«فن العيالة» هو صوت النصر والبطولات والشجاعة، والحنجرة الشجية التي تذكرنا بأمجاد الماضي المشرف لموروث مادي عريق، يحكي ويمثل في جميع المناسبات الوطنية والاجتماعية التي تقام في الإمارات وخارجها، وبسبب الشهرة الواسعة لهذا الفن الأصيل وأهميته كموروث شعبي يعكس هوية وتراث الوطن، تم تسجيل فن «العيالة» في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو.
أوضح راشد سعيد العبدولي، منسق فرقة العيالة في إمارة الفجيرة، أن فن العيالة يعد من أكثر فنون الأداء الشعبية انتشاراً في الإمارات، ويشتهر بها أهل الساحل وأهل البادية أيضاً، ولها مدلولات وطنية وحماسية تحاكي مشهد المعركة والنصر والبطولات، من خلال اصطفاف رجال الفرقة في صفين متقابلين، ويكون أفراد كل صف متلاصقين جنباً إلى جنب، ويضع كل واحد منهم يده اليسرى خلف ظهر الآخر، ليؤدوا حركات متناوبة، معتمدين على تحريك رؤوسهم وأكتافهم، مستخدمين العصي التي يحركونها مع لحن الطبول المصاحبة للفرقة.
ويقود فرقة العيالة «قائد الفرقة» الذي يحدد الإيقاع والمقامات ويوجه بها أفراد الفرقة، المكونة من «اليويلة» أو «الجويلة»، الذين يتحركون مع إيقاع الطبول، مستخدمين العصي والتلويح بالسيوف، أما في المناطق الجبلية فتضاف لها البنادق التي يلقونها في الهواء ويلتقطونها في حركات استعراضية تعكس الحياة العربية الأصيلة بكل ما تحمله من ماض مشرف وفروسية وبطولات.
ويشير العبدولي إلى أن العيالة عند البدو يضاف لها حمل «البندقية» ويسمى فن «الرزيف» الذي تحول في مسماه إلى «الحربية»، ويقول إن فن العيالة معروف عن أهل الخليج مع اختلاف المسميات، حيث يسمى بالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين «العرضة» وفي سلطنة عُمان «العيالة» و«الرزيف».
فنون ومقامات
يؤدى فن العيالة في جميع الأوقات اليومية، ويعتمد على أربعة مقامات ومسميات مختلفة، وهي؛ مقام «العميري» ويبدأ بعد صلاة العصر، و«البداوي» ويكون أداؤه قبل غروب الشمس، أما «التعوشير» فيمثل خاتمة عرضة الخيالة وينشد قبل أذان المغرب، والمقام الرابع هو «المشي» وينشد في زفة العريس، حيث تصطحب الفرقة العريس باتجاه منزل العروس.
يقول العبدولي: تحكي أهازيج العيالة أشعاراً نبطية يرسلها شاعر من كلمات مرتجلة خارجة من سجية الشاعر، لكل ما يجوب في خاطره من مشاعر، تفاعلاً مع أحداث اجتماعية ووطنية وبطولات وشجاعة وفروسية فضلاً عن الغزل، وتعتمد على اللحن الصوتي وقوة الحنجرة، ولا تستخدم في هذا الفن الآلات الموسيقية.
وتُقام عروض العيالة في حفلات الزفاف والمناسبات الوطنيّة والاحتفالات الأخرى. وعادةً ما يبدأ المؤدي لأهزوجة العيالة بالسلام على الجمهور، وبعدها يبدأ بـ«الونه» التي تعتمد على الألحان الغنائية الشجيّة التي تضفي جواً من الشجن والشوق والحنين والهدوء. وأحياناً يقوم فنانان بغناء الونة متبادلين الأبيات الغنائية، وعادةً ما يُدخل مُغنّي «الونّه» أبياتاً من الشعر النبطي الذي يتميّز بلغته العامية. وعادةً ما يتم أداء «الونه» في ختام العرض.
من جانبه، يرى عبدالله الشاعر، من فرقة دبا الحربية، أن فن العيالة هو أقرب لـ«اليولة» التي يؤديها الشباب والشواب في المناسبات والأعراس، عبر الإمساك بالسلاح وتدويره باليد فوق الرأس أو من الأمام، ولكن تتميز العيالة باستخدام الطبول و«الطيوس» في حين تعتمد «اليولة» على الإمساك بالسلاح.
شجن بإيقاع الطبول
من جهة أخرى، يتحدث عبيد حسين المطوع، المهتم بالشأن التراثي، عن الأدوات الإيقاعية التي تستخدمها فرق العيالة، ويقول: «عادة ما تتكون فرقة العيالة من 50 شخصاً وكلما زاد العدد زادت قيمة الفن وأداء الفرقة التي تعكس روح المروءة والشهامة. وتعتمد فرق العيالة على الطبول بشكل رئيس، ومنها طبول «الرأس» ذات الحجم الكبير، و«التخامير» بالحجم الأصغر التي تساعد حامل طبل الرأس على ضبط الإيقاع، و«الطيوس» المصنوعة من النحاس، فضلاً عن «الطار» أو الدف، واستخدام عِصي الخيزران الرفيعة التي ترمز إلى الرماح والسيوف».
وعلى الرغم من أهمية فن العيالة باعتباره من أهم أنواع التراث الشعبي المادي الذي اشتهرت به الإمارات منذ القدم، وأدرجته الـيونيسكو عام 2014 ضمن «القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية».
إلا أن فن العيالة في تراجع بحسب المطوع الذي أشار إلى أن «العيالة» وعلى الرغم من اهتمام العديد من الجهات الرسمية بالفنون الشعبية في كل إمارات الدولة، إلا أن شباب اليوم ابتعد بعض الشيء عن هذا الموروث المادي العريق، بسبب تداخل وظهور بعض الفنون الشعبية الأخرى، عدا عن التطور الطبيعي للحياة.
وينصح شباب الإمارات بضرورة إعادة إحياء هذا الموروث الذي يذكرنا بأمجاد الآباء والأجداد ويحكي انتصاراتهم وبطولاتهم المشرفة.