«لم تتبلور بعد مساحات الفهم الراجح والتحليل الواعي لمنشأ فيروس كورونا، وبالأخص، أننا ما زلنا في دائرة الحيرة والانشغال بطرد الاستجابة لهذا الفيروس، ومحاربته بكل الطرق المتاحة من تهيئة ووقاية وترشيد مجتمعي».

هكذا بدأت الروائية والقاصّة الإماراتية لولوة أحمد المنصوري حوارها مع الـــــ«البيان» حول الجدل المفاهيمي الثقافي في ظل جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) العالمية وانعكاساته الأدبية في الوقت الراهن، ومحاولات إيجاد أعمال أدبية وثقافية تركز على ماهية التوعية، مستفيدة من مخرجات التواصل التكنولوجي ومبينة على توثيق علاقة الإنسان بذاته وبالآخرين للتصدي لظاهرة الفزع الجماعي.

نهضة توعية

تقول لولوة إنه في الوقت الراهن لا يمكن التنبؤ بتقلب المفاهيم، وإنما ببذل أقصى ما يمكن من جهد في دحر الوباء وتحقيق نهضة التوعية في تخليص العالم منه والبحث عن سبل النجاة ومحفزات المناعة، ثم يأتي التفكير في منشأ الفيروس ووضع تحليل يقيني لمنبته، بعد مرور الأزمة بسلام، لتجنب تكراره، وبعد تحقق ذلك يمكننا أن نلتفت إلى الوراء لمطابقة تغيّر المفاهيم، فما زال الجدل جارياً وحالة الذهول والصدمة مستمرة، وقد نشأت حسب الملاحظة العالمية حالات مختلفة من التفاعل مع الوباء: أولاها الذات الأنانية المتمردة على المنع، وعدم الاهتمام بالمصلحة العامة حين تنادي الأوطان بالعزل الصحي، وحالة ثانية سببها الذعر والفزع الجماعي والسلوك الهستيري.

الأميّة الإلكترونية

وتشير لولوة الحاصلة على بكالوريوس الأدب العربي، إضافةً إلى دبلوم في الإعلام، إلى أن الأميّة الإلكترونية تعزز السلوك المجتمعي الهستيري والفزع الجماعي الذي أشرت إليه وبالأخص في ظل انصهار الفرد في جماعة مذعورة واكتسابه وعياً مستنبطاً من وسائل التواصل الاجتماعي، فليس الأميّ الإلكتروني هو فقط من يجهل التعامل مع التكنولوجيا كنافذة تلقٍّ، تساهم بشكل أو بآخر في تطوير المعارف والآداب، حسب منظور – سعيد يقطين - بل الأميّ في نظري هو ذلك الذي يتغذى على دماء الشعوب بنشر ثقافة الذعر والملابسات الخبرية والإشاعات المفبركة ويوظف التقنية الإلكترونية في الشرور والتغوّل.

ظاهرة خطرة

وتوضح عضوة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ولجنة تحكيم جائزة الإمارات للرواية بدورتها الـ2. الكاتبة لولوة: نحن اليوم نقف منذهلين أمام ارتسام ظاهرة أخرى موغلة في الأنا الخطِرة والإفراط في التحيز نحو الذات عبر احتكار الوقاية ومقومات النجاة، هنا أتذكّر إشارة الناقد العراقي عبدالله إبراهيم – في كتابه «أمواج» حين تطرق إلى تحليل علماء الاجتماع لظاهرة الفزع الجماعي، حول هاجس الهرب الفردي طلباً للنجاة: فينهار النظام العام تحت وطأة سلوك أناني ضيق الأفق يطلب الحماية الخاصة بعيداً عن الجماعة.

والخلاصة الكليّة لسلوك الأفراد في الأزمات تظهرهم جماعة مرتاعة تتوهّم مكاناً آمناً، إن السبب الرئيس في معاناة البشر هو الخوف، لنحقق مناعة صحية في أجسادنا علينا أولاً مراجعة مفاهيم علاقاتنا الروحية، مراجعة علاقتنا مع الله، والكف عن بث رسائل الخوف التي من شأنها أن تهلك المناعة وتضعف من فهمنا لطبيعة الحياة ومحبتها، علينا أن نتقبّل الزوال والولادة وكل تحوّل، وبسعة روح، ونأخذ بالأسباب والأمل.

وحول الآثار الثقافية والمجتمعية التي قد يخلفها الفيروس تقول لولوة التي فازت مجموعتها القصصية القرية التي تنام في جيبي بجائزة دبي الثقافية عام 2013: هناك أشباه ونظائر كثيرة لكورونا في تاريخ الأوبئة العالمية، ولكن في تاريخ الطبيعة كان ما هو أعظم، الطبيعة تنتخب بأسلوب (البقاء للأفضل)، ومعنى (البقاء) وفق لغز الطبيعة ليس مقصوداً بهذه الأرض المحكومة بالفناء والتطهير والزوال والنفاذ ودورات البدء والانتهاء، وإنما الطبيعة تنتقي من هو الأفضل هنا، لتعيده إلى طبيعته في حياة البقاء، ليدوم هناك، ويعود عزيز الروح في الحياة السرمدية.

وتضيف لولوة التي أصدرت مجموعتين شعريتين بعنوان (ممشى الضباب) و(الفضاءات البكر): تركيزنا اليوم كأدباء يجب أن يكون منصباً على ضرورة استثمار العزلة في تأمل تداعيات الوضع بضرورة الإنتاج وحسن التعبير وابتكار خطاب إبداعي متميز وخلق مناخ إبداعي يتعلق مع سياق الأحداث ويتفاعل بإيجابية، فالأفكار كثيفة ومتصارعة هذه الأيام، فلنستغلها في مفتتح إبداعي رصين وعميق، ولا يعني هنا الانكباب والتعجل في بلورة مشروع يعوزه الدقة والتحري والوعي، فعلى مدى تاريخ الأمم كانت هناك أوبئة شكلت على حدودها وفي مفترق الأزمنة وبين جنبات العزل الصحي أدباء وعلماء ومبتكرين، كان من أشهرهم عالم الجاذبية (نيوتن) حيث كانت عزلته المؤلمة التي قضاها في المزرعة في فترة وباء الطاعون 1727م الذي اجتاح انجلترا، قد مكنت له سبل التأمل والتفكير والاختراع وهو لا يزال وقتها في الخامسة والعشرين من عمره.

تأملات العزلة

تعتقد الكاتبة لولوة التي رشحت روايتها الأولى (آخر نساء لنجة) إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب أن الجدل المفاهيمي الفلسفي والأدبي الذي خلفه انتشار مرض كورونا (كوفيد-19) العالمي ووفقاً لمعطيات العصر الراهن من ملهيات تكنولوجية كثيرة يبحث الآن أيضاً في محاولة إيجاد إجابات منطقية حول ماهية العزلة التي نعيشها اليوم هل هي حقيقة أم شكليّة؟ هل يمكننا في ظل ضجيج التواصل المعلوماتي والاجتماعي العارم أن نحيا تفاصيلنا باستغراق وتأمل وتألم وتأثر مثمر؟

هل ستنتج لنا المعاناة من الوباء الكوروني عظماء جدداً في حقل الأدب والفكر أو الاختراع أو الفلسفة والحكمة؟ أم أنه فقط انكباب على كتابة المدونات ومسايرة عجلة الأدب الكوروني بصورة متعجلة؟