تعدّ الوثائق البريطانيّة، من أهم المصادر التاريخيّة التي ينهل منها الباحثون والمتخصّصون والعلماء علماً وأخباراً ومعلومات مفيدة، بغضّ النّظر عن وجهة نظر مدوّنيها، أو ما تمثّله من سياسة وإدارة الحكومة البريطانية في المنطقة.

وبين أيدينا في هذه الحلقة، وثيقة مهمّة، هي في الأصل: «تقرير عن إدارة المقيمية السياسية في الخليج العربي، والوكالة السياسية في مسقط لسنة 1880-1881»، نشرتْه/‏‏ها، السلطة البريطانيّة عبر مطبعة وزارة الخارجية في كلكتا بالهند، ويشكّل جزءاً من مجموعة مختارة من سجلّات حكومة الهند- وزارة الخارجية، تحت رقم: 181. وهذا التقرير ضمن تقارير مرسلة إلى حكومة الهند البريطانيّة من المقدّم إدوارد تشارلز روس، المقيم السياسي في الخليج العربي، حينذاك. والتقرير مسبوق بنسخة من رسالة أرسلها روس إلى السير ألفريد كومين ليال، سكرتير حكومة الهند، بتاريخ 14 يوليو 1881.

والمقدّم إدوارد تشارلز روس (Lt. Col. Edward Charles Ross)، المولود في بريطانيا في 23 سبتمبر 1836. تلقّى تعليمه الأوّلي في أكاديميّة إدنبرة، ثمّ التحق بالأكاديميّة العسكريّة بإدنبرة، وتأهّل تأهيلاً عسكريّاً عالياً، وأتقن فنون الحرب والإدارة الحربيّة والإمداد الحربي. ثم عمل في الخدمة العسكريّة لشركة الهند الشرقيّة عام 1855، وبعد عمل دؤوب في أكثر من موضع في الهند، انتقل للعمل في الخدمات السياسيّة البريطانيّة في الهند عام 1863.

ثم في عام 1869 انتقل للعمل مساعداً للمقيم السياسي البريطاني في مسقط، ثمّ سرعان ما أصبح مسؤولاً سياسياً في عُمان من عام 1871 حتى عام 1891. وكان الممثّل السياسي لحكومة الهند البريطانية الأطول خدمةً في هذا المنصب. كان المقر البريطاني في بوشير (بوشهر الحالية)، ، يقوم بمهام السفارة، وكان يمثّل المصالح البريطانية في الإمارات وعُمان والبحرين والكويت وقطر. وبعد تقاعده، أقام في بريطانيا حتى وفاته في 13 فبراير 1913.

أمّا السير ألفريد كومين ليال (Alfred Comyn Lyall)، فهو مؤرّخ، وسياسي، وشاعر، وأديب، وإداري، بريطاني شهير، وُلد في بريطانيا في 4 يناير 1835، وبعد تعلّمه التحق بالخدمة المدنيّة البريطانيّة في الهند عام 1856، ثمّ تنقّلتْ به الأحوال في ميادين الإدارة البريطانية في الهند، ومنها تولّيه سكرتارية حكومة الهند البريطانية. كما أسهم في عدد من الجامعات الهندية، وبعد تقاعده عاد إلى بلده وتوفي هناك في 11 أبريل 1911.

أمّا الملحق بالتقرير، فهو بعنوان: «ملاحظات حول صيد الأسماك في منطقة الخليج»، أعدّه المقدّم آي ماكآيڤور (Lt. I MacIvor)، مساعد المقيم السياسي في الخليج العربي، وأُلحِق بالتقرير الأصلي. وهو في ظنّي من أجمل وأهم ما كُتب عن الإمارات وبلدان الخليج العربي في ما يتعلّق بصيد الأسماك، وطرق الصيد، وأماكن الصيد، وسفن الصيد، وأنواع الأسماك، ووسائل الصيد. وربما يعدّ هذا التقرير، أقدم مصدر مكتوب، في ما أحسب، عن أسماء الأسماك في الإمارات ومنطقة الخليج العربي، وأسماء السفن، بل وطرق الصيد التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.

وفي مقدّم هذا التقرير الملحق، يرد فيه أنّ الأسماك الطازجة والمملّحة، والتمور، والبصل، والشعير والأرز، تعدّ المكمّلات الغذائيّة لعامّة أهالي الخليج العربي. ويلمح إلى أنّ كمّيّات كبيرة من الأسماك المجفّفة والمملّحة، وزيوت الأسماك، تُصدّر من المناطق الساحليّة إلى المناطق الداخلية، وبعضها يصدّر إلى خارج منطقة الخليج العربي. وتعد بالتالي من التجارات الرائجة الداعمة لتجارة اللؤلؤ. ويحدّد عدداً من المناطق التي تأتي على قائمة أماكن الصيد في المنطقة، منها المنطقة الساحليّة..عبر خطوط ومناطق عديدة.

أوقات وسفن الصيد

يذكر ماكآيڤور، أنّ صيد الأسماك يحدث في كلّ أوقات السنة، ولكن يشير إلى أن كثرة الصيد بُعيد الانتهاء من مواسم الغوص المعتادة. ثم يقول إنّه من أفضل مواسم صيد الأسماك، هي التي تمتدّ أوّلاً من فبراير إلى نهاية مايو، ثمّ ثانياً: بين شهرَي أغسطس ونوفمبر.

ويحدّد التقرير أسماء سفن وقوارب الصيد، بما يلي:

1- البقّارة، وتحمل على متنها بين أربعة وثمانية رجال، ويمكن أن يصل أعداد الصيادين عليها إلى عشرين شخصاً.

2- البتّيل، ويتراوح عدد الصيّادين عليها بين 8 و15 فرداً.

