لم تحسم المنافسة النسائية غير المسبوقة على منصب عمدة باريس، لكن الأجواء في العاصمة الفرنسية قبيل الانتخابات كانت ملأى بالاتهامات الجارحة، وفواصل من الردح المذهل على الطريقة الفرنسية، بين المرشحتين ناتالي كوشيسكو موريزيه عن الحزب المحافظ، ومنافستها آن هيدالغو عن الحزب الاشتراكي الحاكم، في حملة أطلق عليها المراقبون اسم «معركة الجليد والنار»، لطابعها الذي عكس صراعاً بين امرأتين من نمطين مختلفين، إحداهما تمثل طبع شمال الكرة الأرضية ببرودته وانضباطه وثرائه، والأخرى طبع البحر الأبيض المتوسط بدفئه ومرحه وفقره، إذا جاز التعبير.

ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في تقرير نشرته أخيراً، أجواء العاصمة باريس قبيل الانتخابات وجولات الاتهامات القاسية المتبادلة بين المتنافستين اللتين ستبرز إحداهما المرأة الأولى التي تتولى منصب عمدة باريس، وربما المرأة الأولى التي ستتولى رئاسة الجمهورية الفرنسية في المستقبل.

حملة طاحنة

بادرت المرشحة الاشتراكية ذات الشعر الفحمي آن هيدالغو، وهي ابنة أسرة إسبانية مهاجرة، فوصفت منافستها الباريسية الشقراء الأنيقة المتخرجة في مدرسة النخبة البوليتكنيك العريقة، كوشيسكو موريزيه..

بالأميرة من جماعة النخبة التي لا تجمعها مع الشعب الفرنسي البسيط أي أمور مشتركة، فردت عليها هذه الأخيرة بأن وصفتها بالوريثة التي تأمل أن ترث المنصب من العمدة الحالي، بعد توليها منصب نائبة رئيس بلدية باريس، على مدى السنوات السبع الأخيرة. وتلت ذلك تصريحات لفريق كوشيسكو موريزيه تصف معركة مرشحة اليمين الفرنسي لعمدة باريس مع هيدالغو بـ«المعركة بين النجمة وحارسة البناية»، وهو ما ردت عليه هيدالغو أيضاً.

وفيما تعرّف كوشيسكو موريزيه نفسها بأنها «امرأة قاتلة» في السياسة، وكانت قد صرحت لشبكة إن بي سي الأمريكية بقولها: «في السياسة لا يوجد سوى قتلة. البعض يجيد التصويب والآخر لا»، تصوّر هيدالغو نفسها شخصاً شعبياً محباً للمرح. وكانت قد نفت في مقابلة مع صحيفة «الباريزيان»، أن تكون شخصية مسلكية تبعث على الملل، وقالت: «أنا امرأة جدية في السياسة، أما في حياتي الخاصة فأحب الاحتفال والاختلاط بالعائلة وبالجماعة، لأنني أندلسية الأصل، والأندلسيات لسن مضجرات».

لكن كوشويسكو- مورزيه تنتقد منافستها باعتبارها رمزاً لوعود اشتراكية لم يجر الإيفاء بها، كما تتهمها بـ«الهدر»، مشيرة إلى بدل نفقاتها الشهرية البالغ 1670 يورو، و«سوء الإدارة» في البلدية بتحويل العاصمة الفرنسية إلى «مكب زبالة».

 وكانت تردد جملتها: «خابت آمال الناس كثيراً بالاشتراكيين»، معلّقة الآمال على قيام عدد كبير من الناخبين الاشتراكيين بالامتناع عن التصويت لمعاقبة حكومتهم على خيبات الأمل المتراكمة خلال رئاسة فرنسوا هولاند، وعلى إدارة الاشتراكيين لباريس خلال الأعوام الـ13 الماضية، على الرغم من أن هذا الأمر عاد بالفائدة على الجبهة الوطنية اليمنية المتطرفة، كما أظهرت نتائج الانتخابات في الجولة الأولى.

وكوشويسكو - موريزيه، وزيرة البيئة السابقة في عهد نيكولا ساركوزي، كانت قد أثارت موجة من التهكم لبعدها عن أوضاع المدينة، عندما قالت إن خدمات الباص تتوقف عند التاسعة مساء، في حين أن بعضها يستمر في العمل طوال الليل، ووصفها مترو باريس بـ «المذهل»، بينما يراه معظم الباريسيين شديد الازدحام وحافلاً بالجرائم.

والمرشحة التي يطلق عليها أصدقاؤها «المرأة الحديدية» كانت وزيرة في حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي يخضع هو ورفاقه للتحقيق حالياً بقضايا فساد، ويقال إن ما كشف عنه بشأن إصدار أمر من القضاة بالتنصت على مكالماته الهاتفية، أتى بنتائج عكسية على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بعد أن كذبت وزيرة العدل في حكومته مرتين بشأن علمها بموضوع التنصت.

معركة بالأرقام

وكان المعلقون قد أخذوا على المتنافستين تبادل الانتقادات اللاذعة لصورة كل منهما، أكثر من الانتقادات لرؤية كل منهما لمستقبل مدينة باريس التي تضم 2,2 مليون نسمة.

لكن المرشحتين خاضتا معركتهما الانتخابية بالأرقام حول كيفية حفاظ باريس على صورتها «كأجمل مدينة في العالم».

 فقدمت هيدالغو برنامج استثمارات بمبلغ 8,5 مليارات يورو، وطرحت ضمن أولوياتها تسهيل الحصول على مسكن وتوفير وسائل مواصلات أكثر راحة والاهتمام بالطبيعة في المدينة، أما كوشيسكو - موريزيه، فقد أعلنت عن رغبتها في خفض عدد موظفي باريس لتوفير 225 مليون يورو قبل عام 2020، وتحويل وسط المدينة إلى «منطقة مشاة»، وتعزيز السياسة الأمنية.

الطموح الكبير



يؤهل الفوز بمنصب عمدة باريس لأي من المرشحتين ناتالي كوشويسكو - موريزيه عن اليمين الفرنسي، ومنافستها عن الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، الترشح مستقبلاً لرئاسة الجمهورية.

وفي هذا الإطار، جرى الترويج كثيراً لكوشويسكو - موريزيه ومقارنتها بعمدة لندن بوريس جونسون، في إطار التلميح إلى إمكانية تبوئها الرئاسة الفرنسية مستقبلاً. لكن عندما سئلت ما إذا كانت ستكون مرشحة للرئاسة في عام 2017، اكتفت كوشويسكو - مورزيه بابتسامة وقالت: «لا يمكنني أن أكون أوضح من ذلك، فإذا ما تم انتخابي عمدة باريس، فإنني سأكون في ذلك المنصب حتى عام 2020».

وكوشيسكو موريزيه كانت وزيرة في حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي يخضع هو ورفاقه للتحقيق حالياً لاستغلال نفوذهم وتمويل حملتهم بشكل غير مشروع، لكن يقال إن التسريبات بشأن التنصت على مكالماته الهاتفية أتت بنتائج عكسية على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.