«مصر هي مصر ربما تمرض لكن لن تموت.. نتقابل مرة أخرى إن شاء الله في حلقة جديدة على شاشة الجزيرة، ولكن عنوان الحلقة سيكون «الطريق إلى القدس.. المسجد الأقصى، إن شاء الله هيحصل يا عرب لا تفقدوا الأمل ربنا قادر على كل شيء.. تحيا مصر والعرب»كثيرة هي التفاصيل التي تناولتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة عن شباب ثورة 25 يناير.
أو كما كان يطلق عليهم «شباب الفيس بوك» ذلك الموقع الاجتماعي الشهير الذي خرجت منه الثورة معلنة عن وجودها وأحلامها في الشوارع المصرية، أكثر من 70 ألف شاب اتفقوا على يوم واحد للتعبير عن احتجاجهم على الأوضاع المتردية في مصر من فقر وبطالة وغيرها، والمطالبة بالحقوق التي وصفوها بالبسيطة والطبيعية لأي إنسان ليكون يوم 25 يناير 2011 الموافق لعيد الشرطة المصرية هو اليوم الموعود الذي غير من وجه مصر.
وإن كانت تلك التفاصيل معروفة للجميع، فما شهده مكان تجمع هؤلاء الشباب لتحديد يوم الثورة والأهداف والوسائل من تفاصيل قد تكون غير معروفة أو قد لا يهتم الكثير بالرجوع إلى الوراء لمعرفتها، كان دافع المخرجة الفلسطينية روان الضامن للبحث عن كيفية اتفاق هؤلاء الشباب من خلال الواقع الافتراضي على القيام بهذه الثورة والخروج منه إلى الواقع الحقيقي للأحداث، مستعينة بما تضمنته مختلف مواقع التواصل الاجتماعي الشاهدة على تجمعهم من الفيس بوك واليوتيوب والتويتر والمدونات لترصد ما سطره هؤلاء الشباب من أفكار وآراء تمثلت في كلماتهم أو ما صنعوه من مقاطع فيديو خاصة على موقع اليوتيوب.
الطريق إلى 25 يناير
وفي يوم الثلاثاء 15 مارس 2011 عرضت قناة الجزيرة برنامج «تحت المجهر» ذلك البرنامج النصف شهري الذي بدأ بثه منذ 1998 على أن يعرض في كل حلقة أفلاماً تسجيلية تسلط الضوء على قضية عربية أو عالمية تهم العالم العربي حيث يهدف مضمونها إلى تقديم معلومات عميقة ومبنية على بحث قوي، ليأتي موعد هذه الحلقة مع فيلم من إنتاج قناة الجزيرة «الطريق إلى 25 يناير».
والذي جاء عرضه تزامنا مع مرور ما يقرب من شهر على تنحي مبارك عن الحكم، ليصبح أول فيلم وثائقي عن الثورة المصرية يضاف إلى حصيلة روان الضامن الإخراجية من أفلام وبرامج وثائقية، حيث يأتي هذا الفيلم بعد فيلمها سلسلة أفلامها «أصحاب البلاد» عن فلسطين الداخل وقبله سلسلة «النكبة» التي حازت على العديد من الجوائز أهمها جائزة أفضل فيلم وثائقي عن القضية الفلسطينية عام 2009 والذي تُرجم إلى سبع لغات.
نموت نموت ويحيا الوطن
يبدأ فيلم «الطريق إلى 25 يناير» بصورة تحمل علم مصر تتوسطه يد والأهرامات والهلال والصليب وكلمة «كلنا يد واحدة البداية 25 يناير»، وأخرى للفيس بوك ومساكن العشوائيات وأخرى لموقع خالد سعيد واليوتيوب وأحد التعليقات على الفيس بوك الشعب التونسي يهتف:
«نموت نموت ويحيا الوطن»، لعلها تعبير عن أسباب الثورة ليأتي مشهد سقوط صورة الرئيس المخلوع حسنى مبارك الموضوعة على أحد الأعمدة الإعلانية لينهال عليها مواطنون بالضرب والتمزيق، ويتضح بعد ذلك أنها أحد المشاهد التي حدثت أثناء إضراب المحلة الكبرى أبريل 2008، ليرصد الفيلم طوال 49 دقيقة و41 ثانية هي مدة العرض، كيف وصلت مصر إلى يوم 25 يناير، ويبدأ تسلسل الأيام بما تتضمنه من أحداث يصاحبك خلالها طوال الفيلم صوت الراوي معلقا على ما تراه من مشاهد تتوقف مع الأيام المشار إليها أعلى يمين الشاشة.
