زيارة واحدة لمنطقة السيف في دبي، لا تكفي لاستكشاف مواطن جمالها، فهي جارة الفهيدي ورفيقة خور «دانة الدنيا»، والمطلة على دبي الحديثة، تلك التي تزدان بوهج أضوائها وفرادة عمارتها، لتبدو منطقة السيف، وكأنها تجمع بين عهدين، ففيها تتلمس ملامح دبي الحديثة، وتتنسم هواء المدينة القديمة، ولعل ذلك ما جعلها من معالم دبي البارزة، التي تضج بأصوات السياح وزوار المكان، الذي يمنح الجميع الفرصة لعيش تجربة فريدة.

الجولة في المشروع الذي يمتد على ضفاف الخور، على مسافة كيلومتر وثمانمئة متر، لا يمكن أن تجد طريقها إلى الملل، وكلما توغلت فيها، تكتشف مزيداً من التجارب التي تمنحك الفرصة لأن تتعرف على وجه دبي الحقيقي، وأن تقرأ تاريخها على صفحات البيوت المشيدة في المكان، وتسمع أصوات كل من مروا في المكان قديماً.

منذ أن كان منطقة صحراوية، حتى أضحى وجهة تقصدها جنسيات العالم على اختلاف منابتها، ولعل ذلك ما منح المكان بعداً إنسانياً مختلفاً، ففيه يمكن أن تتلمس التراث وأصالته، وأن تتعرف على عادات وتقاليد المجتمع المحلي، وأن تتذوق طعامه وتجرب رداءه، وفي الوقت نفسه، تتواصل مع ثقافات وحضارات إنسانية أخرى، عبر ما تضمه هذه المنطقة من تشكيلة واسعة من المطاعم والمقاهي، والمحال التجارية التي يتراءى خيالها على صفحة الخور، حيث تشق العبرات والسفن الخشبية عبابها بين مياهه.

أهمية

المشروع الذي يبدأ من قصر الشيخة مريم بنت راشد آل مكتوم، ولا ينتهي عند حدود منطقة الفهيدي، التي تمثل قلب دبي النابض، يمتد على مساحة قدرها مليونان ونصف المليون قدم مربعة، في وقت استطاعت منطقة السيف أن تكسب أهميتها عبر الزمن، وذلك وفق ما يوضحه المهندس رشاد بوخش، رئيس مجلس إدارة جمعية التراث العمراني، في حديثه مع «البيان».

حيث قال: «تعد السيف واحدة من مناطق دبي المهمة، وأهميتها بدأت بعد انتقال المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، من الشندغة إلى زعبيل، وأول شارع رصف في دبي، كان شارع السيف، والذي كان يربط بين زعبيل ومكتب الحاكم أو الديوان، وذلك كان في 1958».

وأضاف: «ومن الأمور الأخرى التي أكسبت المنطقة أهمية، تشييد القنصلية البريطانية (أو ما كان يعرف سابقاً باسم مكتب المعتمد البريطاني) فيها، وذلك في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت تعد السيف آنذاك من ضواحي دبي، وكانت نوعاً ما منطقة صحراوية، إلى جانب أنها تضم المقبرة، لكون المنطقة قديماً كانت تعد نهاية المدينة».

مكافحة التصحر

وأشار بوخش إلى أن بلدية دبي، قامت خلال عقدي الثمانينيات وبداية التسعينيات باستغلال المنطقة وتحويلها إلى حديقة عامة، لخدمة أهالي المنطقة وسكانها، وساهم ذلك في مكافحة التصحر في تلك المنطقة، التي احتضنت لاحقاً بعض فعاليات مهرجان دبي للتسوق، وأبرزها السوق الليلي، الذي كان يستقطب أعداداً كبيرة من السياح. ونوّه بوخش إلى أن بلدية دبي بدأت في 1998 في ترميم منطقة الفهيدي الملاصقة للسيف، واستغرقت العملية نحو 10 سنوات.

وقال: «بعد ذلك أطلت شركة مراس بفكرة إنشاء منطقة السيف، بدءاً من منطقة الفهيدي وانتهاء بقصر الشيخة مريم بنت راشد آل مكتوم، بحيث يكون مدخل المنطقة الواقع بالقرب من القصر، عصرياً ويتماهى مع طبيعة العمارة الحديثة التي تمتاز بها دبي، على أن يتم التدرج في تصميم المنطقة والتدرج فيه، عبر الانتقال إلى إنشاء منطقة تراثية متكاملة من حيث السكيك والبيوت القديمة، التي يصل عددها إلى أكثر من 150 بيتاً، على أن تكون المنطقة سياحية وتجارية وترفيهية في الوقت نفسه».

نماذج وزخارف

محال تجارية ومطاعم تكاد تمثل معظم جنسيات العالم، بما فيها المطبخ المحلي، تتواجد في ذات المكان، والذي كلما توغلت فيه تشعر أنك تعود في الزمن إلى الوراء، عبر المباني التراثية المقامة في المكان، وبحسب رشاد بوخش، فقد اعتمد مهندسو المشروع في تصاميم المباني على كتاب «عناصر العمارة التقليدية» التي أعدته بلدية دبي، ويضم كافة النماذج والزخارف المعمارية التي تمتاز بها مناطق دبي.

وقال: «استفادوا أيضاً من طبيعة العمارة التراثية التي تمتاز بها مناطق دبي القديمة مثل الشندغة والفهيدي وغيرها، وتم تطبيقها بأسلوب جميل ومميز وراق»، وأكد بوخش أن الاختلاف الوحيد بين المباني القديمة الموجودة في السيف ونظيرتها في المناطق الأخرى يكمن في المواد المستخدمة.

وقال: «كافة البيوت القديمة الموجودة لدينا بنيت من الحجر المرجاني والجص، والذي لا يقوى على العيش لفترات طويلة، وقد استبدلت هذه المواد في المشروع الجديد بالخرسانة من الداخل، والكساء الخارجي من الأسمنت، والذي منح طابع اللون القديم، وبتقديري أن مهندسي المشروع أثبتوا جدارتهم فيه، لدرجة أنهم تمكنوا من إدخال الرطوبة في بعض الجدران، من اجل محاكاة المباني القديمة في دبي».