تحولت المواهب التي ظهرت على الساحة الغنائية والفنية أخيراً، إلى علب سردين لها مدة صلاحية محددة، البعض منها يبدأ من انطلاق برامج الهواة، وإنفاق الشركات الراعية ملايين الدولارات سنوياً عليها، وينتهي مع إسدال الستار عنها، ليخرجوا نجوماً هشة من ورق.
إضافة إلى بعض الأقلام الصحافية التي تجند نفسها لتمهيد طريق الشهرة لوجوه لا تستحق، لأنها عبارة عن فقاعة لا تلبث أن تنفجر وتختفي، فتجد العناوين البراقة والحوارات الإعلامية عن تاريخ فنان لا يزال يحبو.
المعادلة تغيرت عن الماضي، الذي كان يقتضي على الفنان المرور بعدة مراحل حتى يطلق عليه «مطرب» أو فنان، فقديماً لم يكن طريقُ الشهرة مفروشاً بالورود، فما أكثر الشوك الذي أدمى مشاهير خلدهم التاريخ، رغم مرور عشرات السنين على غيابهم، وكانت الأشواك هي التي تكتب شهادة ميلاد الفنان، فهذا عبد الحليم حافظ، الذي شق طريق الشهرة وسط قاذفات الطماطم، التي كانت عربوناً لمجده الفني في ما بعد، فقد غنّى حليم في أول إطلالةٍ له مع جمهوره «صافيني مرة وجافيني مرة، ولا تنسنيش كدا بالمرة»، والتي لحنها له رفيق الدرب محمد الموجي، وقتها لم يستسغ الجمهور هذا اللون الجديد، فما كان منه إلا أن قذفه بما في يده، ولكنه لم يستسلم، وظل على ما هو عليه، حتى كُتِبَ اسمه في سجل الخالدين، وحينما كان يخطئ، لم ترحمه الصحافة، بل كانت توجه له أصابع الاتهام دون هوادة.
أما اليوم، فحدث ولا حرج، فهناك طرق ملتوية ابتدعها عديمو المواهب، وللأسف، حققت للبعض ما يريد من أضواء، فكل من يغني يعتبرونه مطرباً، حتى لو قدم فناً رديئاً خالياً من أي مضمون.
استغلال إعلامي
يرى الملحن إبراهيم جمعة، أن صناعة النجم في هذا العصر لم يعد لها وجود، فالنجم تستغله وسائل الإعلام وتقوم باستضافته في البرامج ووضعه على أغلفة المجلات، طمعاً في مزيد من المبيعات، والفنان يستغل نجوميته، ويطالب بمبالغ باهظة في الحفلات، فلا يمكن أن يكون هناك نجوم حقيقيون إلا عن طريق وجود لجنة من النقاد، وللأسف، في دول الخليج عددهم قليل للغاية، نرى فقط صحافيين يكتبون عن نشاطات الفنان من دون تقييم لأعماله، فاليوم، الفنان الذي يملك نقوداً ويسجل أغاني دون رقيب، ويصبح نجماً ويغرد بصوته في الفضائيات.
يصمت قليلاً، ثم يقول: أتذكر أنني دعيت من قبل نادي طلبة الإمارات في القاهرة على حفل عبد الحليم حافظ بمناسبة زواجي، وقتها قدم العندليب قصيدة «قارئة الفنجان» للمرة الأولى، قام بعض الجمهور بالصفير ومقاطعة غنائه، وقتها توتر حليم وتضايق مما حدث، وردد للجمهور بأنه أيضاً يستطيع التصفير، ليقوم هو الآخر بهذه الحركة، وأطلق صفيراً عالياً، فقام الجمهور بالتصفيق له، ليعود للغناء، ويقوم أحد الأشخاص بالتسلل إلى خشبة المسرح ويقدم له أمام الجمهور بدلة رسم عليها عدد من الأطباق والفناجين، فقامت مجموعة من عمال المسرح بإخراج هذا الشخص، واستأنف عبد الحليم الغناء وهو في شدة الغضب، في اليوم التالي، قامت عليه الصحافة وانتقدته بشدة، واستضافته الإعلامية أماني ناشد، التي وجهت له عدة أسئلة محرجة في ما يخص تعامله مع جمهوره، وتصريحاته بأنه أسهم في صناعة عدد من الصحافيين، الأمر الذي أحرج حليم كثيراً.
