام بإخراج دانة من المحار وصاح الرجل بالحضور قائلاً: «دانة دانة يا جماعة الخير»، واجتمع الناس لرؤية تلك الدانة وكانت تلك اللحظة من أجمل اللحظات في حياتي، كما تقدم احد الحضور وطلب مني بيع الدانة بمبلغ 30 ألف درهم، إلا أنني رفضت وذلك للحفاظ عليها مدى الحياة.
إبراهيم العوضي
في لوحة معاناة بحار
استلهم الفنان التشكيلي إبراهيم العوضي رسوماته وألوانه من الطبيعة؛ ففي طفولته تعلم أن يوسع مداره بالتأمل في مكونات الطبيعة، حيث كان يذهب مع كبار السن إلى البحر، فأذهله الفضاء الغامض الذي يبدو ازرق اللون، فيما تمر في أعماقه غوامض لا حصر لها من الأسرار والمجاهيل، شارك في العديد من المعارض ومن لوحاته التي شارك بها لوحة «معاناة بحار» استخدم فيها العوضي مفهوم التكعيبية، وهي تتناول مرحلة الغوص وصيد اللؤلؤ، وتصور، حسب ما يقول، معاناة الحياة أيام البحر، وفي الصورة رسم السفينة تجنح جراء العاصفة، فيما البحّار يقبض على الدفة ويتشبث بالحياة، وبإمكان من يشاهد اللوحة أن يستدل على معالم التراث بصورة واضحة.
معاذ سلطان آل علي
وبطولة فزاع للغوص الحر
تصدر الإماراتي الشاب معاذ سلطان آل علي زملاءه الغواصين في مسابقة بطولة فزاع للغوص الحر، وتحقيقه المراكز الأولى، بعد أن غاص بالطريقة التقليدية للأجداد بحثاً عن المحار ومكنونه من اللؤلؤ بزمن مقداره 3,13 دقائق، ما أكسبه الثقة بالنفس والتحمل والصبر، الأمر الذي أشعره بالفخر بهذه الهواية؛ فهي الرئيسية بالنسبة له، لأنها من تراث الأجداد ويطمح آل علي إلى أن يطور نفسه أكثر للوصول إلى الأرقام العالمية.
مريم الحجي هوى
في عشق البحر
تقول الفنانة التشكيلية الشابة مريم الحجي: أعشق التراث ومتعلقة فيه لدرجة كبيرة ومعظم لوحاتي تكون فيها بصمة تراثية، تميزني عن غيري وأحب رسم كل شيء يخص البحر، لأنه نعمة من نعم الله علينا، وفي غالب الأوقات اذهب إلى شاطئ البحر، وأتأمله لساعات، وأتخيل سفينة شراعية بها مجموعة من الغواصين، وهم يتأهبون للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وكما هو معروف أن الأجداد تعلقوا بالبحر بشكل كبير لما فيه من فوائد ورزق.
تقول الفنانة التشكيلية الشابة مريم الحجي: قراءة البحر تنقلك إلى عوالم لا يتخيلها عقل. انه خطوط الطول والعرض، يختزن ذكريات وأحلام أناس ذهبوا لجني الرزق؛ فمنهم من عاد الى اهله، وهم ينتظرونه مهللين، ومنهم من قضى داخل البحر فالقي به في الأعماق ليستقبل أهله الخبر مكبرين. ان البحر صراع بين الحياة والموت؛ فأنا أعشق التراث ومتعلقة به لدرجة كبيرة، ومعظم لوحاتي تكون فيها بصمة تراثية، تميزني عن غيري، وأحب رسم كل شي يخص البحر، لأنه نعمة من نعم الله علينا، وفي غالب الأوقات اذهب إلى شاطئ البحر، وأتأمله لساعات، وأتخيل سفينة شراعية بها مجموعة من الغواصين، وهم يتأهبون للغوص بحثا عن اللؤلؤ، وكما هو معروف أن الأجداد تعلقوا بالبحر بشكل كبير لما فيه من فوائد ورزق.