سـالـت دمـوع احـمـد حفـيد اللي لهم طيبٍ وجاه
                                   قـلـت الـدمـوع تـتـرجـم اللـي مـسـتحـيـل يترجمه

هـاجـوس شـاعـر لـو تـنـاقـل شـعـره كبار الرواه
                                  بـعـض الـمـواقف يستحي عن وصفها حبر قلمه

والله يــا احمـد لـو تعـرف الصـدر هـذا وش وراه
                                 ورآه حـــزنٍ لــو بـغـيـت أكـتـمه وشـلـون أكـتـمـه

حزني عـلى راشـد هـو أغـلـى حزن وآنا من نباه
                                الطـيـب أوصـيـت الـعـيـون انـهـا بـدمـعـي تكرمه

لـو الـحـزن يـقـدر يـردّه مـا ذخـر جـفـنـي بـكـاه
                               حزنت لين الشمس تصبـح في عـيـونـي مظـلـمـه

لـو آتـمـنّـى شي مـن دنـيا الـفـنـا كـان الــمـنـاه
                                إن الـعـمر يـقـسـم مـا بـيـن اثـنـين حتى أقـسمه

واعـطـيــه نـصـف العمر واشوفه على قيد الحياه
                              واعـلّـمــه وش كـبـر قـدره فـي الـصـدر واعـلّـمــه

إنّـه هـنـا فـي الـقـلـب لـيـن الـعمر ياصل منتهاه
                             وانّـي أحــارب حــزنـي بـذكـره وطـيـبـه واهـزمـه

أهـزمه قـدّام الـعرب واتـحسّب ان قلبـي حـصـاه
                             وان صـرت بـلـحـالي كـوى كبدي بحامي ميسمه

وأحـس بـالـكـيّـه فـي وسط الـقـلـب من كل اتجاه
                             أكـابــر بـعــزّه ونـفــسـي لـلـحــزن مـسـتــسـلـمه

فـي كـل دارٍ زرتـهـا لـي أطـيـب الـذكـرى مـعـاه
                            لـكـنّـهـا صــارت بــعــد فـرقــاه ذكــرى مـؤلــمــه

واللي يـفـاخــر بـيـن خـلـق الله بـكـثـرة أصـدقـاه
                           إن كان مـا يـفـهــم مـصـيـر الـنـايـبـات تـفـهّـمــه

والـنـعـم فـي الـصـاحـب لـكـن الأخ يفرق مستواه
                           عـن مـسـتـوى صـديـقـك اللي يحشمك أو تحشمه

الصـاحـب فـ لحـظـة غـضبه يضيع طيبه في رداه
                            يـبــيـع حـبّـه بـارخــص الأثـمـان مـهـمـا تـخـدمـه

وأخـوك مـا يـقــدر يـبـيـعـه لأنّــه اصـلا ما شــراه
                            خُـلــق وحـبّـك وسـط خـفّـاقـه ويـجـري فـي دمـــه

يـزعـل لـكـن لا قـلـت له يا اخوي يحتضنك رضاه
                            دائـم أحــاســيـس الأخــوّه بالـمحـبّـه تــلــهـــمــه

كـلـمـة أخي من فم أخي أجمل ما تنطقه الشفاه
                            لأنّــه مـنـبــعـهـا خــفــوقـه قــبـل يـنـطــقـهـا فـمـه

لـيـت الـقـبـر يـعـرف مـقـام اللـي دفـنّـا فـي ثـراه
                           يـا مـااعـظـمـه حـيٍّ وهـو مـيّـت بـعد يا مااعظمه

ما عاد لك يا احمد ولا لي غير ندعي في الصلاه
                           ونـقـول يـا راحـم عـبـيـدك مـن عـذابــك تـعـصـمـه

قـبـلـه جـنـود بـلادنـا ضـحـوا لـجـل تـذعـن عــداه
                            ألله يــصــبّـــرنـــا عــلــى فــرقــاه والله يــرحــمـــه