أقلام مأجورة
يؤكد الدكتور جمال فياض، وجود بعض الأقلام التي تتقاضى أجراً من الفنان ليمجدوا فيه ويتغاضوا عن أخطائه، لتكون الموضوعية والحيادية في خبر كان. يقول فياض: أذكر أن إحدى المجلات أجرت معي استفتاء منذ 3 سنوات، لم يقبل أحد الإجابة عنه، والذي تمحور سؤاله حول رؤية مستقبل سيرين وهيفاء ونيكول سابا في عالم الفن، فقلت إنني أراهن عليهن كممثلات، لأن قدراتهن الغنائية بسيطة، والتمثيل يعتمد على الموهبة وثقل القدرات، وقتها هاجمتني الصحافة المأجورة التي تأخذ راتبها من الفنانين، لدرجة أنهم استهزؤوا بآرائي ووصفوني بالمنجم، وقتها لم أعلق، واليوم يأتي الرد، كون هؤلاء النجمات أصبحن ممثلات، والغناء تحول إلى شيء ثانوي بالنسبة لهن.
مجاملة تفتقد المصداقية
ترى الإعلامية منال أحمد، أن الإعلام في بعض الأحيان يكون مجاملاً وليس صريحاً، فنجد وجوهاً على الشاشة لا تستحق مكانها، وأخرى تتوارى خلف الكواليس، على الرغم من أهميتها، فالمعايير اختلفت، وكل شخص يريد لعب جميع الأدوار، حتى لو لم تكن مناسبة له، فتجد الممثل يجلس على كرسي المذيع، والمغني يقف أمام كاميرات السينما، فالتطفل أصبح سيد الموقف، لتختلط الأوراق بصورة مبالغ فيها.
وتضيف منال: نجومنا الحقيقيون، هم القدامى الذين كانوا يقدمون فناً وإعلاماً راقياً، فالذي يرغب في الظهور على الشاشة من أجل الشو الإعلامي، أقول له بلهجتنا «استريح والدله بتيه لحد عنده»، لأن الإعلام له دور أساسي في صناعة النجم، سواء كان فناناً أو إعلامياً، لذلك، لا بد من التأني في اختيار الشخصيات التي نسلط الضوء عليها، فللأسف، هناك وجوه ليس لها كيان في بلدها، ولكنها هنا تعامل كنجمة ويفرش لها الورود.
مهنة من لا مهنة له
وتشير الإعلامية هبة جمال، إلى أن معايير صناعة النجم حالياً، تغيرت كثيراً، لعدة أسباب، من ضمنها تخاذل دور الإعلام عن كونه العين الناقدة والسيف الذي يردع، إلى أداة تسعى إلى الكسب المادي وتسليط الضوء على الشخصيات السطحية المثيرة للجدل، فهناك عدد من المجلات تبيع أغلفتها، نظير حصولها على مبلغ وقدره من الفنان، أو الذي سيقوم الصحافي بعمل بروباجندا حوله وإيهام الجمهور بأنه بالفعل فنان، على الرغم من أنه في الواقع غير ذلك.
تضيف هبة: كل من هب ودب أصبح إعلامياً أو ممثلاً، فالمهم، هو أن تكون الفتاة جميلة أو عارضة أزياء، فكلما زادت عمليات التجميل والتنازلات التي تقدمها، كانت فرصتها في العمل أكبر.
وترى هبة، أن هناك اختلافاً كبيراً بين الماضي واليوم، فالنجوم قديماً كانوا يحبون الفن، فلم تكن المادة في حساباتهم، والدليل على ذلك، أن الكثيرين منهم ماتوا وهم لا يملكون شيئاً، وآخرين كانوا يتعالجون على نفقة دولتهم، ومنهم السندريلا سعاد حسني، فقد كان لديهم التزام واحترام في التعامل مع غيرهم، على عكس البعض، الذي يتعامل بغرور وتعال. الصحافة أصبحت تغفل متعمدة عن الأسماء التي من المفترض أن تحاورها، ويكتفون بعديمي الفكر والثقافة، الذين يجدون في مواقع التواصل الاجتماعي ملاذاً لتبادل الشتائم بطريقة مهينة، فالوضع للأسف محبط للغاية.
إليسا تتعامل بتعال ودياب يرفض النقد
تعد إليسا من النجمات التي تتعامل مع الإعلام بتعال وغرور، ففي آخر حفل لها في دبي، لم تحترم وجود الصحافة حولها، فكانت تجيب عن الأسئلة بطريقة غير لائقة، لدرجة أنها شوحت بيدها إلى إحدى الإعلاميات لأنها تجرأت وسألتها أكثر من سؤال، قائلة لها يكفي، لا أريد المزيد من الأسئلة، بشكل غير مقبول، هذا بالإضافة إلى الكثير من الحفلات التي ترفض فيها إجراء حوارات صحافية، كذلك عمرو دياب، يعلنها صراحة بأنه إذا دخل صحافي إلى وراء الكواليس، فإنه لن يصعد على المسرح.
