تعد الإمارات نموذجاً مميزاً بين دول العالم في الانفتاح على الثقافات وتبادل المعرفة والخبرات على المستويين المحلي والعالمي، من خلال مبادراتها العديدة في هذا المجال ومن بينها إنشاء المراكز الثقافية العالمية التي أسهمت بلا شك في نشر التسامح والتنوع الثقافي، ونقل المعرفة وتعزيز الهوية الوطنية، ونشر المحبة والسلام، وتعزيز مكانة الدولة كنموذج عالمي فريد للتعايش السلمي والتفاعل الحضاري بين مختلف الثقافات، بالإضافة إلى الإسهام في ترسيخ صورتها كوجهة ثقافية مهمة على الصعيد الدولي.

وتشكل المراكز الثقافية العالمية في الدولة بوابات معرفية تربط الدولة بمختلف مراكز الإشعاع الثقافي والفكري في العالم، حيث تستضيف فعاليات ثقافية وفنية وأدبية ذات مستوى عالمي، تُسهم في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي وتعريف الجمهور المحلي بالإنجازات الحضارية والفكرية للشعوب الأخرى، وتتيح كما الفرصة التبادل الثقافي والأكاديمي من خلال برامج التدريب والبحث والتعاون الدولي.

نجاحات

وتتعدد المراكز الثقافية العالمية في الدولة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: المركز البريطاني في دبي وأبوظبي والشارقة، والمركز الثقافي الفرنسي في دبي وأبوظبي، والكوري في أبوظبي، والصربي في دبي، والثقافي الروسي في دبي.

«البيان» استطلعت آراء مختصين في هذا المجال لمعرفة تجارب تلك المراكز ومدى نجاحها وإسهاماتها في بناء الحراك الثقافي.

أكدت الدكتورة موزة غباش، رئيس رواق عوشة بنت حسين الثقافي الاجتماعي، أن تجارب الجمعيات والمراكز الثقافية في الإمارات حققت نجاحات ملموسة، وأثمرت إسهامات كبيرة في إثراء الحراك الثقافي داخل الدولة، فهذه الجمعيات والمراكز التي تأتي في إطار منظومة عمل مجتمعية متكاملة، لعبت دوراً محورياً في تعزيز المشاركة المجتمعية، وإشراك الأفراد في مختلف الفعاليات الثقافية، بل وأسهمت بشكل كبير في تطوير الفكر الإبداعي والثقافي.

وأضافت: «نحن في «رواق عوشة بنت حسين الثقافي» على سبيل المثال، نمثل واحداً من هذه النماذج المضيئة، منذ تأسيسه في 1992، وهو يسهم بفاعلية في بناء الهوية الثقافية والاجتماعية، من خلال الأنشطة التي نقدمها، والتي تتراوح بين الندوات الفكرية والمحاضرات الثقافية والفعاليات، فضلاً عن الجوائز التي نمنحها لتشجيع التميز والإبداع في المجتمع، فالرواق كان ولا يزال شاهداً على تحول الثقافة إلى فعل مجتمعي يؤثر في الجميع».

وأوضحت أنها أيضاً تنتمي لجمعية الدراسات الإنسانية، وقدم مجلسها إسهامات كبيرة من خلال الأبحاث والدراسات التي تسلط الضوء على الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي للإمارات والمنطقة العربية، مشيرة إلى أن هذه الدراسات تمثل رافداً مهماً للحراك الثقافي، إذ تعمل على توثيق التراث الإنساني والفكري للإمارات، وتقديم رؤية متعمقة للواقع الثقافي.

وأضافت غباش قائلة: «لا ننسى دور الجمعيات الأخرى التي تنظم معارض وورش عمل تسهم في دعم الفنانين المحليين وتتيح لهم فرصاً للتفاعل مع الجمهور، هذه المبادرات تدعم المواهب الإبداعية وتفتح أبواباً جديدة للتواصل بين المجتمع والمبدعين، وبفضل هذه التجارب، يمكن القول إن الحراك الثقافي في الإمارات قد أثمر إسهامات بناءة، وكان لهذه الجمعيات دور محوري في تحقيق هذه النجاحات، إنها ليست فقط مؤسسات ثقافية، بل هي جسور تواصل بين أفراد المجتمع من جهة، وبين المجتمع المحلي والعالمي من جهة أخرى».