 في المُلمات يعز الكلام، وعند الفقد تتمنع القصيدة عصية الدمع، وحين يكون المصابُ خاصاً وحميماً وأثيراً، تبحث اللغة عن متنفسٍ يصفُ الوجعَ ومشاعر القلب الدافق، تحاول تلمسَ حُشاشته بحسٍ شعري نابع من القلب في انفطاره لحظة صدمة الفراق، ولأن الموت كأس دائر على كل الناس، كلٌ منا ذائقهُ، مايخفف من مرارة الفقد، وفي كلمات تشربت بالدموع، وقوافٍ دثرها هولُ المصاب، عكست أحاسيس فقد أخ لأخيه وشقيق لشقيقه، وخلٍ لصديقهِ ورفيق دربه، كتب سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، يوم أمس، قصيدة «كـلـمـة أخـي»، في مرثية وجدانية وبكائية شعرية، بكت واستبكت، يرثي فيها شقيقه وأخاهُ فقيد الوطن والدمن، وشيخ الشباب، وفارس الفرسان الشيخ راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم، الذي غيبه الموتُ، مخلفاً حزناً كبيراً لفقده، ومحبة كبيرة عبر عنها القاصي والداني فيه وفي ذويه الكرام.

مرآة الروح
ولأن الشعر مرآة الروح الصافية، وشلال الشعور المتدفق، في لحظات الفرح والحزن والألم، صنو القلب وبوح الضلوع كانت القصيدة حاضرة، تتحرك تحاول التعبير عن الموقف وإن تمنعُ القولُ، فالخطبُ كبيرُ، لكن الشاعر ينسى ألم نفسه فيواسي غيره في غمرة هذا الحدث، وعبر هذه اللحظة المُشرقة بالنبلِ، ينبتُ مطلعُ القصيدة شجرة وشمساً للكلام، فحين رأى دموع أحمد، الكريم سليلُ الكرام، حاول ترجمة المشهد، ونقله بطريقة شفافة تتجاوزُ غلالات الدموعِ، وهنا ينسى الشاعر نفسهُ، وهو الذي ذرف الدموع في مشهد أبكى حين وقف بصلابة الرجال يغالبُ نفسه، يحملُ نعش أخيهِ على كتفيهِ، وإلى جانبه شقيقه سمو الشيخ مكتوم بن محمد، في لحظات لاتترجمها الأحاسيسُ ولاتصفها الكلمات:

سـالـت دمـوع أحـمـد حفـيد اللي لهم طيبٍ وجاه
                       قـلـت الـدمـوع تـتـرجـم اللـي مـسـتحـيـل يترجمه
هـاجـوس شـاعـر لـو تـنـاقـل شـعـره كبار الرواه
                      بـعـض الـمـواقف يستحي عن وصفها حبر قلمه

الأرومة الكريمة
يصبر ويصابر، يواسي، يمسح بالكف مُبدداً الحزن، ونار في لواعجهِ تكوي، حزناً على هذا الفقد الكبير، فراشد رفيق الدرب والعمرٍ، لعبا في ذات الأرومة والبيئة الكريمة، وكبرا حلماً واحداً ورؤية واحدة، غرسها والد كريم، هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فكيف لا تكون الكلمات منسجمة مع تباريح الصدر، وكيف لا تدمعُ العيون إكراماً لأخ غالٍ وشقيقٍ عزيز:

والله يــا أحمـد لـو تعـرف الصـدر هـذا وش وراه
                    ورآه حـــزنٍ لــو بـغـيـت أكـتـمه وشـلـون أكـتـمـه
حزني عـلى راشـد هـو أغـلـى حزن وآنا من نباه
                     الطـيـب أوصـيـت الـعـيـون انـهـا بـدمـعـي تكرمه