فحينما تعرض دياب أثناء إحدى حفلاته إلى قذف أحد الجمهور له بالحجارة، وكتبت الصحافة عن ذلك، تعامل مع الخبر بكل حدية، فكيف للهضبة أن يقال عنه ذلك، فهو لا يسمح إلا بتداول أخبار تتحدث فقط عن نجاح الحفل، وصيحات الآلاف له عند رؤيته، رافضاً أي نقد يوجه له، فهناك نظرة فوقيّة يتعامل بها بعض الفنّانين مع الصحافة، والطريقة التي تتعاطى بها بعض الصحف مع الفنّانين، حيث يتحوّل المديح إلى تزلّف، والنقد إلى ما يشبه الردح، وصولاً إلى الشتيمة المغلّفة بستار من التهذيب، حيث يتم أحياناً شن حملة هجوم متعمدة من فنان لتشويه سمعه فنان آخر، بالاتفاق مع أقلام محددة.
شائعات
ومن ضمن الطرق التي يحاول بها الفنان إلقاء الضوء عليه وصناعة اسم له، اللجوء إلى الشائعات، حيث تدعي فنانة خطبتها لقامة فنية كبيرة، مدعية قصصاً من وحي الخيال، وهنا، يفاجأ القامة الفنية بهذه الأكاذيب، فيتفضل مشكوراً بنفي كل هذه الخزعبلات في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وبذلك، يتحقق لها ما تريد، وتصبح ناراً على علم.
وقد جاء في سياق نفي الفنان، أنه تفاجأ بالخبر والاسم، حيث إنه لم يسبق له أن عرف ممثلة باسم..، ولا تربطه بها أية علاقة على الإطلاق، ولا صحة لما ذكرته حول طلبه الزواج منها، أو إرسال رسائل على هاتفها، تعبيراً عن إعجابه بها، أو رغبته في الزواج منها، ولم يتقدم لها من الأساس.
فكرة
ذِيع موهبتك في «كشك الشهرة»
مع كل موسم جديد لبرامج الهواة، تدور الأسئلة حول مصداقية النتائج، ويثار حولها الكثير من الجدل، ليطل برنامج مختلف «ذيع موهبتك»، ربما لم يحقق نجومه النجاح المطلوب، ولكنه حمل فكرة لم تطرح من قبل، انتهى موسمه الأول الذي عرض على «يوتيوب»، وهم حالياً يحضرون لموسمه الجديد. البرنامج عبارة عن استوديو على شكل كشك، يجول كل المحافظات المصرية لاكتشاف المواهب التي تمتلك أصواتاً مميزة. الكشك يوفر الكثير من التكاليف والإجراءات التي يتضمنها التقدم لأي برنامج لاكتشاف المواهب، كما يسمح البرنامج لكل من يؤمن بموهبته، بإيصال صوته لجمهور الإنترنت أينما كان. ومن خلال عدد مشاهدات وإعجاب المشاهدين للمقاطع على شبكة الإنترنت، تتأهل تلك الموهبة للنهائيات، ما يجعل الجمهور هو الحكم الوحيد في جميع المراحل.
برنامج
صاحبة السعادة نافذة على الأصالة
يعد برنامج «صاحبة السعادة»، والذي تقدمه إسعاد يونس، من أهم البرامج التي عملت على صناعة نجوم حقيقيين، وأظهرت مواهبهم أمام الجمهور، لنرى فقرات غنائية وترفيهية بشكل مميز، ناهيك عن إعادتها لتقديم نجوم غابوا عن الساحة الفنية لفترات طويلة، إلا أن أعمالهم الخالدة، جعلت منهم نجوماً لا يمكن نسيانهم، متكئةً على مخزونٍ ثقافيّ وفكاهيّ متجذّر في عراقته، فقدمت حلقة عن أشهر مطربي شرائط الكاسيت، الذين ظهروا أواخر الثمانينيات.
وطرحت قضية اختفائهم الفترة الماضية، وأخرى عن تترات المسلسلات، لتقدم حنان ماضي وعلي الحجار ومحمد الحلو تترات أعمال حجزت لها مقعداً في ذاكرة الجمهور، كذلك قدمت حلقة تحت عنوان «هنا القاهرة»، لتتحدث عن الإذاعات ومدى التغير الذي حدث لها حتى الآن، والكثير من الحلقات التي تدل على وجود فريق إعداد لا يستهان به، وإعلامية مثقفة مثل إسعاد يونس، لا تستضيف أي أحد، وإنما بالفعل نجماً بالمقاييس التي من المفترض أن تكون.