أكد عدد من المسؤولين والمثقفين، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف اليوم ( 18 ديسمبر)، حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على صون اللغة العربية، ونجاحها النوعي في تعزيز مكانتها وصونها، محلياً وعربياً وعالمياً، عبر مبادرات ملهمة ترسخ حضورها في العصر الرقمي السريع.

ومن بين أبرز هذه المبادرات «تحدي القراءة العربي»، الذي بات منارة عالمية للثقافة وتكريس المكانة الرفيعة للغة العربية، كما شددوا على المبادرات النوعية التي تحتضنها دبي لتعزيز مكانة لغة الضاد وأدوارها الحيوية في بناء جسور التواصل بين الحضارات.

وقال أحمد بن مسحار المهيري، أمين عام اللجنة العليا للتشريعات في دبي: «نحتفي باليوم العالمي للغة العربية تأكيداً على الدور المعرفي والحضاري لإحدى أعرق لغات العالم وأكثرها غنىً وأصالة.

ويمثل هذا اليوم مناسبة مثلى لتسليط الضوء على مدى حيوية لغتنا العربية وتميزها وقدرتها على التعبير ومد جسور التواصل مع الثقافات والمجتمعات المختلفة. وهو فرصة جديدة لكي نعبّر عن اعتزازنا بلغتنا العربية، التي تجسّد تاريخنا وانتماءنا وهويتنا العربية».

وتابع: «تختزل اللغة العربية حضارة وثقافة ثرية تشمل مختلف مجالات الإبداع الإنساني فكراً وأدباً وفناً، وتتجلى عبرها أسمى طرق التواصل الحضاري. وهذا اليوم هو فرصة لجميع متحدثي العربية ومحبيها للاحتفاء بلغتهم وتعزيز مكانتها والتأكيد على أهمية استخدامها والحفاظ عليها بصفتها جزءاً من التراث الإنساني العالمي».

وأضاف: «ندرك في اللجنة العليا للتشريعات أهمية سلامة اللغة العربية في صياغة تشريعات واضحة الدلالة، ونحرص على تعزيز الوعي بأهمية تعلم اللغة العربية وتعليمها وإظهار جمالياتها ومزاياها».

فكر ومعرفة

وأكدت هالة بدري، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، أهمية اللغة العربية كحاضنة غنية للفكر والمعرفة، لافتة إلى إسهاماتها في مجالات العلوم والفكر والمعارف، إلى جانب دورها في تطوير المحتوى الثقافي الإنساني.

وقالت: «تُعد اللغة العربية جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الثقافي للبشرية، حيث شكّلت على مدار الزمن جسراً للمعرفة والتواصل بين الثقافات والمجتمعات، وتمتاز بقدرتها على الاحتفاظ بتراثنا وثقافتنا الأصيلة، ومواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة التي نشهدها اليوم، ما يجعلها لغة ابتكار وتنوع، وهو ما أسهم في تعزيز حضورها عالمياً»، مشيدة في الوقت نفسه بحرص دولة الإمارات على صون اللغة العربية والنهوض بها في مختلف المجالات.

وأشار جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، أن اللغة العربية تُعد جزءاً أصيلاً من التنوع المعرفي العالمي، وحاضنةً للهوية والتاريخ والإرث الحضاري، ومصدراً رئيساً للإبداع الفكري والعلمي على مر العصور.

ويأتي الاحتفال بها في يومها العالمي، الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، ليعزز الوعي بدورها الحيوي في بناء جسور التواصل بين الحضارات المختلفة، وأهميتها في إثراء المعرفة الإنسانية بمختلف المجالات.

وأضاف: تؤكد مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، من خلال مبادراتها ومشاريعها الرائدة، التزامها الدائم بتعزيز مكانة اللغة العربية لغةً للمعرفة والابتكار والتميز، لتبقى مصدر اعتزاز وإلهام لجميع المتحدثين بها، وتواصل دورها المحوري كركيزة أساسية في بناء مستقبل مشرق للمجتمعات.

ومن خلال مبادرة «بالعربي»، التي تُعد إحدى أبرز مبادراتنا، نحرص على تعزيز حضور العربية في الحياة اليومية للأفراد، وتشجيع الأجيال الشابة على التمسك بها واستخدامها على منصات التواصل الاجتماعي، إيماناً منا بدورها الكبير في ترسيخ الهوية وتعزيز الابتكار».

كما يعتز «برنامج دبي الدولي للكتابة» بمواصلة دعمه للمحتوى الأدبي العربي ودوره الفاعل في تمكين الشباب المبدعين للوصول بإنتاجهم المعرفي إلى العالمية. وبفضل مبادرات مثل «استراحة معرفة»، تؤكد المؤسسة التزامها بتعزيز مكانة اللغة العربية ودعم حضورها النوعي.

ركيزة أساسية

وشدد الدكتور سعيد مبارك بن خرباش، المدير التنفيذي لقطاع الفنون والتصميم والآداب في «دبي للثقافة»، على أهمية الاحتفاء باللغة العربية وحمايتها وتعزيز دورها كوسيلة أساسية للتواصل والتفاهم في الإرث الثقافي والإنساني عبر العصور، وقال: تشكّل اللغة العربية ركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية في الإمارات، التي أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على اللغة العربية والنهوض بها محلياً وعالمياً، عبر سلسلة من المبادرات النوعية الهادفة إلى نشر الوعي بجمالياتها وكنوزها التي تعبّر عن أصالة تراثنا وتاريخنا العريق».

