وديان وسدود وسلاسل جبلية على امتداد البصر ومناطق برية تكتسي اللون الأخضر تزهو بين ثناياها النباتات والأشجار حولت إمارة رأس الخيمة إلى واحة تأسر الأنظار بلوحة خلابة تحتفي بمكونات الطبيعة وتعزز استدامة البيئة.
فمن وادي شوكة حيث الهواء البارد وأشجار النخيل والنباتات والزهور التي تفوح بالروائح الزكية مرورا بوادي الليات ووادي المنيعي وصولا إلى وادي نقب ووادي الزيتون الذي يأخذ زواره في رحلة إلى قلب الطبيعة النابض بالحياة ليشاهدوا أشجار الزيتون والنباتات العطرية النادرة وغيرها من الزهور.
وتضم منطقة وادي شوكة العديد من مظاهر الحياة الطبيعية والجمالية التي تتمثل في البيئة الساحرة والمسارات الجبلية والحدائق فيما تزين النباتات والأعشاب الطبيعية قمة جبل السحاب الذي يتيح الفرصة لمحبي المغامرات تسلق قمم الجبال الشاهقة وسط طبيعة خلابة تطل على مزارع ونخيل المناطق المجاورة التي تعبق برائحة النقاء والهواء العليل.
ومن أعلى جبل ينس المائل ترى وادي نقب مفعم بالأجواء المبهجة والطبيعة الساحرة التي تحيط بالمكان بينما مازالت المنازل القديمة التي كان يسكنها الآباء الأولون تفوح بعبق الماضي وتروي لزائريها رحلة حياة عنوانها الصبر والحكمة والرؤية في وطن لا يعرف المستحيل.
ويزين وادي البيح الذي تم إنشاؤه في عام 1982 مدخل جبل جيس القمة الجبلية الأعلى في الإمارات فيما تعكس مزارع النبق المحيطة جمال الطبيعة في أبهى صورها.
وتشكل الأودية والسدود نظاما بيئيا يتميز بالثراء الطبيعي كونها تمد المزارع المحيطة بها بالمياه على مدار العام وفي أوقات الجفاف إضافة إلى بعدها السياحي الذي يتيح لسكان الإمارات والسياح التخييم والاستمتاع بالمناظر الطبيعية وتجمعات المياه.
وأصبحت السدود والأودية في رأس الخيمة مقصدا سياحيا لما تملكه من مقومات جذب فريدة تستهوي السياح الباحثين عن جمال الطبيعة إضافة إلى أنها توفر موردا مائيا مستداما من خلال تجميع مياه الأمطار واستخدامها في الزراعة مع زيادة مخزون المياه الجوفية.
وتضم إمارة رأس الخيمة 31 سدا بسعة تخزينية 26.2 مليون متر مكعب من المياه فيما حصدت هذه السدود كميات كبيرة من مياه الأمطار في يومي 11 و12 يناير الجاري تصل إلى 23.33 مليون متر مكعب من المياه ليتصدر سد البيح والبحيرة التابعة أكثر السدود تخزينا لمياه الأمطار في رأس الخيمة بحجم 20 مليون متر مكعب.
وفي لقاءات مع أهالي رأس الخيمة .. عبر المواطن أحمد المزروعي من سكان منطقة أذن بإمارة رأس الخيمة ويبلغ من العمر 62 عاما عن سعادته بأمطار الخير التي شهدتها الإمارة لما لها من آثار إيجابية على حياة السكان من حيث نمو النباتات والأشجار والحشائش إضافة إلى زيادة منسوب المياه في السدود وري المزارع.
وقال المزروعي إن جريان المياه بكميات كبيرة في شلال "الغيل" الذي ينبع من منطقة عرعر يمثل "نعمة كبيرة " مشيرا إلى أن المنطقة التي يقطنها لم تشهد هطولا غزيرا للأمطار بهذه الكمية منذ أكثر من 30 عاما ووصف الشلال الذي يحظى بزيارات سياحية للاستمتاع بهدير المياه بين الوديان بـ "النادر من نوعه والأكبر في رأس الخيمة".
وأضاف أن ما نشاهده اليوم من جريان الأودية نتيجة الأمطار يمثل خيرا ونعمة كبيرة من الواجب رعايتها والاهتمام بها والمحافظة عليها.. وعبر عن شكره للقيادة الرشيد على دعمها المتواصل للمواطنين والاهتمام بإقامة السدود التي يستفيدون منها في ري المزارع والأغنام.
وأوضح أن منطقة "المورد" وهي إحدى المناطق التي تمتلئ بمياه الأمطار كان يرد إليها السكان لأخذ احتياجاتهم من المياه لري مزارعهم وأغنامهم والتي تشهد جريان الوادي ويصل إلى سد أذن العين الذي يفيض بسر الحياة.
ومن جانبها قالت الدكتورة مارينا تساليكي أخصائي بحوث نباتية في مؤسسة الزراعة التجميلية بدائرة الخدمات العامة برأس الخيمة إن هطول الأمطار على مناطق رأس الخيمة أسهم في نمو مجموعة متنوعة من النباتات والأعشاب المعروفة والنادرة مثل" خشد وأشخر وبوص" وغيرها من النباتات حيث تكون كثافة النباتات في البر والجبل على قدر كميات الأمطار الهاطلة.
