لعل تآلف التاريخ والجغرافية في النيبال، قد مزج روح الكون في مملكة تتكئ عليهما ولا تمتلك غير هذا، ولعل السفر إلى سقف العالم، إلى مكان سمعنا عنه في سني الطفولة، وقرأنا عنه في فترة الشباب كثيراً، يشكل حالة إغراء للكشف عن هذه العوالم.

إنها نيبال، وهي إيفرست القمة الأعلى في العالم في منطقة الهيمالايا، وهي من بين المحفزات المهمة التي شجعتنا شركة الطيران الوطني "فلاي دبي" على القيام برحلة سياحية إليها، بل للعاصمة كاتماندو بهدف استكشاف أماكنها السياحية والأثرية، على مدار أربعة أيام، كانت حافلة بالكثير من البحث الممتع في مجاهل رحلة عابرة.

 

اليوم الأول: طقس

لم تكن هناك تحذيرات غير عادية، من قبل شركة الطيران التي أقلتنا، فقط كانت هناك ملاحظة، أن العواصف الرعدية قد تكون حاضرة مع أمطار غزيرة، وبالتالي كان لا بد من مظلة يحملها المرء، وقد فعلها بعض الزملاء الذين رافقونا في الزيارة، إلى هناك إلا أنهم لم يستفيدوا منها كثيراً، لأن الطقس العام بدل رأيه في اللحظة الأخيرة، والشمس أطلت بكامل ثقلها على المشهد النهاري، لتظهر آثارها الحمراء على جباهنا ووجوهنا، مما جعل المظلة حملاً زائداً في تنقلاتنا التي كانت تتجاوز يومياً 10 كم يومياً، بين مختلف الأماكن المتفرقة في العاصمة، وبشكل رئيسي بين المناطق الأثرية، المتوزعة هنا وهناك.

وصلنا لمطار كاتماندو بعد الظهر، ولعل أهم ما يلفت النظر بالنسبة للزائر الجديد للبلد، هو عدم الاهتمام بالمظهر الجميل للمطار، الذي يستوعب وحسب تقديرات محلية، ما يزيد عن عشرة آلاف مسافر يومي تقريباً، معظمهم يرتادون نيبال في مثل هذا الوقت من السنة، بهدف السياحة بالدرجة الأولى، وبالتالي سيكون المرء أمام مدخل قد لا يتوافق بالضرورة مع الجمال الذي تختزنه كاتماندو.

هنا يتوقع المرء أنه سيكون في بلد فقير بالإمكانات المادية، وربما يحمّل الناس النظام الملكي، والذي غادرها عقب ثورة مسلحة في العام 2008، كل الخراب والتراجع بالخدمات، التي تعاني منها البلاد، ويعتبر كثير منهم أن عمر نيبال هو ثلاث سنوات فقط.

في المساء كان لا بد من جلسة تعريفية، بالقائمين على فندق حياة ريجنسي، مقر إقامتنا، وهكذا التقينا سريعاً على مائدة العشاء، وانقضى وقت الليلة الأولى.

 

اليوم الثاني: جولة تعريفية

بداية يوم شاق، ولكنه مليء بالمتعة، والرحلة بدأت من التجوال في ردهات الفندق، والتعرف إلى تفاصيله، ربما اختصرت هذه الجولة كل ما يمكن أن يراه المرء في الزيارة، لشدة التوثيق لجميع تفاصيل الرحلة داخل الفندق، ومن ثم انتقلنا صباحاً إلى جدول الزيارة المعتاد.

أثناء التجوال في كاتماندو، يمكن للمرء أن يتابع تفاصيل مهمة، عن كل ما ذكرنا من الأديان، إذ يبدو أن علاقة هذا الشعب مع الدين، علاقة متشعبة ومتجذرة للغاية، وفي كل مكان هناك مكان للعبادة، وكلما مر أحد، نراه يتوقف فجأةً، ويتلو بعض الكلمات الغير مفهومة بالنسبة لنا، وبعد قليل يضع نقطة حمراء. إنها بصمة الخير والحب، هكذا تم تعريفها لنا.