حاجز الصمت
6 أبريل 2008 هو اليوم الذي اعتبره الفيلم بداية تصدع حاجز الصمت عند المصريين، حيث منع الأمن إضراب عمال المحلة الكبرى إلى جانب القيام بحملة اعتقالات واسعة بعد الاستجابة لدعوة مجموعة من شباب الفيس بوك إلى إضراب عام وتمثلوا في شباب حركة كفاية ومن بعدها شباب 6 أبريل .
والتي حاولت منذ أربع سنوات حتى ذلك الوقت -وهي فترة ظهورها على الساحة السياسية عام 2004- اختراق الحاجز السياسي، ويفسر راوي الفيلم سبب اختيار الشباب لهذا اليوم؛ لأنه يوافق التاريخ الذي اختاره الزعيم الهندي المهاتير غاندي لختام مسيرة الملح في ثورة الهند، ويتعالى صوت الهتاف المطالب برحيل الرئيس منذ ذلك اليوم وتتولى صور الاشتباكات مع الأمن.
وتسير عجلة الزمن لتقف عند يوم 25 يناير 2010، حيث حديث وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي مع الإعلامي المصري مفيد فوزي متحدثا عن إقرار الرئيس ذلك اليوم عيدا قوميا وإجازة رسمية للبلاد، لتعقبه صور لمواجهات بين الأمن المركزي وحملات الاعتقالات في أبريل 2010، ومواجهة كلامية بين ما قاله شاب وشابة منتميان لحركة 6 أبريل عما حدث وقت الاحتجاجات مع الأمن لبرنامج الإعلامي المصري وائل الإبراشي «الحقيقة» على قناة دريم المصرية، وما قاله اللواء نبيل لوقا ببلاوي عضو مجلس الشعب المصري ورفضه لهذه الاحتجاجات بدعوى ضرب الأمن وإصابته.
ليُظهر الفيلم كيف زاد تفاعل الشباب على صفحات الفيس بوك واليوتيوب، حتى إنهم اتخذوه كميدان لهم، واضعين للفيديوهات والصور التي تظهر احتجاجاتهم ونقدهم لما تفعله الحكومة ومنها مناخ التوريث الذي بدا واضحا بشكل لافت تلك الفترة، ومن أشهر هذه الفيديوهات التي تناولها الشباب عام 2010 الفيديو القائل «لقد انتصرنا على جميع أعدائنا الهكسوس- المغول - الصليبيين - فرنسا- بريطانيا - إسرائيل - ولم يبقَ إلا عدو واحد لنهزمه ألا وهو الخوف.. معا سنغير».
انتخابات صادمة
وينتهي عرض الفيلم لأكثر الأحداث البارزة عام 2010 والتي اعتبرتها معدة ومخرجة الفيلم روان الضامن أدت أو مهدت لثورة 25يناير، وذلك بالحديث عن انتخابات مجلسي الشعب والشورى ديسمبر 2010 التي شهدت عمليات تزوير واسعة ونجاح الحزب الوطني الحاكم بنسبة 97%، الأمر الذي وصل لحد منع المنتخبين بالقوة من دخول اللجان حتى إنه أطلق عليها «التزوير الذي شاب بعض الانتخابات» .