شجون القصيدة
تتكحلُ عيون القصيدة بقطرات الدمع، تبكي شمس المكانَ، ورفيق الصبا، من شاطره الحياة بحلوها ومرها، ورافقه خلال أجمل اللحظات والسنوات، ويتمنى الشاعر لو كان العمرُ يفدى، ولو كان كذلك لاقتسم معهُ السنوات، في بوح شعري يعطي بعداً آخر للفقد في نفس الشاعر، وتجليات تتنامى في أحاسيسه بحر شجون:

لـو الـحـزن يـقـدر يـردّه مـا ذخـر جـفـنـي بـكـاه
                  حزنت لين الشمس تصبـح في عـيـونـي مظـلـمـه
لـو آتـمـنّـى شي مـن دنـيا الـفـنـا كـان الــمـنـاه
                  إن الـعـمر يـقـسـم مـا بـيـن اثـنـين حتى أقـسمه

كلمات تهزم الحُزن
يمنحه العمر في بلاغة شعرية، تستدعي الحياة بدل الموت، وتهبُ الفقيد عمراً آخر في ذكر طيب خالد في الحياة وفي القصيدة، يخبرهُ يناجيه يحاكيه، يهمس في أذنيه كما همس دائماً، يحضنه بقلب كبيرٍ كما كانا دائماً، في الحل والترحال، في مضامير الخيلِ، في بوح الرفاق والصحبة الطيبة، في المحبة الخالصة، يتردد طيفه في الوجدان والذاكرة، وصوته، مخلفاً غصة في الصدر، وألماً في الفؤاد، فيحارب سمو الشيخ حمدان بن محمد هذا الحزن الداهم، من خلال الهروب إليه، من الذكرى إلى الذكرى، ومن الطيب إلى شذاه العطر، يهزم الحزن ويكسر جبروته، ويعانق على شاطئ الذكريات الجميلة الطيبة الأخ الغالي:

واعـطـيــه نـصـف العمر واشوفه على قيد الحياه
                  واعـلّـمــه وش كـبـر قـدره فـي الـصـدر واعـلّـمــه
إنّـه هـنـا فـي الـقـلـب لـيـن الـعمر ياصل منتهاه
                  وانّـي أحــارب حــزنـي بـذكـره وطـيـبـه واهـزمـه

صبر الرجال
صامداً صلباً على ضفة الأسى، والوجع ومرارة الغياب، لا يستسلم سمو الشيخ حمدان، زاده عزة وصبر وإيمان قوي من هدينا القويم وسُنتنا الطاهرة، رغم الميسم الغائر في القلب، الكاوي بالألم، تكاد النفسُ تستسلمُ له ولعذاباته، لكنها تكابرُ، فالصبر أجدرُ، لأنه كما قيل المطية التي لا تكبو، والشهابُ الذي لا يخبو، وكما قال الصحابي الراشد، الفاروق عمر، إن الصبر لو كان من الرجالِ لكان كريماً:

أهـزمه قـدّام الـعرب واتـحسّب ان قلبـي حـصـاه
                 وان صـرت بـلـحـالي كـوى كبدي بحامي ميسمه
وأحـس بـالـكـيّـه فـي وسط الـقـلـب من كل اتجاه
                أكـابــر بـعــزّه ونـفــسـي لـلـحــزن مـسـتــسـلـمه

مقامُ الإخوة
لا تبارحهُ الذكرى، قوية الحضور، في لقاءاتهما المشتركة، والذكريات المُتقاسمة، في كل الأمكنة، وأصبحت بعد ترجل الفارس الصديق، مؤلمة لهُ تشي بذاكرة الوجع، وأطياف الأحبة الذين رحلوا؛ راشد الشقيق والأخ الغالي، والصديق والخل الوفي، من يشد به الإزرُ، فالأخ يختلف عن الصديق بل يختلف عن كل الناس، وهنا اقتباس لسمو الشيخ حمدان من قصة النبي الكريم موسى مع أخيه هارون حين قال «وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»، فمقام الإخوة يختلفُ تمام الاختلاف عن كل مقامات الناس، فهو صاحب تلك الطمأنينة الأبدية، وذلك التماهي المشترك الخالد، كما يصفه الشاعر أمل دنقل قائلاً «هذا الحياء الذي يكبت الشوق..حين تعانقُهُ؛ الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..وكأنكما ما تزالان طفلين،،تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: إنَّ سيفانِ سيفَكَ..صوتانِ صوتَكَ..»:

فـي كـل دارٍ زرتـهـا لـي أطـيـب الـذكـرى مـعـاه
                 لـكـنّـهـا صــارت بــعــد فـرقــاه ذكــرى مـؤلــمــه
واللي يـفـاخــر بـيـن خـلـق الله بـكـثـرة أصـدقـاه
                إن كان مـا يـفـهــم مـصـيـر الـنـايـبـات تـفـهّـمــه
والـنـعـم فـي الـصـاحـب لـكـن الأخ يفرق مستواه
               عـن مـسـتـوى صـديـقـك اللي يحشمك أو تحشمه
الصـاحـب فـ لحـظـة غـضبه يضيع طيبه في رداه
               يـبــيـع حـبّـه بـارخــص الأثـمـان مـهـمـا تـخـدمـه

نبعٌ صافٍ
فالأخ محبته أبدية خالدة، تجري في دماء شرايينه، مجبور بالفطرة على المحبة، تخفق أحاسيسها صادقة، نابعة من منبع صاف ومشاعر عذبة زُلال، وأواصر قوية أصيلة الجذور، مُلهمة ومعطاءة تجود بكل المحبة عن طيب خاطر ورضا كامل:

وأخـوك مـا يـقــدر يـبـيـعـه لأنّــه اصـلا ما شــراه
              خُـلــق وحـبّـك وسـط خـفّـاقـه ويـجـري فـي دمـــه
يـزعـل لـكـن لا قـلـت له يا اخوي يحتضنك رضاه
             دائـم أحــاســيـس الأخــوّه بالـمحـبّـه تــلــهـــمــه

يواسي الأخ، من كانت كلماته على الشفاه دوحة للكلام، حين نطقت تتلمسُ الوجع، وتعانق الفقيد العظيم في حياته وبعد غيابه، فلا الثرى وارى مقامه، وليت القبر يعرفُ هذا المقام، فراشد بن محمد، شاب وفارس، ورجل من رجالات العطاء، له من المناقب والمحامد ما لا يحصى، وأحد أبناء الوطن الأبرار:

كـلـمـة أخي من فم أخي أجمل ما تنطقه الشفاه
            لأنّــه مـنـبــعـهـا خــفــوقـه قــبـل يـنـطــقـهـا فـمـه
لـيـت الـقـبـر يـعـرف مـقـام اللـي دفـنّـا فـي ثـراه
           يـا مـا اعـظـمـه حـيٍّ وهـو مـيّـت بـعد يا ما اعظمه

رحمة ومغفرة
يركنُ إلى الله وهو حسبنا ونعم الوكيل، الرحيم الغفور الكريم، الذي هو أرحمُ وأكرمُ، يتضرع إليه بالدعاء أن يغفر له ويتجاوز عنه ويدخله المدخل الحسن ويكرم نزلهُ، ويغسله بالماء والثلج والبرد، وينقيه من الخطايا كما ينقى الثوبُ الأبيض من الدنس، ويجيره ويعصمهُ من عذابه ومن ظلمة ووحشة القبر، يلهج بالدعاء إلى مولى كريم رحيم وعطوف، عظيم العفو حسن التجاوز وواسع المغفرة، من هو باسط اليدين بالرحمة وصاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى، كريم الصفح، عظيم المن، مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، من لا يُؤاخذ بالجريرة ولايهتك الستر، متذكراً في هذا الخطب حزن الإمارات قبل أيام قليلة، حين وهبوا أبطالهم شهداء في ساحات الحق، مترحماً على الفقيد الغالي ومستعيناً بالصبر:

ما عاد لك يا احمد ولا لي غير ندعي في الصلاه
                ونـقـول يـا راحـم عـبـيـدك مـن عـذابــك تـعـصـمـه
قـبـلـه جـنـود بـلادنـا ضـحـوا لـجـل تـذعـن عــداه
              ألله يــصــبّـــرنـــا عــلــى فــرقــاه والله يــرحــمـــه

رثائية أبي تمام
تشبه قصيدة «كلمة أخي» لسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، في شقيقه الراحل المغفور له بإذن الله، راشد بن محمد، مرثية الشاعر أبي تمام التي تعد من عيون الشعر العربي، والتي قالها في رثاء البطل المجاهد محمد بن حميد الطوسي الذي استشهد ولم يكن قد جاوز عمره 32 عاماً، وقد قيل عن هذه القصيدة التي وصفت كأبلغ وأصدق مرثية: «والله ما مات من رثي بهذه القصيدة، والله لوددت أنني ذلك الرجل وأنها قيلت فـيّ».
وقد جاء مطلع قصيدة أبي تمام:

كذا فليجــــلَّ الخطـــبُ وليفـدحِ الأمــــرُ
                     فليسَ لعـيـن لــم يـفـضْ ماؤهــا عـــذرُ
تُوفـِّيـَتِ الآمــالُ بعـــدَ مُـحـــمـَّـــــــــــدٍ
                    وأصبـحَ في شغــلٍ عنِ السفـرِ السفـــرُ
ومــا كـانَ إلا مـَــالَ مَــنْ قـَـــلَّ مَــالـُـهُ
                   وذخـــراً لمــنْ أمسى وليسَ لـه ذخــــرُ
ومـا كانَ يـَدرِي مُجـْـتـَدِي جـُــودِ كفـِّـهِ
                    إذا ما استهـلَّـتْ أَنَّـه خُـلِـقَ العُـسْـــــــرُ

 

حزن نبيل

مسحة حزن شفيف، تشبه غصة الصوت، حزن نبيل يلف أبيات نبعت من القلب لتلامس شغاف الروح، تلك هي كلمات الشاعر «فزاع» سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ولي عهد دبي، وهو يرثي شقيقه الراحل راشد بن محمد بن راشد متذكراً أياماً معه أمضاها في ربوع أمكنة بات طيفها مصدر ألم يعصر الفؤاد.
تحمل أبيات رائعة فزاع الكثير من المعاني والقيم التي ترى في مناقب الفقيد حكايات تروى لأجيال وأجيال، وخاصة تلك الحكايات عن فرسان شعراء قضوا في ريعان الشباب، تاركين خلفهم أعمارهم ومطارحهم وأحبائهم ومضوا إلى أقدارهم يلفهم البعاد، ويسطر الغياب حبره في دفتر حياتهم.


سرعان ما انتشرت تلك الأبيات بين ما يغالبون دموعهم على راشد بن محمد، فجاءت وكأنها عزاء يبلسم جراح الرحيل، وسرعان ما تناقلت مواقع اجتماعية وإخبارية شتى تلك الأبيات التي ترثي الفارس الراحل، وتصف معاني الدمع الذي يسيل مثل نهر من ينبع من الصدر فلا تقوى على كتمانه المقل. وبعبارات موشاة بوشاح أسود شفاف تبدو معاني القصيدة لقارئها مثل طائر صفق بجاحيه وحلق بعيداً أو فراشة تركت نعومة حضورها على بتلات الزهر، هكذا تبدو أبيات قصيدة «كلمة أخي» جزلة في ألفاظها عذبة في وصفها نقية في مقاصدها، لا تشوب أبياتها شائبة سوى مسحة الحزن التي ما فارقت لسان الشاعر منذ «سالت دموع أحمد» وحتى آخر سطر «الله يصبرنا على فرقاه والله يرحمه» وبين أول سطر وآخر سطر، يمر نهر من التأمل والتصبر و الحنين، وكأنما الشاعر أراد أن يقول لشقيقه الراحل كل ما في قلبه من محبة وأخوة عبر دفقة وجدانية حارة جاءت على شكل قصيدة شعرية رائعة.