وذكرت تساليكي في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات أن الحياة النباتية في رأس الخيمة تزخر بالعديد من الأنواع المختلفة من النباتات التي يصل عددها لأكثر من 320 نوعا وهي في تزايد على نحو سنوي وتستحوذ رأس الخيمة على نحو 50% من إجمالي النباتات المحلية في الإمارات التي يقدر عددها بأكثر من 650 نوعا من النباتات.
وقالت أخصائية البحوث النباتية إن رأس الخيمة تعيش هذه الأيام أجواء مفعمة بالحيوية والاستدامة تتجلى في الطبيعة الخلابة التي تشهدها مناطق الإمارة البرية والجبلية كافة نتيجة انتشار النباتات ومنها "الحامض والفقع" إضافة إلى الحشائش والزهور التي كست تلك المناطق باللون الأخضر.
وأضافت تساليكي أنه من خلال عملي الميداني في أكثر من 270 موقعا في مناطق متفرقة من إمارة رأس الخيمة نتوقع ظهور أنوع جديدة من النباتات مع اختلاف الأراضي والبيئات وذلك في ظل اتساع المساحات الخضراء الممتدة في أماكن عديدة لاسيما المناطق الصحراوية الجافة التي لم يكن يتوقع أن تنبت زهورا نادرة تتنوع ألوانها ما بين بيضاء وصفراء ووردية.
وأشارت أخصائية البحوث النباتية إلى أن مياه الأمطار لها منافع عديدة على صعيد استدامة الحياة النباتية في رأس الخيمة لاسيما في المناطق الجافة كونها تسهم في ازدهار النباتات ونمو أنواع جديدة منها.
وقالت إن هطول الأمطار يمثل فرصة مهمة للحفاظ على النباتات واستمرار دورة الحياة النباتية ونموها بشكل سليم من خلال بذورها التي تتحول إلى حبوب لقاح وتساعد تلك النباتات على التجديد المستمر إضافة إلى حماية بعض الكائنات الحية التي تعيش على أوراق النباتات والزهور.
وحول إمكانية ترتيب جولات سياحية لمناطق النباتات وتقديمها للزوار..
قالت تساليكي :"نستثمر الكثير من الوقت والجهد في جوانب التعليم والتدريب من خلال تطوير برامج تعرض أوجه الاختلاف والتميز بين أنواع النباتات للزوار والسياح من محبي الحياة النباتية والطبيعة.
وأضافت أن متحف رأس الخيمة الوطني يضم مجموعة مختارة من النباتات المحلية تعرض في الساحة الرئيسية للمتحف التي تتمتع بقدر كبير من الجمال إضافة إلى وضع ملصقات توثق أسماء هذه النباتات واستخداماتها كون بعضها يستخدم في أغراض طبية مشيرة إلى أن هذا المشروع جدير بتحفيز الاهتمام بتلك النباتات وجذب الزوار والسياح إليها.
وقالت تساليكي :"تتمثل خطتنا في تقديم عدد كبير من النباتات المختلفة لأغراض تنسيق المواقع وتجميل الحدائق وذلك للتشجيع على استخدام النباتات المحلية لهذه الأغراض هو أمر يتيح الاستدامة أكثر من النباتات التي يتم استيرادها من دول أخرى وتحتاج كميات كبيرة من المياه والكثير من المتابعة والرعاية".
وعبرت أخصائية البحوث النباتية عن إعجابها بما تراه يوميا من نمو للنباتات وتطورها في إمارة رأس الخيمة والذي وصفته بالأمر غير المتوقع من حيث ارتفاع العدد خاصة في بيئة تتسم بالجفاف.
وأكدت تساليكي أن التنوع الكبير الذي تزخر به رأس الخيمة من حيث أنواع النباتات المعروفة والنادرة من شأنه أن يكون عامل جذب مهما للسياح من محبي الطبيعة والمناطق الخضراء والجبلية.
وأضافت أن الكثير من السياح يأتون إلى رأس الخيمة ويتوقعون أن تكون المناطق كلها صحراوية غير أنهم يتفاجأون برؤية مناطق خضراء بهذا الشكل الرائع التي تحيطها النباتات والجبال وهو ما يمكن الاستفادة منه بشكل أوسع.
وحول أهمية توعية الجمهور بشأن أنواع النباتات المحلية والمستوردة..
قالت تساليكي إن التوعية أمر في مهم للغاية ويتم بالفعل بذل جهود كبيرة في هذا الشأن مشيرة إلى أنها ترى درجة مناسبة من الوعي عند أغلب الجمهور المهتم بالزارعة وهو ما ينعكس على زيادة انتشار النباتات المحلية والتحكم في زراعة النباتات المستوردة والتي تستهلك الكثير من المياه ..
وأضاف :" لدينا مشتل ونعمل بالفعل على توسعته بهدف الحفاظ على الأنواع المحلية النادرة من أي تغييرات واضطرابات مستقبلية".