من جهته أشار علي عبيد الهاملي، نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي إلى أن المراكز الثقافية المتواجدة في أي بلد تلعب دوراً كبيراً في نشر ثقافة بلدها، وإحداث نوع من التلاقح بينها وبين مثقفي البلد الموجودة فيه، مضيفاً: «المراكز الثقافية الموجودة في الدولة، وهي كثيرة نذكر منها المركز الثقافي البريطاني، والفرنسي، والألماني، والياباني، والكوري، وغيرها، لعبت دوراً كبيراً في إحداث التلاقح بين ثقافات هذه البلدان وثقافة الدولة، من خلال إقامة دورات تدريس لغات تلك البلدان للراغبين في تعلمها، والترويج للإبداع والفكر، وتنظيم الفعاليات الثقافية التي تروج لفنونها المختلفة، مثل معارض التشكيل والعروض السينمائية والنقاشات الفكرية والصناعات الثقافية والإبداعية، ونقلها إلى الجمهور المقيم على أرض الدولة».

توثيق

وأكد الهاملي أن هذه المراكز الثقافية بما هو متاح لها من قبل الدول التي ترعاها، وتلحقها بسفاراتها غالباً، يجب استغلالها لتوثيق العرى الثقافية بين الساحة الثقافية في الدولة، التي تزخر بالهيئات الثقافية الحكومية، والمؤسسات والأندية الثقافية الأهلية، للعمل على نقل ثقافة الدولة وفنونها وإنتاج مبدعيها إلى شعوب تلك الدول، ونقل إبداعات مثقفي وكتاب وفناني هذه الدول إلى الجمهور الإماراتي، من خلال إقامة فعاليات مشتركة بينها وبين هذه المراكز، وتنظيم أسابيع ثقافية مشتركة بينها وبين الإمارات، وتوثيق عرى التواصل بين مثقفيها ومثقفي الدولة، قائلاً: «المراكز الثقافية مصادر إشعاع ثقافي يجب استغلالها بالشكل الأمثل من أجل تلاقح ثقافي فعال».

وقال ياسر القرقاوي، رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الوطني: «تُعد المراكز الثقافية العالمية في دبي، مثل المركز الثقافي البريطاني، والرابطة الثقافية الفرنسية، والمركز الثقافي الصربي، التي تخدم الجاليات المتنوعة من مختلف الثقافات والقارات في الإمارة دبي، أدوات رئيسية لتعزيز برامج التبادل الثقافي دولياً، ويمكن تعزيز حضور هذه المراكز من خلال تبني البرامج والفعاليات التعليمية والثقافية والترويج لها في المجتمع المحلي، بحيث تستهدف جميع فئات المجتمع، وتنظيم فعاليات مشتركة مع المؤسسات المحلية والدولية، تحت إشراف ومتابعة هيئة دبي للثقافة والفنون وبالتنسيق مع وزارة الثقافة والشباب، فهذا التعاون يسهم في خلق بيئة منفتحة على الحوار والتعايش، مما يعزز الدور المجتمعي والاقتصادي لهذه المراكز».

وأكد أن هذه المراكز تعكس رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في جعل دبي مركزاً عالمياً للثقافة والابتكار والصناعات الإبداعية، واهتمام سموه بأن أهمية أن تكون دبي موطناً للفنون والعلوم وملتقى للحضارات المختلفة، مضيفاً: «من هذا المنطلق، تلعب البنية التحتية للبلاد دوراً رئيسياً في تطوير المشهد الثقافي ليكون ركيزة أساسية للصناعات الإبداعية، ويأتي دور هيئة دبي للثقافة والفنون لدعم وترويج الثقافة والفنون الإماراتية العربية الأصيلة، لتكون دائماً في الصدارة وتبرز الهوية الوطنية».