إنها ليست قصيدة بكائية، بل هي قصيدة حنين صادقة نابعة من القلب مليئة بالمشاعر النبيلة يستخلص المرء منها معان مليئة بالحكمة يسقطها على حال الدنيا وأحوالها، فالحزن عندما يكون نابعاً من القلب مثل الحب عندما يكون في القلب، صادق، شفاف، عذب، حكيم، لكن البكاء فيها غائب، والحزن فيها حاضر، هكذا يرثي الفرسان أحبتهم الراحلين يرثونهم من موقع القوة والصبر و الجلد والتأمل. هكذا رثى الشاعر حمدان بن محمد شقيقه راشد بن محمد.

يخة المطيري: عبّرت عن حزن يسكننا

علقت الشاعرة شيخة المطيري على القصيدة بقولها: «القصيدة مؤثرة جداً، ونحن تعودنا من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، أن يختصر المعاني والكلمات في بعض الأبيات».


وأضافت: «القصيدة التي أطلقها سموه عبرت عن حالة الحزن التي تسكن قلوبنا جميعاً، لأن المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم كان بمثابة أخ كبير لنا، ولذلك أعتبر أن القصيدة تنطق بلساننا نحن أيضاً، لأن ملامسة الحزن والفقدان ليست بالأمر السهل، وأعتقد بأن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد أثبت من خلال هذه القصيدة، أن لديه المقدرة على صياغة الحزن وتحويله إلى قصيدة».
وأشارت إلى أن خاتمة القصيدة رائعة جداً، وقالت: «سموه اختار الشهداء لأن يختم بهم القصيدة، وأن يقدم في الخاتمة عزاءه للوطن وكل من فقد شخصاً عزيزاً عليه».


وتابعت: «لسموه أسلوب خاص في انتقاء الكلمات، كما أنه عودنا على استحضار بعض الألفاظ من العربية الفصيحة، ولذلك تشعر بأنه دائماً ما يحترم القارئ والمستمع لقصيدته، لدرجة أن كل حرف في القصيدة يستوقف القارئ ويدعوه إلى التفكير والتأمل فيه، ومع أن الموقف الذي قيلت فيه هذه القصيدة محزن، إلا أن سموه تغلب على ذلك، وهو ما يمكن أن نشعر به من خلال روح القصيدة».
 

راشد شرار: حروف القصيدة تبكي ألماً

في تعليق له على القصيدة، قال الشاعر راشد شرار: «جاءت قصيدة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ولي عهد دبي، في ثالث يوم من وفاة شقيقه وصديقه وشريكه في ميادين الفروسية المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن محمد بن راشد، طيب الله ثراه، وهذا فيه دليل قاطع على أن المصاب أعظم وأكبر من كل القصائد، وفي تقديري أن تأخر القصيدة لم يكن ضعفاً في الشاعر، فسموه عرف عنه سرعة البديهة، وامتلاكه إمكانيات أن يكتب في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظرف.


ولكن فقدانه لشقيقه وصديقه ورفيق دربه في كل المحافل، شكل صدمة كبيرة لا يمكن أن يتحملها قلب شقيق مخلص لوطنه وأسرته وشعره».


وتابع: «الفقيد فارس من فرسان هذا الوطن الغالي الذي طالما رفع راية الإمارات عالياً في أكبر الميادين وأعظمها، وفقده أثر في كل الإمارات كبيرها وصغيرها، فكيف في الشقيق والصديق ورفيق الدرب».


