تحفل الساحة الأدبية بفنون متباينة من الأساليب الإبداعية. وفي عالم متسارع بالأحداث، استطاعت الرواية الغامضة أن تحافظ على حضورها ضمن ألوان الطيف المتنوعة، ما يجعل السؤال مُلِحّاً عن نسبة رواجها في المشهد الثقافي وإقبال الجمهور على قراءتها.

«البيان» أتاحت لمثقفين إماراتيين فرصة الكشف عن تصوُّراتهم لهذه القضية، موضحين رؤاهم الخاصة نحو عنصر الغموض في الرواية الإماراتية خاصةً، والعربية عامةً، ومدى كونه مطلباً عصرياً.

روح الإبداع

وأكد الكاتب والباحث الإماراتي عبدالله الهامور عدم جدوى الرواية الأدبية التي تفتقد قدراً من الغموض، واصفاً العمل الإبداعي الذي يجتذب القارئ بأنه كوجبة طعام مغطَّى تثير الشهية.

وأوضح الهامور أن الغموض في حقيقته هو روح الإبداع في الرواية، مشيراً إلى أنه يدفع القارئ النَّهِم إلى البحث عن فكرة كامنة بين السطور.

ولفت إلى أن السطحية التي هي طبيعة الكلام العادي تسلب العمل الأدبي مقوماته ولا تصنع إبداعاً متميزاً.

مؤكداً أن الإفراط في الوضوح لا يتماشى مع الكتابة الروائية وسائر فنون الأدب التي تتسم بقدرتها على تحقيق المتعة وإعمال العقل.

نكهة مميزة

وبيَّن أن الغموض الفارغ من مضمونه البعيد تماماً عن الواقع لا يشكِّل أي مزية في الرواية، مشدداً على أن للغموض العربي نكهة مميزة تستمد روعتها من طبيعة لغتنا الشريفة؛ لأنه يقبل الفهم وتتفق الآراء على تفسيره.

وذكر أن اللغة العربية حمَّالة أوجه ومفرداتها غنية بالمعاني، معتبراً تعدد رؤى القراء في تأويل الرواية الغامضة أمراً منعشاً للساحة الأدبية، ولا يعوق أبداً توصيل الرسالة التي يريدها المبدع، بل يمنح المتلقي فرصة تقديم أفكار جديدة ربما لم تدُرْ في خاطر الكاتب، لكنها في الوقت نفسه متقاربة ولا تخرج عن المألوف.

سُلطة النص

من جهتها، رأت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري أن فكرة الغموض مطلوبة في إبداع العمل الروائي إذا كان توافرها يخدم النص من الناحية الفنية، معربةً عن رفضها الإتيان بالغموض لمجرد إثارة القارئ.

وأشارت المطيري إلى أن محبي الأدب قد يُقبلون في مراحل عمرية صغيرة على قراءة بعض الكتابات الغامضة مثل القصص البوليسية، لكنَّ القارئ الواعي لا يستسيغ مثل ذلك فيما بعد.

وأكدت ضرورة أن يكون مجيء الغموض سلساً في الأعمال الأدبية، داعيةً إلى عدم إقحامه في النص بلا داعٍ، سواءٌ في الرواية أو الشعر أو حتى الكلام العادي.

نوعية القارئ

وأرجع الكاتب والباحث الإماراتي جميع بن سالم الظنحاني قضية الغموض في الرواية العربية إلى فكرة الميول والرغبة الشخصية، موضحاً أن نوعية القارئ هي التي تفرض نفسها في التعامل مع الأدب الروائي.

ولفت الظنحاني إلى أن ثمة قارئاً نخبوياً يفضِّل هذا الاتجاه الغامض في الكتابة، في حين قد لا يروق هذا الأسلوب الإبداعي لبعض القراء الآخرين، ولا يألفه الجميع ولا يعتادون عليه، معتقداً ضرورة التنوُّع في الاختيارات وعدم وضع قاعدة واحدة تحكم الرغبات المختلفة.

وأكد أن فئات القراء تتباين وفقاً لاتجاهاتهم، فمنهم من يميل إلى التأويل ومنهم من يحبُّ الوضوح، منوهاً بأن أدب الرواية يشكِّل عالماً رحباً من الإبداع، وبحراً واسعاً من الكتابة.