أعمال فنية متنوعة في معرض «معاملات سطحية» للفنانة التشكيلية الإماراتية إيمان الهاشمي، المقام بغاليري عائشة العبار في السركال أفينيو بدبي، تحت إشراف القيم الفني الإماراتي ناصر عبد الله.

وتعد أعمال الفنانة مرآة تعكس عبثية التكرار، وقيمة اللحظات والروابط السطحية في عالمنا السريع المدفوع بالتكنولوجيا، وتسلط الضوء على العلاقات المعقدة والمتشابكة مع الأفكار والأشياء.

تستدعي الهاشمي مشاعر الانبهار والتأمل، وتستمر في طرح أسئلتها حول التكرار والاستهلاكية، مستندةً إلى خبراتها الغنية، التي تشمل الطباعة اليدوية، النحت، والخزف، وصولاً إلى الأعمال الأدائية ومقاطع الفيديو.

تقدم الفنانة إيمان في هذا المعرض مجموعة من الأعمال التي تُبنى على تجاربها السابقة، وتظهر كتعليقات وتأملات تجسد مراحل مختلفة، مرت بها منذ بداية مسيرتها، حيث بدأت بتجارب في الطباعة اليدوية.

وإنتاج نسخ متكررة خلال سنواتها الأكاديمية المبكرة، ثم انتقلت إلى النحت والسيراميك، واكتشفت في النهاية مجموعة متنوعة من الوسائط الفنية، بما في ذلك فن الأداء وأعمال الفيديو متعددة الوسائط. وعبر الزمن، تطورت أعمال الهاشمي، وتغير منظورها الفني، حيث باتت تمتاز بقدرتها على احتضان الأخطاء، وعدم الاتساق في النسخ المختلفة، وقبول وجود نسخ متعددة من الشيء ذاته.

تفاعلات أصيلة

وتستخدم إيمان القوالب المتعددة والأشكال التجريدية للتعامل مع أفكار الهوية، والأصالة، والواجهات المُنسقة التي يقدمها الناس في الحياة الحديثة، من خلال مجموعة من الأعمال البصرية اللافتة، التي تدعو الزوار إلى التوقف والتأمل في ما قد يختبئ تحت هذه الواجهات اللامعة، ما يجعل المعرض يثير تساؤلات مهمة حول أصالة تفاعلاتنا اليومية.

تفكير نقدي

وتقول إيمان الهاشمي: إن عدم الاتساق في النسخ المختلفة، وقبول وجود نسخ متعددة من نفس الشيء، سواء في الفن أو في الحياة، تعكس نظرتي المتصالحة حول العيوب والاختلاف وتنوع الطبيعة البشرية، حيث نتفاعل مع كل حالة وظرف بشكل مختلف. تجمع هذه المقاربة الفريدة بين التجريب والتفكير النقدي.

وتضيف: أهدف من خلال أعمالي إلى تسليط الضوء على علاقاتنا المعقدة والمتشابكة مع الأفكار والأشياء من حولنا، وعلى الحالات الاستهلاكية المتكررة، التي تصل أحياناً إلى حد الملل، ما دفعني إلى تقييم الأشياء والأفكار من زوايا مختلفة.

وتؤكد الهاشمي أنها تشجيع زوار المعرض على النقد المستمر لتفاصيل الحياة اليومية، ورؤية ما يعتقدونه أمراً عادياً من منظور جديد، والسعي إلى الحفاظ على إنسانيتنا غير الكاملة، وتجنب السعي نحو الكمال، ما يضع الفن كوسيلة للتواصل مع الذات ومع الآخرين، بعيداً عن الروتين المتكرر.

وتسترسل: أعتقد أن أعمالي تتناول بشكل مباشر المفارقة التي تنشأ عندما تصبح حياتنا أكثر تنظيماً ودقة بفضل التكنولوجيا، لكنها في المقابل تفقد جزءاً من إنسانيتها. التنظيم والدقة التي توفرها التكنولوجيا، قد تزيل الهفوات البشرية.

