شكل جديد من أشكال برامج المواهب، لم يتخذ من الأغنية ساحة للمنافسة كما اعتاد الجمهور، بل تجاوزها ليصل إلى الإعلام، مانحاً الفرصة لعشاق الميكروفون للوقوف أمام الكاميرات، وعرض قدراتهم وطاقاتهم في مجال التقديم، في خطوة تهدف لإعادة الثقة والاحترام للميكروفون، الذي فقد الكثير من مصداقيته بفعل فاعل.
«مذيع العرب» برنامج جديد عرف طريقه إلى الشاشات التلفزيونية، فجذب أنظار عشاق التقديم، ومنحهم الفرصة للكشف عن إمكاناتهم من خلال خوض اختبارات عدة، اجتازها بعضهم بنجاح، بينما تعثر البعض الآخر في منتصف الطريق، فسقط بين أسنان الحروف فأخطأ نطقها، أو خانه التعبير في موقع ما، فأضاع على نفسه فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى.
منافسة
أمام لجنة تحكيم مكونة من الإعلامي طوني خليفة، والإعلامية منى أبو حمزة، والفنانة ليلى علوي، وعلى قناتي «أبوظبي» و«الحياة المصرية» بدأت المنافسة، وتقدم «مذيعو المستقبل» للاختبارات، وأعينهم تغازل ذلك العقد الذي يضمن للفائز الظهور على إحدى أهم الشاشات العربية لمدة خمس سنوات. يبدو أن شكل برامج المواهب استهوى الجمهور، ووافق أمزجة وأهواء أصحاب القنوات، الذين احترفوا ضخ هذه النوعية من البرامج واحداً تلو الآخر، لتزداد حدة المنافسة بينها، وتطل علينا بالتالي برامج أخذت قالب المسابقات، وعرفت كيف تستثمر أحلام الشباب في الوصول إلى مبتغاهم بأسرع الطرق.
«مذيع العرب» الذي يقدمه الممثل قيس الشيخ نجيب والمذيعة سالي شاهين ويخرجه باسم كريستو، امتاز بفكرته وتفرد بها، لا سيما أن التقديم اليوم فقد الكثير من قيمته ومصداقيته في زمن تربعت فيه الراقصة فيفي عبدو على عرش التقديم، وأصبحت فيه «الزغرودة» أداة التعبير عن الفرح، والصوت العالي والصراخ وسيلة الاعتراض أو التعبير عن الغضب، وضاعت معايير الإعلام، فلم نعد نعرف مقومات المذيع الناجح، أو «مؤهلات» المذيعة المحترفة.
مهمة صعبة
بين «خبر عاجل » أو «تقديم فنان» أو«أغنية»، وجد المتسابقون أنفسهم أمام مواقف لا يحسدون عليها، فالمهمة صعبة، تتطلب منهم تجميع أفكارهم وأنفسهم خلال ثوانٍ لإقناع لجنة التحكيم بأدائهم. بعضهم أبهرنا، والبعض الآخر حاول التذاكي علينا بعض الشيء، أما الفئة الأخيرة، فركلها التوتر خارج إطار المنافسة، ليُسهل المهمة على باقي المشتركين، ويمنحهم فرصاً أكبر للبقاء.
أخطاء
توزعت أغلب أخطاء المتسابقين بين مخارج الحروف، والانفعال المصطنع، وإعطاء الخبر حجمه المناسب، ومع العروض المباشرة بدأت الحقيقة تتكشف، وبدأت الكاميرات ترصد نقاط الضعف والقوة، وبدأ الجمهور يدرك من الذي يستحق لقب «مذيع العرب» عن جدارة.
يُحسب للبرنامج أنه أعاد لنا- كمشاهدين- بعض الطمأنينة، وأعاد الثقة والاحترام للميكروفون الذي فقد بريقه، وفي الإعلامي الذي خَفَتَ تألقه مع قوانينه الخاصة التي فرضها فرضاً على الجمهور، لنجد أنفسنا نتطلع بشغف إلى إعلاميين «طبيعيين» يرتبكون أمام الكاميرا، وعلى وجوههم ترتسم «حُمرة» الخجل الجميلة، ووعود باحترام الجمهور ومهنة الإعلام، وهو ما نأمل أن نراه في «مذيع العرب» الذي سيطل علينا على مدى خمس سنوات متواصلة.
تجارة
ما يثير الاستغراب والدهشة ويطرح التساؤلات، هو الاستعانة بالممثلة ليلى علوي كعضوة في لجنة التحكيم، في برنامج يُسخر كل طاقاته بهدف الحصول على مذيع محترف، وهو ما يدل على أن العامل التجاري كان له تأثيره الكبير في هذا الاختيار، إذ تم استخدام اسم ليلى علوي لزيادة نسب المشاهدة، رغم أن الساحة الإعلامية تعج بإعلاميين متميزين، كفيلين بجذب أكبر شريحة من الجمهور، وهو ما يثير البلبلة حول البرنامج، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للممثل قيس الشيخ نجيب لتقديم برنامج مختص بالمواهب الإعلامية، ما يجعلنا نتساءل لماذا لم يتم الاستعانة بإعلامي صاحب بصمة في مجال التقديم ليكون قدوة للمشاركين؟
الكرسي الرابع
أضاف «الكرسي الرابع» الكثير للبرنامج، إذ يتيح المجال للمشتركين للالتقاء بأهم الإعلاميين في الوطن العربي، ما يزيد خبراتهم ويصقلها، ويساهم في صناعة إعلامي ناجح، لا سيما أن الهدف من البرنامج هو صقل الموهبة التقديمية لدى المبتدئين، وإنعاش المواهب الدفينة لدى البعض الآخر من المشاركين في مجال تقديم البرامج المختلفة.
الحق يقال، إن البرنامج امتاز بالإبهار، وتنوعت فيه المسابقات، ما يضع المشاركين أمام تحديات قد تعترضهم مستقبلاً، ويساعدهم بالتالي على تجاوزها والوصول بالبرنامج وبأنفسهم إلى بر الأمان.
اللغة العربية
يُحسب للبرنامج تركيزه على إحياء اللغة العربية السليمة لفظيًّا، وهو ما يفتقر إليه العديد من المذيعين على مختلف الشاشات، وفي البرنامج طغت اللهجة في كثير من الأحيان وأساءت للخبر بشكل كبير، ليقوم أعضاء لجنة التحكيم بتقويم الخطأ، وتنبيه المشتركين إليه، ما ساهم في تقليل الأخطاء في الحلقات التالية.