كلنا خالد سعيد
ينتقل الفيلم بعد ذلك إلى عام 2011 الذي لم يخلُ يوم فيه من حدث يُسلم لآخر في اليوم التالي، فلم يكد يبدأ العام الجديد حتى عم الحزن والخوف على شوارع مصر والإسكندرية بوجه خاص مع وقوع انفجار بكنيسة القديسين ووفاة 20 شخصا وإصابة ما يقرب من المائة وما تبعه من خروج الكثير من مسلمين ومسيحيين مصريين رافعين الهتاف «شعب واحد وطن واحد هم واحد»، ومعها أخذ الشباب في التفكير.
فكانت البداية منفردة من خلال صفحة لشاب على «الفيس بوك» أو مجموعة يفكرون، فها هي صفحة «كلنا خالد سعيد» ذلك الشاب الذي مات على يد الأمن عام 2010 وتحولت قضيته إلى قضية رأي عام والتي أسسها شابان لم يُكشف عنهما إلا أخيرا وهما وائل غنيم وعبدالرحمن منصور لفتح النقاش ضد التعذيب والظلم، لتطلق دعوة للقيام بوقفة صامتة بعد أسبوع من الحادث لمدة ساعة عند كورنيش الإسكندرية.
فجر يوم 25 يناير
ويستمر الفيلم في تتبع الأيام ونقاش الشباب حتى فجر يوم 25 يناير، خاصة على صفحة «كلنا خالد سعيد» التي تزايد عدد أعضائها بشكل كبير بعد حادثة القديسين وتعذيب السيد بلال حتى الموت بعد اتهامه بالمشاركة في تفجير القديسين، ليظهر الفيلم حيث ألهبت مثل هذه الأحداث عقول الشباب نحو التفكير في القيام بحملة ضد التعذيب والظلم، بدأتها صفحة خالد سعيد باقتراح كيف يمكن تحويل مناسبة عيد الشرطة 25 يناير لدعم الحملة.
وقد دعم هذا الاقتراح 1300 عضو من أعضاء الصفحة البالغ عددهم وقتها أكثر من 25 ألفا، لتلتقط الناشطة السياسية إسراء عبدالفتاح الخيط باقتراح تحويل اسم عيد الشرطة إلى عيد البلطجية، ثم التفاعل بعد ذلك ما بين اقتراح للقيام بوقفات احتجاجية في كل شوارع مصر لإلغاء هذا العيد، وذلك وسط تطور الثورة في تونس التي فجرها إشعال أحد الشباب «البوعزيزي» النار في نفسه وما يقابلها من تجاهل لحدوث مثل هذا الأمر من قبل الحكومة المصرية.
ومع حملات الاعتقال التي شهدها يوم 13 يناير بعد مظاهرات التي قامت ضد التعذيب، اجتمع الشباب في اليوم ذاته تحت عنوان «ماذا يمكن أن نفعل لنكون مثل تونس» وقتها اتفق الشباب على أنه لا بديل عن انتقال الثورة إلى الشوارع المصرية، ليتطور الأمر مع كل يوم يمر حتى الوصول إلى صياغة البيان الأول للثورة يوم 16يناير بعد ما قاموا به من نشر للفكرة سواء عن طريق التحدث عنها أو من خلال الرسائل القصيرة أو تصميم البوسترات والفيديوهات لذلك اليوم الذي سموه يوم الإرادة والتغيير للدرجة التي تم فيها دعوة مشجعي الكرة المعروفين باسم «الألتراس» للمشاركة من ناحية.
وبعد هروب رئيس تونس وخروج التصريحات الرسمية المصرية بأن انتقال الثورة إلى مصر «كلام فارغ» ووصول صورة تحمل كلمات «هانت يا مصر معادنا يوم 25/1/ 2011» وضعت على إحدى البدلات العسكرية معبرة عن أن الجيش مع الشعب؛ ليخرج هذا البيان الذي اتفق الشباب على نشره في كل عمارة وشارع بالدعوة إلى الثورة لتحقيق المطالب التي أعلن عنها في صيغة البيان النهائية يوم 18 يناير.
