إن كنت تبحث عن تفاصيل الحياة التقليدية في دبي، فوجّه عينيك تجاه حي الفهيدي التاريخي، ذاك الذي كان ولا يزال يمثل مركزاً لفنون العالم وقلب «دانة الدنيا» النابض، فـ «براجيله» الشامخة، والمشيدة من الحجز المرجاني والجص وخشب الساج والشندل، وسعف وجذوع النخل، لا تزال تشهد على تاريخية المكان، وموقعه الاستراتيجي المطل على خور دبي، حيث شريان الحيافي «دار الحي».
بين أزقة وسكيك الحي وساحاته، لا تزال تعيش أصوات سكانه الأصليين، ولا تزال تسكن بين ثناياها بعض من ذكريات كل أولئك الذين مروا وعاشوا في تلك الأزقة، التي إن تتجول فيها، حتى تبدأ باكتشاف كنوز دبي، وجمالها الطبيعي، وتتعرف إلى أصلها، وحيوية سكانها، وأن تلقي من خلال نوافذ «تسامحها» نظرة على الآخر.
فالمكان تحول مع مرور الزمن إلى وجهة سياحية، تعج كل أوقاته بالسياح الذين يقصدون التعرف إلى وجه دبي الأصيل، عبر السير على خطى بناة المدينة، من تجار ووجهاء، لا تزال أسماؤهم تلمع في فضاء الحي، مقدمين صورة حية عن الإماراتي الأصيل، طيب السمعة والكريم.
فرق شعبية
في أيام العيد، سيكون الحي التاريخي، واحداً من أفضل الأماكن التي يمكن زيارتها، حيث دأبت الفرق الشعبية في الأعياد والمناسبات المختلفة، على نشر فنونها بين أزقة الحي، فيما تتربع النساء في زوايا الساحات، لتقدم للزوار بعضاً من ملامح التراث الشعبي، مانحين زوار المكان فرصة التعرف إلى الحرف اليدوية الإماراتية، مثل التلي والسعفيات وقرض البراقع، وغيرها، حيث يأتي ذلك في إطار تعزيز وترسيخ ثقافة الإمارات وهويتها الوطنية.
متحف فني
رحلة واحدة لحي الفهيدي، لن تكون كافية لأن تشبع شغف الاكتشاف والبحث عن جذور «جارة الخور»، لا سيما بعد أن تحول إلى متحف فني مفتوح.
حيث تفيض «سكيك» الحي بكل أشكال الجمال وفن العالم المعاصر، الذي يمكن بسهولة اكتشاف آثاره بين حجارة الأزقة، لا سيما أن الحي أصبح حاضناً لمعظم الفعاليات الثقافية والفنية التي تشهدها دبي سنوياً، وعلى رأسها «معرض سكة الفني»، و«برنامج الفنان المقيم»، و«أسبوع التراث»، وفعاليات اليوم الوطني والمناسبات الأخرى، وتتوزع في الحي المقاهي والمطاعم والنُزُل ذات الأجواء التراثية الخلابة والمريحة.
أنشطة منوعة
احتضان الحي للعديد من الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة، جعل منه وجهة للفنانين ورواد مدارس التشكيل، وأولئك الباحثين عن أشكال الجمال المختلفة، حيث تتركز بين طرقات الحي الضيقة، المعارض الفنية والمتاحف المتخصصة، والجمعيات الثقافية والفنية، ومراسم للفنانين.
ومراكز ثقافية مختلفة، يأتي على رأسها مركز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري والثقافي، الذي بات يعد الخيار الأول لدى معظم الزوار الراغبين الاطلاع على الثقافة والتقاليد المحلية، الأمر الذي جعل من المركز «جسراً حضارياً» بين دبي وزوارها الأجانب، حيث يتيح لهم من خلال أنشطته، جدولاً مليئاً بالفعاليات التراثية، التي تمنحهم فرصة التعرف إلى تاريخ دبي والإمارات، وعادات وتقاليد المجتمع الإماراتي، كما يمنحهم نظرة خاصة على المطبخ الإماراتي الثري.
تواصل حضاري
اكتشاف وجه دبي وتاريخها، لن يكون قاصراً على ما يقدمه مركز محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري والثقافي، حيث يمكن لزائر الحي، أن يسلك بعض المسارات المتعرجة، حتى يصل إلى سوق الأقمشة، الذي يجسّد تاريخ التجارة في دبي، حيث يقدم الباعة هناك أروع الأقمشة الملونة والهدايا التذكارية وغيرها.
وبالقرب من السوق، يقع متحف «ساروق الحديد»، الذي يعرض مجموعة من التحف الفنية التي تم اكتشافها في موقع أثري في قلب الصحراء، يتجاوز عمره قروناً، وفيه يمكن للزائر مشاهدة أكثر من 900 قطعة أثرية تم اكتشافها في الموقع.
قهوة وهيل
حي الفهيدي، الذي يعكس من خلال مبانيه، أنماط العيش التقليدية في دبي، بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، وحتى سبعينيات القرن الماضي، يبدو ثرياً بذكرياته وفعالياته ومحاله التجارية، والمقاهي التي تفتح أبوابها على التاريخ، حيث تفوح من بين أروقتها روائح الهيل والقهوة العربية، والحلوى العمانية، والتي تقدمها إدارات هذه المقاهي بأسلوب عصري، في وقت لا تبخل عليك بتوفير بعض الكتب التي يمكن لها أثناء تناولك لفنجان قهوتك، أن تغني وقتك بالمعرفة.
رحلة التسوق في حي الفهيدي، لا يمكن أن تصل إلى خط النهاية، لا سيما عند الوصول إلى محطة قوارب العبارة في بر دبي، والتي تمثل نقطة انطلاق جديدة، نحو حي الشندغة وسوق الذهب، ودبي الجديدة، حيث تعكس مدى قدرة هذه المدينة على التطور والوصول إلى العالمية.