ممتلئة بحب الوطن وتراثه وأصالته، تعشق ماضيه وحاضره ومستقبله، تغنت به في قصائدها إلى أن انتقلت به إلى عالم الرواية، حيث تمكنت من إعادة بعض الحكايات القديمة مثل «الخروفة» إلى شكل من أشكال الرواية الحديثة التي تتضمن خيالاً واسعاً ومبهراً، وتمكنت من خلال روايتيها «حب الصبا» و«غبة سلامة» من توثيق العديد من الأشعار والأمثال الشعبية والحكم والعادات والتقاليد وغيرها الكثير.

الكاتبة الإماراتية مريم المر بن حريز الفلاسي أصدرت مؤخراً روايتيها خلال الدورة الـ 43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث قدمت روايتها الجديدة «حب الصبا» بالإضافة إلى تقديم روايتها الأولى «غبة سلامة» بعد أن أضافت عليها العديد من الأحداث والمواقف والشخصيات وغيرت غلافها وعنوانها لتصل بها إلى مرحلة الرضا والقناعة.

«البيان» التقت الكاتبة مريم المر بن حريز الفلاسي وحاورتها حول عالم الرواية والانتقال من الشعر، وكيف تختار حكاياتها وشخوصها وعناوينها،.

حيث أشارت الفلاسي إلى أن الغلاف من وجهة نظرها بنفس أهمية العنوان ولا يقل عنه أهمية على الإطلاق، بل إن ألوانه وشكله أحد الأسباب الرئيسية لوقوف القارئ أمام الرواية والتفكير في شرائها بالفعل، فهي ترى أن تأثير الألوان على الغلاف لها نفس تأثير العنوان.

ورواية «حب الصبا» غلافها عبارة عن رسمة لأحد أحياء منطقة الشندغة، أرادت أن توثقها على الغلاف بشكل مختلف حيث تجري أجزاء من أحداث الرواية، أما «غبة سلامة» فهي لوجه امرأة ترتدي البرقع ولها عينان تضيئان بالذكاء والفطنة رغم الحزن الذي يحفهما، في تعبير موجز عن تلك الحكاية العميقة والمتشعبة لهذه المرأة.

وأوضحت الفلاسي أنها في رواية «حب الصبا» تعاونت مع الشاعر سيف السعدي المشرف على صفحات الشعر الشعبي في صحيفة «البيان»، لتتمكن من الحصول على أبيات شعرية وقصائد تم نشرها في تلك الصفحات، وخاصة التي ليس لها مصدر معروف، حماية لحقوق الآخرين، مؤكدة أنها بهذه الطريقة تمكنت من مزج الشعر الذي تهوى كتابته بالرواية وأيضاً تمكنت من الحفظ للتراث الشعري.

وبينت الفلاسي أن «حب الصبا» رواية حدثت بين مناطق: الراس، والحضيبة، والشندغة، فأفردت لتلك الأماكن معلومات وافية عنها، حيث أكدت أن الهدف من كتابة الرواية ليس مجرد نقل قصة بخيال ووقائع مختلفة بل أيضاً لتقديم التراث والتاريخ والجغرافيا والأدب والعادات والتقاليد كأنها توثق التراث.

وقالت: «اخترت عنوان «حب الصبا»، لأتحدث عن الحب العذري الجميل بعيداً عن الابتذال، فالحب كان موجوداً في السابق بشكل راقٍ وملتزم، وأهم أبطال الرواية:

عبدالله وموزة وسالم والنوخذة وأبو محمد، فعبدالله هو شاعر محب وعاشق ملهم بالقصائد المميزة، وموزة هي تلك المعشوقة والمحبوبة التي من صفاتها العفة والحياء والجمال بالإضافة إلى كونها ذات أصل ودلال، وهؤلاء الأبطال عناصر قوية وأساسية في الرواية».

وتسرد الرواية حكماً ومواقف متعددة بين الواقع والخيال، الشك واليقين، بين الترانيم والنحيب والفرح والترح، البكاء والضحك والحياة والموت والكثير من الأضداد، في تسلسل متسارع للأحداث، إذ بين ليلة وضحاها تحدث مواقف شتى بين البر والبحر وعلى الشاطئ.

حيث سيكون مكمن اللغز الذي حيّر الجميع وظلوا يبحثون عنه ليجدوا أمراً عجيباً أنكره العقلاء وحاربوه حتى قضوا عليه، كل ذلك في بيئة مترابطة ومتحابة يتبارز فيها الناس بمواقفهم النبيلة في وجه الصعاب.

وبدأت مريم كتابة الشعر والنثر منذ أيام الجامعة، لكنها انتقلت إلى عالم الرواية بسبب ناشر تساءل عن أسباب طباعتها لكتاب مخصص بالشعر، وأكد لها أن الشعر له فئة محددة من القراء والمحبين، أما الرواية فهي عالم واسع ولها جمهور عريض من كافة فئات المجتمع.

ولم تقتنع في البداية إذ لم تكن متأكدة من قدرتها على كتابة الرواية، إلا أن تشجيع كل من يعرفونها ويعرفون أسلوبها الشعري شجعوها على كتابة الرواية وفعلاً عندما اتجهت نحو هذا الطريق لم تندم أبداً بل تمكنت من أن تبدع وتقول كل ما تود قوله في القصائد وأكثر.

وأضافت: «قال لي الناشر إن الشاعر يكتب كل شيء، وبالفعل تمكنت من كتابة روايتي الأولى «غبة سلامة» والغبة هي المكان المظلم السحيق في البحر، وكتبتها قبل عامين، وهذه الرواية في أصلها «خروفة» وهي القصص التي كانت تحكيها الجدات.

وخفت عليها من أن تضيع ورأيت ضرورة أن أحفظها من الاندثار، وهي قصة شهيرة عن تعرض امرأة للظلم والاضطهاد من قبل زوجها، الذي يلقيها وبناتها في البحر بقصد قتلهن، إلا أنها نادت ملك الجن «بو درياه» وذهبت إليه وساعدها على التخلص من زوجها.

ولكن الأحداث في الرواية بها عناصر جديدة وتفاصيل أكثر أتركها للقارئ كي يكتشفها بنفسه، ففيها العديد من التحديات مع محيطها وبناتها والعديد من التفاصيل الأخرى، بالإضافة إلى أني أضفت عليها الأمثال الشعبية والترابط المجتمعي، وكيف فكرت سلامة في بنات جيلها ووضعت لهن حلولاً للتعامل مع الاضطهاد».

وأكدت الفلاسي أن المحيطين بها والأصدقاء هم من شجعوها على الكتابة، وبعد أن انتشرت روايتها الأولى شعرت عائلتها بالفخر الكبير، وهم يوفرون لها الوقت للكتابة، وتعمل حالياً على روايتها الجديدة التي تخطط لها أن تكون عن شخصية قيادية نسائية عاشت في دبي في الماضي.

وقالت: «أسمع قصصاً كثيرة من أمي عن البحر والمسميات والوظائف، وأريد شخصية معروفة وفذة في دبي وأجمعها مع شخصيات أخرى لدمجها فيها وإظهار بطلة متفردة هذه هي النظرة العامة، وسأعمل على أن تصلح القصة لتكون في الماضي والحاضر، وأمنيتي أن تجهز قبل معرض أبو ظبي للكتاب في شهر مايو».