وتمثلت في إلغاء قانون الطوارئ وإقالة وزير الداخلية ووضع حد أدنى للأجور، ووصل الأمر بالشباب وسط كل هذه الأفكار والتحرك السريع المتزايد كل يوم بتأييد مختلف الأفراد العاديين منهم والمعروفين كنجوم الفن إلى صياغة قرار تنحي الرئيس مبارك كتبوا فيه «نظرا لغضب الشعب من انتشار الفساد والمفسدين في البلاد وبعد ثلاثين عاما في خدمة الوطن العظيم قررت اليوم التنحي عن كامل المسؤوليات السياسية وترك الساحة للشباب المصري آملا أن يصنع دولة جديدة مبنية على الآمان والقانون..».
الشعب يريد إسقاط النظام
يعلو الهتاف «تغيير، حرية، عدالة اجتماعية»، معلنا بدء الثورة المصرية يوم 25 يناير واقتراب الفيلم على الانتهاء بعد تداخل هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» وذلك بعد إظهاره كيف خرجت مثل هذه الجموع بعد مناقشات جمعت بين جنون حالم آمن بشيء وخوف متشائم من عدم حدوث شيء، وأنه سوف يكون مثل أي يوم؛ ليختتم الفيلم بمشهد رفع البعض لافتة كتب عليها «الاعتصام حتى الرحيل».
وتمزيق الجموع لصورة الرئيس السابق مبارك على خلفية أغنية «عليك منا السلام يا مصر يا بلادي» ولعلها ضمن الأغنيات الوطنية المصاحبة للفيلم خاصة للشيخ إمام، سبقتها كلمات أخيرة للراوي لخصت مضمون الفيلم «شباب ضحكوا في وجه الخوف وسخروا حتى من أنفسهم اختاروا سهولة التعبير وبساطته؛ لأنهم كانوا محاطين بأصدقاء لا يعرفونهم على أرض الواقع.. جنونهم النبيل باغت كل الواقعيين أمنوا بالشجاعة .. لكن المؤكد أن التاريخ سيكتب أن شباب الإنترنت والفيس بوك وتويتر واليوتيوب أشعلوا شرارة أول أيام ثورة شعب مصر ثورة 25 يناير».
ردود الأفعال على الفيس بوك
في خلال أقل من ساعتين من توقيت عرض الفيلم على شاشة الجزيرة حتى تلقفه العالم الافتراضي لتزداد أعداد المشاهدين له بعشرات الآلاف خلال أقل من 24 ساعة، وتظهر ردود الأفعال التي جاءت في الغالب متقبلة للفيلم، وعلى اليوتيوب، حيث بلغت مرات مشاهدته ما يقرب من 451,32 ألفا تنوعت التعليقات ما بين إبداء الإعجاب والفخر والتمني بانتقال الثورة والتحرر حتى الوصول إلى القدس والجمع بين كل ذلك ومنها «مصر هي مصر ربما تمرض لكن لن تموت..
نتقابل مرة أخرى إن شاء الله في حلقة جديدة على شاشة الجزيرة، ولكن عنوان الحلقة سيكون «الطريق إلى القدس.. المسجد الأقصى، إن شاء الله هيحصل يا عرب لا تفقدوا الأمل ربنا قادر على كل شيء.. تحيا مصر والعرب»، لم يختلف الأمر كثيرا على الفيس بوك وإن كثر وجود الفيلم على اليوتيوب، ونال الفيلم إعجاب ما يقرب من 300 ممن شاهدوا الفيلم على موقع جريدة الدستور الأصلي، ومن التعليقات على الفيلم «مفيش مرة نتلم فيها إلا ونكتب تاريخنا بأيدينا حرب أكتوبر قديما وثورة الشباب الآن». وقال بعض الشباب إنهم بكوا أثناء المشاهدة ودهشوا من متابعة قناة الجزيرة تفاصيل حياتهم.
بينما جاء بعض الاختلاف في المدونات سواء في شكل تقديم الفيلم، حيث تم عرضه على أكثر من جزء، أو التعليقات حيث جاءت بعض التعليقات مشجعة أو ناقدة للقناة أكثر منها للفيلم.