ثارت سلسلة من الفضائح المالية والمتعقلة بعقود بمليارات الدولارات حول الرئيس المكسيكي إنريكي بينا نيتو، ووصل احتدامها إلى حد التشكيك في مستقبله السياسي، وفرض العديد من التحقيقات في جوانب مختلفة من هذه الفضائح، أبرزها التحقيق في هرب أحد أكبر تجار المخدرات تحت سمع وبصر السلطات المكسيكية.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير نشرته أخيرا، إن الرئيس نيتو أصدر أخيرا أمرا تنفيذيا بمصادرة 91 فدانا من أراض يعتبرها الكثيرون «مقدسة» في منطقة سان فرانسيسكو زوتشي كوتلا، والتي تضم غابات ممتدة، على الرغم من أن صاحب الأرض ويدعى أرماندو غارسيا قد رفع عدة قضايا للاعتراض على القرار فاز في إحداها، وخاض غمار احتجاجات عديدة، وألقي القبض عليه في تصديه لمنع شق طريق رئيسي يقسم أرضه.

وقد عرف المقاول الذي ينفذ هذا المشروع بلقب «مقاول الرئيس»، حيث سبق له أن أقام مشروعات عديدة للرئيس بينا نيتو، ومنها إنشاء قصر لعائلة الرئيس وتقديم دار لوزير المالية بتكلفة التشغيل أي دون تحقيق أرباح في الوقت الذي عقد صفقات بمليارات الدولارات مع الحكومة المكسيكية.

وقال أرماندو غارسيا، صاحب الأرض التي نزعت ملكيتها لشق الطريق: «إننا نعرف أن قبضة الرئيس السياسية على هذه الولاية تعود لسنوات طويلة، ولكننا لم نعرف أنها ستنتهي بالتأثير علينا بشكل مباشر وبصورة بالغة السوء».

وتعد صلة بينا نيتو بهذا المقاول إحدى الفضائح العديدة التي أثارت تساؤلات حول الرئيس المكسيكي، ولطخت تراثه.

وفي غضون ذلك، ينهمك الناس في أرجاء المكسيك بمناقضة ضربة أخرى وجهت للحكومة المكسيكية، وتتمثل في سؤال محدد هو: كيف استطاع جواكين غوزمان دويرا، الذي يعد من أبرز مهربي المخدرات في العالم والمعروف بلقب إلشابو، الإفلات من سجن بالغ الصرامة أخيرا، بشق نفق طوله ميل تحت سمع وبصر السلطات المكسيكية، وكيف تمكن من تحقيق ذلك دون مساعدة شخصية نافذة في السلطة؟

ويتساءل الكثيرون كيف استطاع المقاول الحكومي الذي يشق الطريق بأمر من الرئيس المكسيكي الانتقال من تاجر بسيط يتعامل مع الأدوات الكتابية، إلى صاحب امبراطورية يحصد مليارات الدولارات من خلال العقود الحكومية.

وقالت نيويورك تايمز إنه حتى الآن لم يتم توجيه أي اتهام للرئيس المكسيكي أو أي من أعضاء الدائرة المقربة منه في هاتين القضيتين، غير أنه من المنتظر أن يعلن قريبا عن نتائج التحقيق الذي أجرته الحكومة فيما يتعلق ببناء قصر عائلة بينا نيتو، كما أن هناك تحقيقا منفصلا يجري في الكيفية التي استطاع بها قطب المخدرات الهرب من السجن.

وعلى الاختلافات بين هاتين القضيتين، فإنهما قد سببتا شعورا واسع النطاق بالإحباط في دوائر الرأي العام، وذلك على الرغم من مزاعم بينا نيتو أن المكسيك والحزب الثوري المؤسسي الذي ينتمي إليه قد تغيرا، لكن الكثيرين يؤكدون أن أكثر مشكلات البلاد استعصاء، أي الفساد لم يتغير.

ويقول مانويل هويرتا عضو البرلمان المكسيكي المعارض: من الواضح أن قضية الشابو وقضية العقود الحكومية هي ذاتها الشيء نفسه، أي الفساد، وهو ما يوضح فساد هذه الحكومة وافتقارها للكفاءة.

يشار إلى أن الشركة التي تشق الطريق الرئيسي في الأراضي المصادرة يمتلكها خوان أرماندو كانتو، وهو مقاول حكومي تربطه صلات وثيقة بالرئيس بينا نيتو تعود إلى السنوات التي كان فيها هذا الأخير مساعدا طموحا في ولاية المكسيك.

وتوضح سجلات كشف النقاب عنها حديثا أن شركات كانتو والشركات التابعة لها قد حصلت على عقود تقدر بـ2.8 مليار دولار في التعامل مع الإدارات والهيئات الحكومية من خلال أكثر من 80 عقدا تعتقد المعارضة المكسيكية أنها نتاج علاقة دامت عقدا من الزمن بين كانتو وبينا نيتو.

وكانت العلاقات بين الرجلين محل تساؤل إلى أن كشف صحافيون محليون أخيرا أن الرئيس المكسيكي وزوجته اشتريا دارا تمتد على 15 ألف قدم مربعة قام كانتو ببناء دار بالمواصفات التي حدداها عليها بشروط سخية على نحو غير مألوف.

وقالت السيدة الأولى المكسيكية، وهي ممثلة سابقة، إنها اشترت الدار بقرض مصرفي قيمته أربعة ملايين دولار، وقد استخدم بينا نيتو دارا ثانية يملكها كانتو كمكتب له خلال حملته الانتخابية الرئاسية وقبل أن يتولى الرئاسة في 2012.

وقد قام بينا نيتو بإلغاء عقد حكومي قيمته 3.7 مليارات دولار من أجل مشروع قطارات تنفذه مجموعة شركات من بينها شركة يملكها كانتو بعد اندلاع ثورة انتقادات شعبية للمشروع.

عقود مذهلة

على الرغم من أن الخبراء المكسيكيين يجمعون على أنه من المألوف أن يكون لكل إدارة رئاسية مقاولوها المفضلون، إلا أنهم أشاروا إلى أن نوعية العقود التي حصل عليها مدير شركة المقاولات أرماندو كانتو بدعم من الرئيس المكسيكي بينا نيتو تبدو مذهلة بكل المعايير.

وهناك صفقات كبرى أخرى يشارك فيها كانتو من بينها مشروع الطريق الرئيسي الذي بلغت تكلفته الأصلية 132 مليون دولار، ولا يدري أحد كيف قفزت التكلفة النهائية للمشروع إلى 207 ملايين دولار.