وقال شرار: «جاءت هذه القصيدة التي تبكي حروفها ألماً وتتغلغلُ معانيها في حنايا البشر لتدميها، في هذا الوقت بعد أن استوعب سموه واقع وفاة شقيقه، وأيقن أن شقيقه فقدته الأمة بأكملها وليس هو فقط، لذا أراد أن تكون دموع شقيقه سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد الوسيلة التي استمد منها قصيدته، وجاءت لتنتشر في أعماقنا قبل أن تمر بألسنتنا».
 

الله الهدية: ستبقى في ذاكرة الزمن

«القصيدة مرثية من المرثيات التي ستبقى في ذاكرة الزمن لأبعادها المختلفة»، بهذا التعبير علق الشاعر عبد الله الهدية على قصيدة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، وقال: «جمالية القصيدة تبدأ من استهلاله بدمع أخيه سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد، وهذا بحد ذاته كان استهلالاً رائعاً لم يسبق لأحد من قبل أن استخدمه، حيث أسقط سموه الدمعة على ذاته، ليتضح لنا الحزن الذي أصابه».
 

وأضاف: «الوحدة النفسية للقصيدة، والشحن الذي تمتلأ به من بدايتها وحتى نهايتها، والذي يظهر في استدعاء سموه للأخوة، ويبين من خلالها قدر المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن محمد بن راشد، طيب الله ثراه، في نفسه».


وتابع: «رغم أن القصيدة بكائية، الا أنها لم تخل من الشموخ، وهذا فيه انعكاس على ما تعيشه الإمارات حالياً من فقد لأبنائها، وسموه استطاع في قصيدته أن يترجم هذا الفقد، من خلال استذكاره لقافلة شهداء الإمارات»، مشيراً إلى أن تطرق سموه للشهداء إنما هو «ربط مذهل ويعبر عن نفس الحالة، ورغم فقدان الإمارات لثلة من أبنائها الا أن الانكسار لم يصبها أبداً».

محمد البريكي: مرثية في شاب بكاه الوطن

محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، قال إن حجم الألم يكبر في البكائيات بحجم وجع الفقد وأثره على الشاعر وتمكن الشاعر من أدوات كتابته، والشاعر الذي يرثي قريباً أو حبيباً يكون أثر العاطفة والشجن كبيراً فكيف إذا كان الرثاء في الأقرب مثل الأخ وكيف إذا كان المفقود في عز شبابه وفي مقتبل عمره، حيث يبين أثر الأخ الأقرب من الصديق.


وأضاف في قصيدة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، فهي في فقد شيخ شاب بكاه الوطن وهي بكائية في الجنود الذين ضحوا من أجل حياة الوطن، وقال إن الوجع الذي حملته القصيدة يذكرنا بحجم وجع ابن الرومي الذي تحدث عن فقد الشباب وهو يصور قِصر المدة التي عاشها ابنه بهذا البيت:
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ
                      فلم ينسَ  عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ


لكن اللافت في هذا النص خاتمته الذكية، حيث بينت المصائب المعادن الحقيقية التي تعطي للآخرين دروساً عظيمة في الوفاء وحب الوطن الذي لا تستطيع النوائب أن تعلو على ما يصيبه فالتفاتة سموه إلى الشهداء في حد ذاتها قضية أخرى تتجلى بوضوح في النص:
قـبـلـه جـنـود بـلادنـا ضـحـوا لـجـل تـذعـن عــداه
                    ألله يــصــبّـــرنـــا عــلــى فــرقــاه والله يــرحــمـــه


إن هذه المرثية في نظري مرثية وطن فهي في رثاء شاب بكاه الوطن وهي بكائية في فقد جنود ضحوا بحياتهم من أجل أن يحيا الوطن.
 

  للاستماع للقصيدة اضغط هـنــــا