وأوضحت الأديبة الإماراتية شيخة الناخي، لـ«البيان»، أن اللغة العربية تواجه العديد من التحديات، أبرزها هيمنة اللغات الأجنبية في التعليم والعمل، وقلة المحتوى الرقمي العربي، وضعف الأدوات التقنية، وغياب القوانين الحامية.

وأكدت الناخي أن المبادرات التي أطلقتها دبي حققت نجاحاً ملحوظاً في تعزيز اللغة العربية، وأن مبادرة «بالعربي» جذبت الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وزادت الوعي بأهمية لغة الضاد، وأن جائزة محمد بن راشد للغة العربية حفَّزت الابتكار في تعليم اللغة ونشرها عالمياً، مشيرةً إلى أن التحدي يكمن في ضمان استدامة هذه المشاريع وتحويلها إلى برامج طويلة الأمد.

ودعت إلى تحديث مناهج التعليم وتدريب المعلمين وتعزيز القراءة وتشجيع الصغار على التحدث باللغة العربية في سائر مناحي الحياة داخل البيت وخارجه، مشددةً على ضرورة استخدام الفصحى في وسائل الإعلام والتكنولوجيا، وإنتاج محتوى جذاب، وتحسين المحتوى الرقمي.

ورأى الأديب الإماراتي إبراهيم مبارك أن اتجاه كثير من الأسر إلى تعليم أبنائهم اللغات الأجنبية على حساب العربية بحُجة سوق العمل شكَّل تحدياً كبيراً في مواجهة لغة القرآن الكريم، مؤكداً ضرورة تصحيح كل المسارات التي تعوق تعزيز لغتنا الشريفة سواء في التعليم أو الإعلام وسائر مجالات الحياة.

وأشار إلى أن ثمة التفاتة خلال السنوات القليلة الماضية إلى الخطر الذي يداهم اللغة العربية؛ إذ شاع الإحساس بالضرر البالغ الذي يصيب الأجيال من جراء ابتعادها عن لغتها الأم، ما يصنع حواجز بين الآباء وأبنائهم، محذراً من خطورة تحويل مناهج التعليم العربية إلى شيء آخر لا يمت بصلة إلى ثقافتنا الأصيلة.

وأكد مبارك أن الأمل في إحياء نهضة اللغة العربية واستعادة مكانتها العظيمة لا يزال قائماً من خلال المبادرات والمشاريع التي ترعاها الإمارات عموماً، ودبي على وجه الخصوص، لافتاً إلى أن تلك الجهود قطعت شوطاً كبيراً، وأن أمامها المزيد من العمل للوصول إلى أهدافها الكبرى في تعزيز اللغة العربية. ونوَّه بالدور الذي تنهض به وسائل الإعلام في سبيل بعث اللغة العربية، وتسليط الضوء على الاهتمام بها.

وأكد الأديب والمترجم الإماراتي الدكتور شهاب غانم أن أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية في زمننا هي من اللغة الإنجليزية التي صارت اللغة العالمية في المجالات العلمية والتقنية والتجارية والاتصالات، مشيراً إلى أنها طغت حتى على لغات عالمية أخرى مثل الفرنسية والروسية والإسبانية، وإن كانت الصينية قد تنتشر أكثر في المستقبل بسبب صعود الصين تجارياً وسياسياً وعلمياً.

وأوضح غانم، الذي نشر أكثر من مئة كتاب بالعربية والإنجليزية في مجالات مختلفة، أن العربية ما زالت قوية بسبب القرآن والإسلام والشعر العربي وجمال الخط، منوهاً بمبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وبجائزة محمد بن راشد للغة العربية التي تُعَدُّ أحد جهود سموه الرائعة لتعزيز لغة القرآن.

وذكر أن مبادرات اللغة العربية في أبوظبي وفي الشارقة، ولا سيما مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الذي أُنجز برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، تشكِّل جميعاً مشاريع فريدة تخدم اللغة العربية على مدى المستقبل.

ودعا إلى الاهتمام بمدرس اللغة العربية ومكانته وتأهيله في المرحلة المقبلة؛ لإنشاء أجيال تهتم بلغتها العربية وإتقانها، متوقعاً قيام نهضة عربية قريباً بالاعتماد على اللغة التي تشكِّل أهم أعمدة الهوية.

وأكدت الروائية الإماراتية أسماء الزرعوني، وهي عضوة في جمعية حماية اللغة العربية، أن يوماً واحداً لا يكفي للاحتفاء بلغتنا التي ينبغي الاهتمام بها في كل وقت، موضحةً أن السبب وراء تهميشها هو مبالغة الكثيرين في تقليد الغرب، ما أضعف الهوية الأصيلة وأدى إلى تغليب العقلية الأجنبية في مجالات الحياة المختلفة.

وأعربت الزرعوني عن شعورها بالأسف الشديد تجاه ما تراه من أجيال لا يحسنون لغة آبائهم الشريفة، لافتةً إلى أن الاهتمام بتعلُّم كل اللغات مطلب محمود، لكنَّ لغة القرآن لها المكانة العظمى، ومن ثم لا بدّ من الاهتمام بتعزيزها في نفوس النشء.

وأشادت بالفعاليات الثقافية التي ترعاها كل إمارات الدولة، ولا سيما مبادرات دبي في هذا الشأن، مؤكدةً أن هذه الجهود العظيمة قرَّبت الشباب من لغتهم، وعززت وعيهم بضرورة الحفاظ عليها.

ودعت إلى مزيد من التوعية والاهتمام بهذا الاتجاه، وخاصة في المدارس، وتوظيف وسائل التقنية في الدعاية إلى الاعتزاز بلغتنا.