إن الحديث عن التجربة الشخصية أمام جمع من الناس يبدو أمراً مربكاً للبعض، فليس من السهل أن تضع منجزك الصغير -أياً كان حجمه وأهميته- وتأخذ في الحديث عنه، فأنت ترى أنك في نهاية المطاف قد قمت بما يتوجب عليك تجاه مجتمعك وذاتك وأحلامك، في الوقت الذي أمدك فيه هذا المجتمع بكل الإمكانيات لتحقق منجزك كما حلمت به ذات يوم.

في يوم المرأة امنحوني قليلاً لأعيد رواية الحكاية: من فريج «عيال ناصر»، من ذلك البيت الصغير على ضفاف البحر، أبحرت بي الظروف على قسوتها، متنقلة بي من بيت لآخر ومن مدرسة لأخرى، ومن كتاب لكتاب ومن نجاح لنجاح أكبر، حتى فتحت لي الدولة تلك البوابة الكبيرة فعبرت تحتها إلى الداخل الفسيح الرحب، يومها كنت أقرأ أجمل العناوين التي عبرت حياتي «جامعة الإمارات».

من هناك عبرت ابنة فريج «عيال ناصر» البسيط، بلا موبايل ولا ثورة إنترنت، ولكن بأحلامها وطموحات وطنها الصغير، ومن العلوم السياسية إلى قاعات التدريس في مدارس دبي، هكذا أرادت تلك الفتاة أن تَرُدَّ الجميل لمجتمعها الذي فتح لها بوابة الجامعة لتفتح هي لِبَنات مجتمعها بوابات الفصول، ولتنهمك معهن في بناء معالم تلك الفترة من نهاية الثمانينيات.

ثم من قاعات الفصول الدراسية، من دروس التاريخ والجغرافيا، يممت تلك الفتاة وجهها صوب الولايات المتحدة لتعود مديرة لإحدى مدارس دبي، ثم لا يستقر بها قلق الطموح، فتهجر التعليم بعد أن أتمت ما عليها فيه، إلى الإعلام، ومن غرفة مديرة المدرسة استقرت في قاعة التحرير بجريدة «البيان»، ومنها إلى مركز الأخبار في «تلفزيون دبي»، ومن ثم إلى جريدة «الاتحاد»، قاطعةً كل تلك الدروب بسعي متلازم مع رغبة أن تترك شيئاً نبيلاً يَذْكُرُها به وطنها إن هي غادرت، كما كتب سعيد عقل ذات يوم: «إن فليت اترك عطر بهالكون».

من كل هذا التنقل والترحال، غرفت تلك الفتاة عشقاً حقيقياً لمجتمعها واعترافاً صادقاً بفضله عليها، أخذت ذلك العشق وهذا الانتماء لتستقر بهما أخيراً في هذه الزاوية.. زاوية أبجديات.