3- الماشوّة وعليها ما بين 2 إلى 8 أشخاص.

4- البوم، واشتهر الكويتيون بالصيد عليه، ويحمل على متنه ما بين ستة وثمانية رجال.

5- الشوعي، وكثر استعماله في البحرين والقطيف والكويت، ويعمل عليه من اثنين وثمانية صيّادين.

6- البدن، وكثر استعماله في عمان، ويحمل على متنه ما بين 3 إلى 5 رجال.

7- الجالبوت، ويعمل عليه ما بين 4 إلى 8 رجال.

8- الهوري، ويعمل عليه شخص واحد أو اثنان.

9- الشاشة، وهو قارب صغير مصنّع من جريد النخل، ويعمل عليه شخص أو اثنان. وأزعم أنّ هذه أول إشارة إلى هذا النوع من القوارب في وثيقة رسميّة.



طرق الصيد

حدد التقرير طرق الصيد كالتالي: 1- الصيد بالسالية، ويمكن أن يصيد بها شخص واحد، ويضعها على كتفه ثم يرميها في المياه الضحلة، ثمّ يقوم بسحبها، ويصيد بها: الميد، والبياح، والشعم، واليَنم، والبدح، والصيد بالسالية يتمّ طوال مواسم العام.

2- الكاروف أو الشباك، وهي شبكة، تبلغ نحو 20 ياردة، وعيون أو فتحات هذه الشبكة يتراوح اتّساعها ما بين ربع ونصف بوصة. وعادة ما توضع في المياه الضحلة، ويقوم الصيّادون بضرب المياه بأيديهم، دافعين الأسماك للوقوع في الشبكة التي تصيد الأسماك نفسها المذكور في السالية. ويذكر التقرير أنّ الصيد بهذه الشبكة غالباً ما يتمّ في أوقات الحرّ، ليلاً ونهاراً.

3- الجاروف أو الياروف، وهي شبكة شبيهة بالكاروف، ولكنّها أطول منها، وفتحاتها ما بين بوصة ونصف إلى بوصتين. ويُصاد بها في ما يصل نصف قامة في المياه، ويعمل عليها ما بين 20 إلى 30 رجلاً. ولها طرفان أو حبلان يجرّهما قارب من كل جانب، ثم يتواصلان مع آخرين على الشاطئ، يسحبون الحبال نحو السِّيف، ويجعلون الأسماك تنحصر بين الجانبين، ويستمر الصيد لنحو خمس ساعات. وعادة ما يتم الصيد بها في أوقات المساء.

4- اليل، وهي شبكة صيد ضخمة، ثمّ يذكر طرقاً أخرى بالصيد بالشباك حسب عمق المياه وكثرة أعداد الرجال العاملين عليها، وهي تتشابه مع هذه الطريقة.

5- القفّة، أو الكوفة، وهي شبكة مخصّصة لصيد الروبيان، ويتم الصيد بها في شهور مارس وأبريل ومايو.

6- المنصب، أحد أنواع الشباك، طولها نحو عشرين قامة، وفتحاتها نحواً من أربع بوصات. وتُستَخدم بالقرب من الشاطئ. وتشدّ أطرافها إلى القاع بأثقال من الحجارة.

7- الحظرة، وهي مصيدة كبيرة، تتكوّن من أعواد من الجريد أو القصب، تغرس في أرض البحر وقت انسحار المياه.

8- الحداق، وهي الصيد بالميادير أو الصنارات. ويخرج للحداق نحواً من أربعة رجال على قوارب للصيد، ويستعمل الصيّادون طعوماً مثل: النغر والسردين.

9- الصيد بالرمح، ويُستعمل لصيد الحيتان والأسماك الضخمة.

 

القرقور

من بين طرق الصيد التي حددها الملحق بالتقرير، القرقور، وهو سلّة كبيرة من الأسلاك المتشابكة والمتداخلة، لها فتحات صغيرة لا تسمح بخروج الأسماك، ولها فتحة تدخل منها الأسماك وتبقى محجوزة بداخلها. وفي بعض الأحيان تمتلئ هذه القراقير بالأسماك. وهذه القراقير مختلفة الأحجام، إذ تتراوح أقطارها ما بين 2 إلى 7 أو 8 أقدام. وأفضل مواسم الصيد بالقراقير، يكون بين شهرَي يونيو وديسمبر.

 

337

درج استخدام الأسماك المملحة، في الخليج العربي، كطريقة لحفظها من التلف، في وقت لم تكن فيه الثلاجات متوافرة، ولذلك استخدم أهل المنطقة ثلاث طرق في تمليح السمك: تجفيفه تحت أشعة الشمس" وعادةً ما يتم تجفيف أسماك القرش"، والثانية : تمليح السمك بشقّ بطنه وقطع الرأس عنه" وتوضع الأسماك في أوانٍ خاصّة وتُترك مدّة من الزمن". أما الثالثة: فهي تشبه الثانية، ولكن لا توضع الأسماك فيها في أوعية خاصّة بل تملّح جيّداً وتترك لساعات ثم تؤخذ فتغسل بماء البحر ثمّ تُترك لتجف ويتمّ بعدها تخزينها أو تصديرها.

وأورد التقرير البريطاني أنواع الأسماك المعروفة في منطقة الخليج العربي آنذاك، وأرفقها ضمن قائمة طويلة تبلغ أنواع الأسماك فيها 337 نوعاً. ونذكر منها: البدح، والبالول، والعومة البرّيّة، وبنت النّوخذه، والبياح، والفسكر، والقباب، والهامور، والجش، والجودر (اليودر)، والخبّاط، والكردوس، والكوفر، واللزّاق، والنّيسر، والصدا، والصّافي .

 

صفحة متخصصة بالتراث والبحث في مفردات المكان