لكنها قد تضع الإنسان في «منطقة الراحة»، التي قد تؤدي إلى الملل والرتابة، وكيف يمكننا تقدير متعة الحياة، عندما تصبح كل تفاصيلها مدارة بواسطة آلات وتقنيات، لذلك كان من الطبيعي أن تتحدث أعمالي عن تأثير ذلك في التجربة الإنسانية.

عصر التناقضات

وتوضح: تجربتي الفنية تهدف إلى الوصول إلى أفضل الطرق للتفاعل مع الحياة الشخصية. إنها عملية تأملية، تتيح استكشاف عمق الحياة والفن على حد سواء، سعياً لتحقيق توازن أكثر، ووعي أكبر بكيفية التعامل مع هذه الجوانب المتداخلة.

فكل التناقضات تتجسد في الإنسان، حيث يظهر له وعيه باستمرار، مدى محدوديته في بحر المعرفة اللامتناهي. فالإنسان، رغم سعيه الدائم للوعي والفهم، يجد نفسه محاطاً بالتناقضات التي تشكل جزءاً من طبيعته، وكما أن الظل والنور يترافقان دائماً، كذلك وعي الإنسان يكشف له حجمه الصغير أمام عالم المعرفة الشاسع.

ألف ملعقة

ويقول ناصر عبد الله القيم الفني المشرف على المعرض: أنتجت إيمان الهاشمي عملاً فنياً مثيراً للاهتمام في عام 2021، بعنوان «ما الجدوى من امتلاك 1000 ملعقة؟». هذا العمل الفني يتكون من ألف ملعقة خزفية، حيث وضعت كل ملعقة على لوحة مرسومة على ورقة بمقياس محدد، ويتكرر هذا الشكل ألف مرة. يتعلق الأمر بقيمة امتلاك الأشياء والعبثية في تكرار عنصر بسيط، مثل الملعقة في حياة الإنسان.

ويتابع: تتلاعب الهاشمي بمفاهيم وأشكال الإنتاج الفني، حيث تسعى إلى إظهار علاقاتنا المتعددة والمتشابكة مع الأفكار والأشياء من حولنا. وتعكس أعمالها حالة استهلاكية متكررة، تصل أحياناً إلى حد الملل، ما يدفعها إلى إعادة تقييم الأشياء والأفكار،.

والنظر إليها من زوايا مختلفة، وتبرز النقد المستمر لتفاصيل الحياة اليومية، ومن خلال هذه الرحلة الفنية، تدعونا الهاشمي إلى التأمل الدائم، والتجول في تفاصيل الحياة اليومية بعين ناقدة.

ويضيف: أعمالها تمثل دعوة للمحافظة على إنسانيتنا غير المثالية، والابتعاد عن السعي وراء الكمال، حيث تجعل من الفن وسيلة للتواصل مع الذات والآخرين، بطريقة تتجاوز التكرار والروتين اليومي.

الواقع المادي

ويشير ناصر عبد الله إلى أن «المعاملات سطحية»، يفتح باباً للتفكير في العلاقة بين التكنولوجيا، والتنظيم الحضري، وذاكرة المكان، ويمكن تأمل ذلك عبر لوحة «في ذكرى الدوار». ويردف: على الرغم من إزالة الدوار الواقع في الحي الذي كانت تسكنه الهاشمي، واستبداله بتقاطع منظم بالإشارات الضوئية، إلا أن خرائط غوغل، كأداة تقنية، ما زالت تحتفظ بذكراه.

حيث إنه لم يتم تحديث الخرائط إلى وقت قريب. هذه المفارقة تثير أسئلة حول دقة التكنولوجيا في تعقب التغييرات المادية في حياتنا اليومية، وكم من الوقت قد يستغرق تحديث هذا النظام الرقمي ليواكب الواقع.