أثناء الانتقال من مكان إلى مكان، يتتبع المرء طرقات ربما معظمها لم تحصل على تخطيط جيد لها، ولم تراع أن تكون مشغولة على نحو يؤكد التوجه السياحي للدولة، وثمة الكثير من المشكلات التقنية في تخطيط البلد، وباستثناء 10% من النسبة الكلية للبناء في كاتماندو، فإن التسعين بالمئة الأخرى، هي عبارة عن بيوت تعاني من سوء التخطيط لها، وما يمكن أن نسميه "أبنية شعبية" تبنى من الخشب.

 

اليوم الثالث: إيفرست

كالعادة الاستيقاظ في السادسة صباحاً، وتنبيهات الالتزام بالوقت، كانت دائماً تأتينا من المشرفين على الرحلة. كل الفريق يجب أن يكون جاهزاً لتناول الإفطار، ومن ثم الانطلاق، فاليوم سيتحقق حلم الجميع في الوصول إلى أعلى قمة جبل في العالم، كان الطريق إلى إيفرست قصيراً بالطائرة، التي أقلتنا من مطار محلي أعد خصيصاً لزوار إيفرست، وجالت بنا فوق القمة مع دليل سياحي، تحدث عن القمم العشرين، التي تنتهي بإيفرست التي تتمتع بجمال خلاب، حيث تلتحم بقمتها السحب البيضاء، وكتل الثلج المتلاحمة، ولعل الصور الملتقطة من الطائرة، لا تنقل جمال المكان وروعة الرحلة، ولكننا كنا هناك لنوثق جمالية تلك اللحظات.

بعد استراحة غداء في أحد قصور الملك القديمة في كاتماندو، كان لا بد من متابعة المسير واستعراض بعض الأماكن التاريخية، وكانت فلاي دبي حريصةً على أن تستثمر كل دقيقة في هذه الرحلة، فجولتنا التالية كانت على الأماكن الأثرية بشكل رئيسي، مع الدخول بكيفية تصميم تلك الأماكن، ولا يختلف الحديث من مكان لآخر، إلا بالتاريخ، وثمة أبنية عمرها مئات السنين، مبنية من الخشب، ومرممة وفق النظام الذي بنيت عليه.

في كل مكان ثمة باعة متجولون يلاحقون السائح ويقدمون له إكسسوارات ومواد تجميل محلية، وحلي وأساور مصنوعة من الفضة والعظم، وهي مشغولة باهتمام وعناية، وثمة براعة في شغل الخشب، لدى السكان المحليين، لذا يمكن الحصول على هدايا كثيرة من هناك، وبأسعار زهيدة مقارنةً بمكان آخر من العالم، وببضع مئات من الروبية، يستطع المرء فعلاً، أن يحصل على بعض الهدايا الجميلة. وليس بالضرورة أن يوافق المرء على السعر مباشرةً، فيمكن أن يحصل على مبتغاه، بأقل من ثمانين بالمئة من السعر الحقيقي. وبوجود المرافقين، فلا داع للخوف فهم مخلصون كثيراً، وجميعهم يتحدثون الإنكليزية بطلاقة، وتكاد تكون هذه اللغة، لسان حال معظم السكان هناك.

 

اليوم الرابع: طبيعة رائعة

قبل المغادرة إلى المطار، والعودة مساءً، أتيح لنا أن نطلع على جمال طبيعة كاتماندو الخضراء، بعد زيارتنا لبعض حقول الأرز، في بعض المرتفعات. والزراعة هنا هي حرفة السكان الأولى، ويعمل بها حوالي 90% من القوة العاملة، وتشغل الأراضي الزراعية حوالي 10% من مساحة البلاد، وأبرز الحاصلات الزراعية الأرز، والقمح، والجوت، والفاكهة، وتزرع في الوديان المحمية بالمرتفعات.

وقد جففت مساحة كبيرة من مستنقع تيراي، واستغلت في الزراعة، حيث كان موطناً لمرض الملاريا. وتستغل النيبال غاباتها الكثيرة، بقطع الأخشاب وتصديرها إلى الهند، وإلى جانب هذا يمارس السكان الرعي وتربية الحيوانات، وفي البلاد العديد من الخامات المعدنية، لم يكشف النقاب عنها بعد.